بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین. عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
تكلّمنا في الخُطَب الماضیة عن الأمنیّة في لختلف المجالات ، فلنتکلّم الیوم بإختصار عن الأنواع الأخری من الأمنیّات و منها :
الأمنیّة العائلیّة:إنَّ من أهمّ أنواع الأمنیّة هي الأمنیّة العائلیّة التي یكون الناس بأشدّ الحاجة إلیها سواءً إن كانوا یعیشون في مشارق الأرض أو مغاربها إذ أنَّ إختلال هذه الأمنیّة تسبِّب الكثیر من المشاكل التي تزحزح الإستحكام و جوّ الإنسجام في العائلة و تتسرّی بالتدریج إلی المجتمع و تؤدّي إلی تَشَتُّتِهِ. و إنّنا نری أهمّیّة هذا الإنسجام في ما قاله الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله : « مَا بُنِيَ فِي الْإِسْلَامِ بِنَاءٌ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ أَعَزُّ مِنَ التَّزْوِيجِ.»      
إنَّ تحقیق هذه الأَمنیّة تستوجب الشروط الآتیة :
أوّلاً : معرفة حقوق الزوج و الزوجة و مراعاتها.     ثانیًا : یجب أن یتمّ تنظیم التربیة العائلیّة و إجرائها في النطاق المُخَصَّص له.
ثالثًا : یجب علی الدولة سنّ القوانین التي تُسَهِّل الأمور العائلیّة و تهیّئ الظروف المناسبة لرشد العائلة و إستحكام الأنظمة العائلیّة.  
فإن النظام العائليّ أمرٌ مقدّسٌ ، ولذلك یجب أن تتزاید أهمّیّته و أمنیّته و أن یکون من الأولیّات في الحطاة أكثر فأكثر ، و لذلك لا سبیل لتحقیق هذه الأهمّیّة سوی مراعاة الوجهات الحقوقیّة و الأخلاقیّة في النظام العائليّ و هذا هو ما یُحَقِّق هذا النظام المقدّس ، فیجب الإهتمام به و علی  الدولة و الأنظمة  الحكومیّة أن تضمن الأمور التي تسَهِّل تشكیل العائلة.
فیجب أن تتیسَّر للأفراد إمكانیّة الحصول علی الشغل و المسكن و تتیسّر في إمكاناتهم  تكالیف الزواج و مراعاة  الشروط الضروریّة لذلك بصورة جدیرة لكي یتیسّر للأفراد بدایة حیاتهم بصورة مستقلّة و إبعاد المشاكل التي تُصَعِّب تحقیق الرفاه ، فإنَّ تلک المشاکل هي التي كثیرًا ما تكون السبب الأكبر للمشاكل العائلیّة بین الزوج و الزوجة.
و حین تكون تهیئة هذه المُقدَّمات الضروریّة لتشكیل العائلة و سیادة التعالیم الدینیّة و الأخلاقیّة بین الزوج و الزوجة الذین هم العنصرین الأساسِیَّین لتشكیل العائلة ، سوف تكون المشاكل في هذا المضمار أقلّ بكثیر.  
و لكن و مع الأسف الشدید نری أنَّ العوامل التي تُهدِّد الأمنیّة العائلیّة كثیرة جدًّا و لو إن لم یتمّ الوقوف أمامها و إبعادها ، فسوف یسود الإضطراب علی محیط العائلة و ذلك ما یؤدّي إلی التفكك والتلاشي بین أفرادها. و من جملة العوامل التي تُهدِّد التضامن العائليّ هو الإعتیاد علی الموادّ المخدِّرة الذي یسبِّب الأضرار الشنیعة علی العائلة و یسبِّب التلاشي بین أفرادها بمختلف العوامل.
إنَّ إتلاف السنین في ربیع العمر هي فترة الشباب و إتلاف الكثیر من الأموال والثروات المادّیّة والإبتلاء بالأضرار الجسمیّة و المعنویّة و الروحیّة وإنهیار الأعصاب و فقدان الحیثیّة و الكرامة ، كلّ هذه هي من العوامل التي تُفَرِّقُ بین الزوج و الزوجة و بالنتیجة تجعل ذرّیّتهم في حیرة و تسبِّب لهم فقدان السیطرة علی الأعصاب و تؤدّي حتّی بالكثیر منهم إلی الإنحراف عن سواء السبیل و الوقوع في مفاسد الفحشاء و المنكر و تلاشي الأمنیّة و الإبتلاء بالعُقَد النفسیّة و الإنهیارات الذهنيّة و العائليّة. 
كما و أنَّ من جملة العوامل التي تُهدِّد كیان العائلة بكلّ شدّة ، هي الفقر و فقدان الشغل و العمل و مصدر الرزق. فعلی أيِّ حال یجب أن نقبل بأنَّ الفقر و الضیق الماليّ یکون علی وشك الكفر كما نری بیان ذلك في هذه الروایة التي جاء فیها : «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلی الله علیه و آله كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً. . . .»
و العامل المهمّ الذي یُسبِّب التلاشي في العائلة هو تدهور الوضع العائليّ ، إذ أنَّ الإنسان الفقیر لا یحسّ بالإحترام حتّی من زوجته أو ذرّیّته و لذلك جاء في الروایات وصایا حثیثة للتعاون بین الجمیع لتوسعة مدار المعیشة العائلیّة و توفیر وسائل الراحة لكلّ أفراد العائلة. و لهذا نری التأكید الحثیث في الإسلام علی ضمان الشغل لأفراد المجتمع و هذا هو من واجبات الحكام و المسؤلین في الحكومة.
إنَّ موضوع السعي لكسب الرزق من الأمور التي تُعتبر من العبادات الكبیرة و هي ما جاء ذكرها في حدیث المعراج أنَّ تسعة أجزاء من العبادة  هي طلب الحلال ، و لذلك یكون الذین یسعون بالعمل لكسب الرزق الحلال بكلّ جدٍّ و جهد هو مصداق أنَّ العمل عبادة و في نفس الوقت من عوامل تربیة الإنسان و التمتُّع بالرشد و الرفاه لأفراد المجتمع.
إنَّ الإهتمام بهذا الأمر مهمٌّ جدًّا لدرجة بحیث أنّنا نری في الروایات : « قَالَ قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ علیه السلام مَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ مُسْلِمٍ قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَقْبَلَ عَلَى الْعِبَادَةِ وَ تَرَكَ التِّجَارَةَ فَقَالَ وَيْحَهُ أَمَا عَلِمَ أَنَّ تَارِكَ الطَّلَبِ لَا يُسْتَجَابُ لَه. . . . »‏
و لذلك فیجب أن تتوفّر شروط العمل و أن یكون الأفراد راغبین في العمل ، لکي یؤدّوا الواجبات التي علی عاتقهم لتهیئة محیط الأمن و الرغد للعائلة كما نری بیان ذلك في روایة عن الإمام الصادق ع التي جاء فیها : «إسْعَ عَلَى عِيَالِكَ وَ إِيَّاكَ أَنْ يَكُونَ هُمُ السُّعَاةَ عَلَيْك.»
و من جملة الأمور المهمّة التي یجب التوجّه إلیها بكلّ دقّة هي وجوب التمعُّن في الرغبات التي تخطر علی بال المعنیّین للتزّوج و تحلیلها لكي لا یقع الإنسان في المشاكل بسبب التزوُّج من دون مطالعة المُستهدف المقصود الذي یثیر رغبة الإنسان المجرّد بصورة آنیّة. إذ أنّنا نری أنَّ البعض یتزوجون بسبب الجمال المُغري أو الثروة أو الرأسمال أو الخصائص الثقافیّة أو درجات الدراسات العلیا أو الفنون أو التحفیز من قِبَل الأصدقاء أو الإجبار من قِبَل الوالدین أو الأقرباء بسبب درجات الدراسات العلیا و ما شابه ذلك للتزوُّج و الكثیر من هذه التزوّجات لا تدوم طویلًا و تتلاشی من بعد مدّة.   
و لكن العکس یکون حین یتزوج الإنسان من دوافع النجاة من العُزلة و الرغبة و المحبّة و الحصول علی الذُریّة الصالحة و تربیتهم و الإستجابة للغرائز الجنسیّة و إشباعها بالحلال وفقًا للسُنّة الإلهیّة و لحفظ الكرامة و التعفُّف و لكي یعمل الإنسان بالسنّة النبویّة التي سنّها الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله و لنیال الكمال و حفظ المحبّة الإلهیّة التي جعلها بین الزوجین الذكر و الأنثی و الإعتماد و الثقة المتبادلة بینهم و التوكل علی الله تبارك و تعالی و العمل بقوانینه التي لم تكن إلّا للرحمة و الألفة و السكینة المتبادلة التي جعلها الباري جلّ و علا بینهم و بهذه الخصائص یضمنون السكینة و المحبّة لأنفسهم و لأزواجهم و بهذه النظرة و العمل بها یضمنون لأنفسهم السلامة الروحیّة و النفسیّة في البیت و یذوقون طعم جنّة الدنیا و ینشرون الأمن في المجتمع الذي یعیشون فیه.  
و خلاصة الكلام هو أنَّ الأمنیّة العائلیّة لها دورٌ مهمٌّ جدًّا في الحیاة الإجتماعیّة كما و إنّنا نری فیها أجمل المعنویّات التي یحسُّ بها الإنسان في حیاته بصورة تعلیمیّة و عملیّة و واقعیّة. و لذلك یجب علی الوالدین أن یتمعّنوا بدقّة في دورهم لنشر الأمنیّة في البیت من الناحیة التربویّة لیُقدِّموا الباقیات الصالحات من ذریّتهم إلی المجتمع البشريّ لکي یتمتّع الجمیع فیه بالأمن و الأمان و هي النتیجة المطلوبة و المرغوبة في كلّ المجالات الإجتماعیّة ، فعسی أن یُحقِّقها الجمیع إن شاء الله تبارك و تعالی.
نرجوالله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.
           والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment