بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
إنَّ من الأمور المهمّة التي تخصّ موضوع الإمن، هي البحث عن الأمور التي تهدِّد  تواجد الأمن. و قد تطرّقنا في الخطبة الماضیة إلی العاملین و هُما العامل السیاسيّ و العامل الإقتصاديّ فلنری الیوم ما هي العوامل الأخری.
العوامل الإجتماعیّة التي تهدد الأمن:
إنَّ أيِّ نوعٍ من القلق و الإرتباك في المجتمع هو تهدید للأمن. فمثلاً لو رأینا تفشّی البغض و قلّة العدالة في أيِّ مجالٍ كان، فانه یهدّد الأمن. و المقصود من قلّة العدل أو عدم تواجده هو سحق لحقوق الأفراد في المجتمع و عدم الإعتراف بما هو حقٌّ لهم. فعلی أيِّ حال یجب أن تُوَزَّع الإمكانات المادّیّة و المعنویّة بین الناس و لكلٌّ علی مقدار حقّه و حاجته من دون أيِّ إفراط ٍ و تفریط.
و الإسلام یؤکّد بشدة علی حفظ  حقوق الآخرین وأداء ما هو حقّهُم لهُم و لذلك نری ذكر الظلم و الألفاظ المرادفة للظلم أكثر من ثلاثمائة مرّة في القرآن الكریم و اللوم و التهدید لأولئك الذین لا یقیمون وزنًا لحقوق الآخرین و یظلمونهم و یغصبونهم إذ أنَّ ذلك یؤدّي إلی قلّة الأمن و التخلخُل في النظام الإجتماعيّ.
إنَّ ثبات الحكومة یحصل فقط حین یكون النظام مبنیًّا علی إحیاء سُنَن العدل و تطبیقه في كلِّ المجالات الإجتماعیّة كما قال أمیر المؤمنین عليّ ع : « ثَباتُ الدُّوَل بإقامَةِ سُنَنِ العَدل ».   و إنَّ تبعات فقد الإجتماع یؤدّی الی معاناة المجتمع.
و هذا التخلخُل في النظام یفسح المجال للمغرضین أن یتمتّعوا بالمكاسب و الثروات المغصوبة في حین أنَّ هنالك الكثیر من الناس الآخرین الذین یُعانون الفقر و قلّة المكاسب و یبقون محرومین من حقوقهم التي لهم من دون أيِّ شك و تردید. و لذلك فقد أجاب أمیر المؤمنین عليّ ع في جواب سؤال وُجِّهَ إلیه فیما یخصُّ الفرق بین العدل و الجود قائلاً:
« العدلُ یَضَعُ الأمور مَواضِعها وَ الجود یُخرِجُها مِن جِهَتِها وَ العدلُ سائسٌ عامٌّ و الجود عارضٌ خاصّ فالعدل أشرفها و أفضلُها » و لذلك فإن لم یكن هنالك ما یُسَهِّل كسب الرزق الحلال و توزیع الأموال و الثروات بصورة عادلة ، فسوف یؤدّي ذلك إلی تشتُّت المجتمع إلی طبقات متفاوتة تنتشر بینها الخلافات الإجتماعیّة. و لذلك یجب علی الحكومة أن تدیر الأمور بالتدبیر و الحكمة و الوعي ، لكي لا ینحرف البعض و تُسوّل له نفسه إرتكاب المعاصی و غصب الأموال و الإستیلاء علیها بالحرام.
و ممّا لا شك فیه هو أنَّ قلّة العدل فی المجتمع او التبعیض فيه من قبل الحكّام مع الناس ، سواءًا إن كان ذلك في مجال كسب الرزق أو الإمكانیّات المالیّة أو الإهمال في تقدیم الخدمات من قِبَل الدولة إلی الشعب یمكن أن تكون من العوامل التي لها أكثر التأثیر في أنعدام الأمن و السكینة في المجالات الإجتماعیّة و سلب مرضاة الناس و قلّة إعتمادهم علی الحكام بصورة عامّة و النتیجة تكون فقد الأمن و تزلزل الأسس الإجتماعیّة.    
بل انّه یوکّد حثیثاً علی تجنّب البعض و صدم الناس و الابتعاد عن الامور الشخصیّة و للتجنُّب عن العوامل التي تُهدِّد الأمن الإجتماعی یجب أن نكون علی حذر من نشر التفرقة و الخلافات بین الشعب و الحكومة و أن لا نكون علی غفلة عن الذین یدسّون الإختلافات بین المذاهب ، إذ أنَّ كلٌّ من هذه الأمور تؤثِّر علی الجوّ الإجتماعيّ و تسبِّب له التدهوُر.
و لذلك نری التأكید الحثیث في الإسلام علی الوحدة و الإئتلاف بین الناس و هذا التأكید مُوَجَّهٌ إلی المسؤلین في الحكومات لكي یسعوا لتقدیم الخدمات للمواطنین وفقًا للمعاییر الإنسانیّة و تحقیقها و كسب مرضاة الناس و عدم إهمال دورهم في التبعیّة للحكومة و تقویتهم لها.
و من أهداف هذا التأكید هو بیان أنَّ العدالة التي یرغب بها كلّ الناس یجب أن تكون من أهمّ ما یُنفِّذه الحاكم و أن یسعی أن لا یثیر غضب الناس بسبب ترجیحه لعدد محدودٍ من الأقربین إلیه، إذ أنَّ إنتشار الغضب بین الناس هو من أشدّ العوامل التي تنشر الإرتباك بین الناس و تخلخُل النظام الإجتماعيّ و لذلك أكد أمیر المؤمنین ع في كتابه إلی مالك الأشتر: « ولْيَكُنْ أَحَبَّ الأمُورِ إلَيْك أَوْسَطُهَا فِي الْحَقِّ، وأَعَمُّهَا فِي الْعَدْلِ، وأَجْمَعُهَا لِرِضَى الرَّعِيَّةِ، فَإِنَّ سُخْطَ الْعَامَّةِ يُجْحِفُ بِرِضَى الْخَاصَّةِ، وإِنَّ سُخْطَ الْخَاصَّةِ يُغْتَفَرُ مع رِضَى الْعَامَّةِ، ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الرَّعِيَّةِ أَثْقَلَ علَى الْوَالِي مَؤونَةً فِي الرَّخَاءِ، وأَقَلَّ مَعُونَةً لَهُ في الْبَلاءِ، وأَكْرَهَ لِلانْصَافِ، وأَسْأَلَ بِالالْحَافِ، وأَقَلَّ شُكْراً عِنْدَ الاعْطَاءِ، وأَبْطَأَ عُذْراً عِنْدَ الْمَنْعِ، وأَضْعَفَ صَبْراً عِنْدَ مُلِمَّاتِ الدَّهْر، مِن أَهْلِ الْخَاصَّةِ، وإِنَّمَا عِمَادُ الدِّينِ، وجِمَاعُ الْمُسْلِمِينَ، والْعُدَّةُ لِلاعْدَاءِ الْعَامَّةُ مِنَ الامَّةِ، فَلْيَكُنْ صِغْوُك لَهُمْ، ومَيْلُك مَعَهُمْ. »   
و لذلك فإن تحقیق الأمن العام الذي یشمل الجمیع ، یستوجب أن یسعی الجمیع في تحقیقه ، فلو إن قام كلٌّ من أفراد المجتمع و خصوصًا كلٌّ من المسؤلین بأداء واجباته بصورة صحیحة ، فسوف یسود الأمن و النظام في المجتمع و هذه الظواهر هي التي تمنع إنتشار الفوضی في المجتمعات. و لكن لو إعتزل الحُكام عن الحقائق في المجتمع ، فسوف یؤدّي ذلك إلی ضعف مساندتهم من قِبَل المجتمع و بالتدریج سوف یفقدون السلطة و التأیید من قِبَل الناس. 
و من جملة الأمور التي تسبِّب الأخطار للأمن الإجتماعی هي لُجوء المُغرضین إلی نشر الإختلافات المذهبیّة و ذلك حین لا یلتفت الناس إلی المشتركات التي بینهم و هذا هو ما یؤدّي إلی التفرقة بین الناس.
و عندئذٍ یلجأ التابعین لكلّ مذهب للقیام ببعض التدابیر للدفاع و لو لم یُمنَع هؤلاء من أعمالهم ، فسوف یصاب الأمن العامّ بالضّرر و ینتشر القلق في المجتمع. و لذلك نری في القرآن الكریم الدعوة الی تفعیل المشتركات بین الأدیان و المذاهب لكي یتمكن الناس أن یعیشوا جنبًا إلی جنب بأمن و سلام و صداقة فیما بینهم و لهذا نری في الفقه الإسلامي التفاصیل الكثیرة التي تخصُّ تعامُل المسلمین مع غیر المسلمین بالتي هي أحسن. 
كما و أنَّ هذه الوصایا مُوَجَّهَة إلی المسلمین بان یتعاملوا مع اتباع المذاهب الإسلامیّة المختلفة و ذلك بأخذ المشتركات فیما بینهم بنظر الإعتبار لكي یتعایشوا بمودّة و إحترام متقابَل و لكي لا ینتشر الشجار في المجتمعات الإسلامیّة و بین المذاهب و القبائل و الأقوام ، إذ أنَّ هذه الإختلافات لا تنفع أيٍّ من الفِرَق ، بل إنَّها تصیبهم بأسوأ الأضرار و لا ینتفع بها إلّا الأعداء.  
نرجو الله تبارك وتعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.    
           والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment