بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
تكلّمنا في الخُطَب الماضیة عن الأمور التيتهدِّد الأمن في المجتمع و ذكرنا بعضاً منها فلنری الیوم ما هو تأثیر العوامل الأخلاقیّة في هذا المضمار.    
العوامل الأخلاقیّة التي تهدد الأمن :
و لتوضیح الأمر یجب أن نعلم بأنَّ كلّ أبعاد الفضائل الأخلاقیّة التي یتوسّم بها الناس ، لها دورها في تحقیق الأمن الإجتماعی. فلونظرنا مثلًا إلی المفاهیم العقلانیّة، العدالة، الحكمة، التعفف و غیرها من الفضائل ، نری أنّها  یمكن أن توسِّع العلاقات السلیمة بین الناس و سوف تتوجّه  عندئذٍ القوی الفردیّة و الإجتماعیّة في المسیر الصحیح للتقدُّم و التطوُّر و ینتشر الإحساس بالأمانة عند الناس و یحصلون علی الخدمات و یتعاونون و یؤثرون بعضهم بعضاً و یبتعون عن الانانیة و یتوسّمون بالجود و العفو عن الآخرین و یتعاون الجمیع في إِبعاد الفقر و الجهل عن المجتمع الإنساني و كلٌّ من هذه الخصائص و المساعي له دوره في تَحقیق قسمٌ من الأمن في المجتمع.   
و أمّا إبتعاد المجتمع عن الفضائل من قبیل الوفاء و مراعاة المستقبل البعید في التفكیر و الاتّزان في التصرُّفات و العفو عند المقدرة و الإحساس بالمتضرّرین و الصفاء في المشاعر و الصبر علی المشاكل و التعفُّف و رقّة القلب و حسن النیّة و المحبّة تجاه الخلق، فغیاب مثل هذه المفاهیم یؤدّی الی فقد الثقه فی ما بین الناس و یفتح للریبة باباً بین الشعوب و الدّول و الحکومات و یشوبون العلاقات العامة بالکدر.
و كلّما إضمحلّ التفاهُم و التعامُل و ضعُفت العلاقات بین الشعوب، كلّما أُصیب و إضمحلّ الأمن في مختلف المجالات ، و لذلك فإنَّ الرذائل الأخلاقیّة سواءًا إن كانت في المجالات الفردیّة أو في المجالات الإجتماعیّة تكون هي من أكثر العوامل التي تؤثِّر في فقد الأمن في الحیاة الإجتماعیّة.
و سوف نتطرّق في الخُطَب المقبلة إلی ما یخصُّ هذه الظواهر و نتکلّم عن كلّ موضوع علی حدة بالتفصیل إن شاء الله تبارك و تعالی لنا التوفیق لذلك.
الأصول الأخلاقیّة في إدارة أمور الموارد البشریّة:
لا بأُس أن نذكر هنا قبل كلّ شئ الأصول الأخلاقیّة في إدارة الموارد البشریّة التي یمكن تقسیمها إلی عشرة موارد و هي :
       · یجب دائمًا أخذ المنزلة العليا للإنسان في المخلوقات بنظر الإعتبار و التوجُّه الحثیث إلی كرامة الإنسان و حفظها.
       · یجب مراعاة جمیع الناس فیما یخصّ تقسیم الموارد العامّة للثروات و أن تُقَسَّم بین الناس بالوجدان و التساوي و من دون عدّة خاصّة بنظر الإعتبار و ترجیحهم.
       · یجب أخذ الوجهة الصحیحة فی التعامُل بین الناس بنظر الإعتبار و تجنُّب التبعیض بكلّ جدّ .
       · یجب علی الأشخاص الذین وكّلت إلیهم المسؤلیّات أن یقوموا بأداء واجباتهم بصورة صحیحة ومن دون طمعٍ في كسب المقام أو السلطة.
       · یجب أن یتمّ تحدید الإرتباطات بین العمّال أو الموظّفین و بین المجتمع و مراعاتها بكلّ دقّة. 
       · یجب أن تُستَعمَل الأسالیب التي تفتح المجال امام المُنتَخَبین و أن یضعوا مواهبهم و قابلیّاتهم بأحسن ما یمكن في خدمة المجتمع الذي یعیشون فیه.   
       · یجب فتح مجال المشاركة لذوي المسؤلیّات فیما بینهم بالبرامج التي تشجّعهم لتقویة المُحَفِّزات و النشاطات عند الجمیع.
       · یجب علی المسؤلین الإحساس بالمسؤلیّة في أداء حقوق جمیع الطبقات في المجتمع.  
       · یجب التعامل مع جمیع الطبقات و الأفراد علی أساس المساواة  والعدالة.
       ·یجب التجنُّب عن التدخُّل في المسائل الخصوصیِّة للأفراد ؛ إذ أنَّ هذا التدخُّل یجلب الکدر في الاجواء العائليّة و یسبّب القلق للأفراد و یؤدّي إلی عدم ثباتِهِم بالقیام بأعمالهم علی أحسن وجهٍ.   
إنَّ المقصود من الأخلاق في مجال الأمن الإجتماعي هو ما یؤثِّر علیها سلباً أو إیجاباً مع الروابط  المحیطة بها. فالمجتمع الامن هو المجتمع المتمسّک بالفضائل الاخلاقیّة حیث  انّ الامن الاجتماعی یتاتی من خلال التاکید علی المسائل الاخلاقیه الفاضله و هجم اتّساعها فی المجتمع.
 
و نشیر هنا أیضًا إلی أهمّ هذه العوامل:
و من جملة العوامل الأخلاقیّة التي تُساهِم في تحقیق الأمن و الإستقرار في المجتمع ، هي القیام بالأعمال كلّها وفقًا للأُسُس و الضوابط القانونیّة ، إذ أنَّ  ذلك هو العامل الذي ینشر الثقة المتبادَلة بین الناس و الحكومة و لو لم یكن الأمر كذلك ، فسوف ینتشر القلق و یؤدّي إلی فقدان الأمن و التخلخُل في المجتمع.
فلو قامت المحسوبیّات و العلاقات الشخصیة فی ایّ نظامٍ حکم مقام القانون لادّی الی زعزعة الثقه بین الحاکم و المحکوم و بالتالی الی انهیار التام للعلاقات العامه فی الاعتماد علی السلطویة و الفردیة فی الحکم بنائاً علی المحسوبیّات من العوامل المضادّة  للاخلاق.
الاسلام یوکّد حثیثاً علی تقویة الروابط بین الأقرباء ولكن فقط في مضمارالحقوق الشخصیّة، ولكن لوتسرّبت هذه العلاقات الشخصیّة بین الأقرباء و سیطرت علی الأنظمة الإداریّة ، لأدّت إلی افدح الأضرار و لسبّبت انعدام الثقة بین الناس وعدم إعتمادهم علی الأنظمة الإداریّة و كلّ ما ضعُفَ هذا الإعتماد ، كلّ ما قلّ الأمن في الحیاة الإجتماعیّة.
و خیر دلیلٌ علی ذلك هو ما نراه في توصیة أمیر المؤمنین عليّ بن أبیطالب ع إلی أحد العمّال الذي هو «المنذر بن الجارود العبدي» فیما یخصُّ المسؤلیّة التي توضع علی عاتقه بأن لا تكون مبنیّة علی أساس القرابة أو الصداقة بل یجب أن تكون مبنیّة علی العدل قائلاً له: « لَئِنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ حَقّاً لَجَمَلُ أَهْلِكَ وَ شِسْعُ نَعْلِكَ خَيْرٌ مِنْكَ وَ مَنْ كَانَ بِصِفَتِكَ فَلَيْسَ بِأَهْلٍ أَنْ يُسَدَّ بِهِ ثَغْرٌ أَوْ يُنْفَذَ بِهِ أَمْرٌ أَوْ يُعْلَى لَهُ قَدْرٌ أَوْ يُشْرَكَ فِي أَمَانَةٍ أَوْ يُؤْمَنَ عَلَى جِبَايَةٍ».
و هكذا نری أنَّ أمیر المؤمنین ع كان یؤكد علی أن لو كان المسؤل یوزّع ما یجب أن یُقام بأدائه بناءًا علی أساس الروابط الشخصیّة أو الأقارب و لیس في وسعه التمییز بین الحقّ و بین العواطف و الصداقة ، فلا لیاقة له بتحمُّل هذه المسؤلیّة و یجب علیه أن یتنحّی عن تلك المسؤلیّة. 
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ و علا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.    
           والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment