بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین. عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
تكلّمنا في الخُطَب الماضیة عن الأمن في المجالات المختلفة ، فلنبحث الیوم بإختصار عن الأنواع الأخری من الأمن و منها :
الأمن السیاسی :
إنَّ الأمن السیاسی في المجتمعات هو أیضًا من أنواع الأمن التي علیه التأكید الحثیث في الإسلام ، أي أنَّ الأفراد في المجتمعات الإسلامیّة یکونون ملزمین بِتَمَنّي الخیر للآخرین و فیما بینهم و للدولة و الحكومة و للمجتمع و إجرائها في نطاق النصائح و الإرشاد و الموعظة الحسنة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و تبادل الآراء و النصائح فیما بینهم و النقد البنّاء و الإنتقاد بالإحترام المتبادَل لکي یحسّ الكلّ بالأمن و الثقة المتبادلة و إنَّ هذه النظرات و حسّ التعاون و التئاخي و التضامُن و العلاقات الصمیمیّة هي من واجبات المؤمن و علی المؤمنین كلّهم أن یسعوا للتعاوُن فیما بینهم بكلّ صدقٍ و إخلاص. 
إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ إنتشار هذه الثقافة الأخلاقیّة في التصرُّفات هي أحسن الضمان لإحیاء الدین و حفظ المجتمع عن التصرُّفات والحوادث السیّئة و هذا ما نری بیانه والتأكید علیه في القرآن الكریم في قوله تعالی :          
« و َتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ »
إنَّ الإحساس بضرورة التعاون والعمل به و تواجُد روحیّة التضامُن بین الأفراد تشمل الجمیع و بصورة عامّة في المجتمع الإسلاميّ، كما و أنّ التوسُّم بهذه الفضائل تحفظ كلّ أفراد المجتمع من إرتكاب أيِّ خلافٍ أو معصية. إنَّ الإهتمام بالنصائح و الدعوة إلی سبیل الله تبارك و تعالی بالحكمة و الموعظة الحسنة لا تنحصر بین أفراد المجتمع فقط ، بل إنَّها موجّهة إلی الناس جمیعًا لیتوجَّهوا بها عند الضرورة إلی المسؤلین و الحكام و یُلفِتوا أنظارهم إلی ما یكونوا قد إتّخذوه من قرارات سیّئة عمدًا إن كانت أو سهوًا.
و لذلك یجب أن تُعطی الفرص بصورة عامّة للأفراد الذین عندهم إعتراضات منطقیّة لیُوجِّهوها إلی ذوي السلطة الذین بیدهم زمام الأمور ، لكي یقوموا بأداء واجباتهم بأحسن ما یكون و لو إرتكبوا بعض الأخطاء ، فیجب علی الذین من حوله وفقًا لمرتبته أن یلفت نظره إلی الأخطاء والتصرُّف علی هذا المنوال أمرٌ مهمٌّ في الأنظمة السیاسیّة لكي یتمكن الجمیع مراقبة سیرة الحُكّام و كلامهم و بیاناتهم لكي یؤَدّوا واجباتهم علی أحسن ما یُرام. 
و هنالك حدیث نبويّ صلی الله علیه و آله أنّه قال: « ثَلَاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ وَ النَّصِيحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَ اللُّزُومُ لِجَمَاعَتِهِمْ .» تحف العقول، ص 30
فإن توسّم الناس بهذه الروحیّة و عملوا بهذه التعالیم المباركة سیكون هو خیر ضمانٍ لسلامة المجتمع و إن نَسِيَ الناس هذه الخصائص أو تركوها لكان وبال ذلك هو تیاه الذین بیدهم الأمور في وادي الضلال و الفساد و ذلك ما ینشر الظلم في المجتمعات.
فیجب إذن أن یتمّ إتِّباع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و إجرائها مع مراعاة كلّ الشروط التي یجب مراعاتها حتّی ولو أدّی ذلك إلی إنتقاد الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر ، إذ أنَّ علی الأنسان أن یعمل بها إن إقتضت الضرورة مع مراعاة حیثیّة و كرامة الأفراد الذین یُوَجَّه لهم الإنتقاد و إحترامهم. و لذلك یجب حفظ حرمة المُخاطَبین بخیر ما هو مُمكنٌ و لا یجوز أن تُوَجَّه الإهانات إلی المسؤلین أوإتِّهامِهِم و كسر شأنهم و حرمتهم من قَبلِ أن یتمّ إثبات أيِّ سوء تصرُّفٍ منهم. إذ أنّ الإسلام لا یسمح بأيِّ وجهة ما كانت تحقیر و إهانة المسؤلین فقط ، بل إنَّ الإمتناع عن الإهانة و التحقیر تجاه أيِّ أنسانٍ أخر، واجبٌ علی كلّ إنسان و یجب أن تُحفظ كرامة الآخرین تحت أيِّ شروطٍ  كانت.  
و هكذا نری أنَّ تمنّي الخیر للآخرین أمرٌ مرغوبٌ و مطلوب و یجب أن یتمّ تحقیقه في مختلف المجالات و الإمكانیّات و منها المشاورة بالأخذ و العطاء كما بیّن ذلك أمیر المؤمنین عليّ بن أبیطالب علیه السلام في رسالته إلی مُحَمَّد بن ابی بکر :
« اضْمُمْ آرَاءَ الرِّجَالِ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ اخْتَرْ أَقْرَبَهَا مِنَ الصَّوَابِ وَ أَبْعَدَهَا مِنَ الِارْتِيَابِ إِلَى أَنْ قَالَ قَدْ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَغْنَى بِرَأْيِهِ وَ مَنِ اسْتَقْبَلَ وُجُوهَ الْآرَاءِ عَرَفَ مَوَاقِعَ الْخَطَإ »
فخلاصة الكلام في الأمن السیاسی هو أن لو إن كان مواطنٌ یُعین الآخرین أو ذوي المسؤلیّات الكبار في النظام السیاسيّ ناصحًا راجیًا الخیر لهم و یشاورهم في الأمر و یوجِّه لهم الإنتقاد البنّاء بالإخلاص و الحكمة و الموعظة الحسنة والدرایة ناظرًا للحقائق ، فإنَّه لا یكون من الذین یتمتّعون بالأمن فقط ، بل إنَّه یكون قد أدّی واجبه من الوِجهَة الإنسانیّة و الواجبات الدینیّة في محلّها و زمانها بخیر ما في وسعه.
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة و العمل بامرالله تبارک و تعالی و نسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment