بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
لقد تعرّفنا في الخُطَب الماضیة عن الأمن في مختلف المجالات ، فلنتكلّم الیوم بإختصار عن العوامل التي تهدِّد الأمن.
العوامل السیاسیّة التي تهدد الأمن :
یجب أن نعلم بأنَّ المجتمعات البشریّة في یومنا هذا بأمسّ الحاجة للتوجُّه إلی المشتركات في الأسس الجذریّة بین الأدیان الإلهیّة التي جاء بها كبار الأنبیاء، لكي یتقرّبوا فیما بینهم بالإحترام المتبادل لعقائدهم و مقدّساتهم و یعیشوا في أمنٍ و سلام في جوارهم.
ولكن ومع الأسف الشدید، نری أنَّ هنالك مِنَ المُغرضین من یظنّون أنَّ هنالك في هذا التقارب ضرر لأنفسهم و یسعون دائمًا لنشر الفِتَن و الحقد و التفرقة بین المنتمین إلی الأدیان الأخری.
و لذلك یجب علی العلماء الكبار و الرؤساء و مُعلِّمي الأدیان عقد مؤتمرات الحوار بین الأدیان و المذاهب لتعمیق و توسعة الإرتباطات فیما بینهم. و لكنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ هؤلاء المخالفین لیس عندهم أیّة رغبة في الأدیان الإلهیّة ، بل إنّهم یریدون التركیز علی المشاكل لإشعال الحروب بین الأدیان والحقیقة هي أنَّ هدفهم الأساسيّ هو منع تشکیل الحكومة المبنیّة علی الأُسُس الدینیّة و لذلك نری في القرآن الكریم تحذیر المسلمین من ذلك في قوله تعالی :
« وَ لاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ »
إنَّ ما یتّضح لنا من هذه الآیة الكریمة هو أنَّ النزاع الذي یشعله المستكبرون و أعداء الدین یكون ما یُرَكِّز علیه المخالفین للأدیان حتی لایتحقق أيِّ نوعٍ من المصالحة في الحیاة الإجتماعیّة. فیجب أن نكون علی وعيٍ و حذر منهم و أن نقف أمام الفِتَن التي یحوكونها في المجالات  السیاسیة أو الثقافیّة أو الإقتصادیّة لكي لا یستطیعوا أن ینشروا النزاع و الإختلاف بین الناس.  
كما وإنّنا نری التأكید الحثیث علی أن لیس هنالك في الأدیان الإبراهیمیّة أيّة دعوة أو ترغیب للمنتمین إلیها إلی إشعال الفِتَن و الحروب ، بل إنّ في كلٍّ من تلک الأدیان الدعوة إلی المسالمة و وجوب نشر الصلح و الأمن و السكینة للتعایُش مع الآخرین برفقٍ و محبّة في الحیاة الإجتماعیّة.
و لكن وللأسف الشدید نری أنّ هنالك الكثیر مِنَ المُغرضین ممّن یطمعون في كسب السُلطة و القدرة و الثروة ویسعون للسیطرة علی المجتمعات الضعیفة، فما لا شك فیه هو أنَّ هذه الأسالیب لا یمكن أن تكون وسائل مفیدة لنشر الأمن و السكینة في المجتمعات، بل یجب ضمان حقوق كلّ الأُمَم و الشعوب و کرامة الأفراد في المجتمع و العمل بأنظمة هیئة الأمم المتّحدة و غیرها.
و لذلك یجب أن یكون الدفاع عن حقوق كلّ إنسان و كلّ أمّة و أدائها إلیهم و خصوصًا المجتمعات الضعیفة و الأفراد الذین یعیشون فیها و یمنعون التدهوُرو الإنهیار و یُثَبِّتون الأمن و السلام في كلّ المجتمعات و حفظ حقوق الأمم و الشعوب و إحترامهم و إعطاء زمام أمورهم بیدهم و مساعدتهم في تنظیم حیاتهم ولیُعیِّنوا مصیرهم بأنفسهم و أن یقفوا أمام المستعمرین الذین یریدون سلب حرّیّتهم و ثرواتهم و یجب منعهم من نشر الرهب و الإرهاب في الأمم الضعیفة. إنَّ في القرآن الكریم التأكید الحثیث علی الإمتناع عن الإنحراف عن میزان العدالة ، بل و یجب أن تكون العدالة ، هي المعیار الأساسيّ في التعامُل مع الآخرین كما نری بیان ذلك في قوله تعالی :
« يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كونُوا قَوَّامينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلايَجْرِمَنَّكمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى‏ أَلاَّ تَعْدِلُوا إعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ.»
إنَّ ما نستنتجه من هذه الآیة الكریمة هي أنّ علی الإنسان أن لا یغفل في تصرُّفاته عن العدالة أبدًا و حتّی تجاه الذین هو في شجارٍ أو عداوة معهم. و إنّنا نری في آیة أخری أن لو كنّا في الحرب و أراد أحدٌ من المشركین أن یُسَلِّم نفسه و یطلب الأمان فعلینا أن نعطیه الأمان و نُقَدِّم الصلح له كما نری بیان ذلك في قوله تعالی :
« وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ »
و ما یجب أن لا ننساه هو أنَّ الكثیر من المشركین كانوا یُظهِرون خلافهم للإسلام في العیان و هم الذین بدأوا الحرب ضدّ الإسلام ، و لكنّ المُسلمین كانوا یدافعون عن أنفسهم فقط. إذ أنَّ المسلمین قد اُلزموا بأن یحافظوا علی أصول العدالة، بالرغم من أنَّهُم كانوا تحت هجوم المشركین و هذه الأصول التي توصي الناس لنشر الصلح و المحبّة في المجتمعات البشریّة ، هي من الأسُسِ الدینیّة في كلّ الأدیان الإبراهیمیّة. كما و فیها التحذیر الحثیث من إشعال الفِتَن فی المجتمعات.
 
العوامل الإقتصادیّة التي تُهَدِّد الأمن :
فكما أنَّ القلق و عدم الأمان و الإرتباكات السیاسیّة فيها تعهّد الأمنان في المجتمعات، کذا یكون الإرتباك في المجالات الإقتصادیّة أیضًا من الأسباب التي تنشر الإضطراب و عدم الأمن في المجتمعات أي بمعنی أن لو لم تتوزّع الثروات بالعدل بین الناس ، فسوف یواجه الفقراءُ المشاكل في تدبیر العیش و سدّ الحوائج في الحیاة الیومیّة و هذه المضائق هي التي تُسَبِّب تدهور العلاقات بین الناس. إنّنا نری في القرآن الكریم التأكید الشدید علی مشاركة الآخرین في الثروات و النِّعَم الإلهیّة لیتمتّع الجمیع بها و لكي یستطیع الناس أن یستفیدوا من النِّعَم و یتمكنون من القیام بالأعمال الصالحة و یتقدِّمون في المسیر نحو الكمالات المعنویّة و الروحیّة و التوصیة بهذه المزایا في قوله تعالی :
« یَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ »
و هكذا نری في هذه الآیة الكریمة بأنَّ الإنسان یستطیع أن یسعی لكسب رزقه بالعمل الصالح و عن طریق الحلال لکي یتمتّع بالنِّعَم التي یكسبها. و لذلك نری أنَّ الأنبیاء الذین هم أزكی الناس علی الإطلاق یكونون هم الذین یُخاطبهم الله تبارك و تعالی بهذه الوصایا و الحقیقة هي أنَّ الله تبارك و تعالی هو الذي فتح الأبواب كسب الرزق الحلال لیستفید عباده منها بأجمعهم و لیعمل كلٌّ منهم بواجباته بخیر ما في وسعه. إنَّ ما نستنتجه من الآیات في القرآن الكریم بخصوص ما یسبِّب الخلل الاقتصادی و التهدید الأمن الإجتماعی هي عدّة أمور و أوّلها هو الفقر الذي هو من أخطر العوامل و أكثرها تهدیدًا للأمن الإجتماعی. إذ لو إن كان الفقر منتشرًا في المجتمع فسوف یلجأ المحتاجین للسرقة و الخداع و الكذب و أمثالها من سیّئات التصرُّف و كلٌّ منها هو من العوامل التي تُسبِّب تلاشي الأمن و إنتشار الخوف و القلق في المجتمع.
و العامل الآخَر هو عدم إدراك معنی الزُّهد ، إذ أنَّ البعض یرون أنَّ الزهد هو التعبیر عن عدم الإمتلاك ، في حین أنَّ الزهد هو بمعنی عدم التعلُّق بالدنیا و مغریات و كم من الناس من هم یتمسّكون بهذه النظرة الخاطئة و لا یسعون لكسب الرزق الحلال بالعمل و السعي و یبقون كسالی فاقدین كلّ همّة و نشاط و هذه الخصائص تضرُّ المجتمع الذي تنتشر فيه. و لذلك فإنَّ الكثیر من الروایات حدثت الناس علی أن یسعوا للعمل و التجارة لكسب الرزق الحلال بكلِّ ما في وسعهم لكي لا یبتلون بالفقر و المضائق الإجتماعیّة و المالیّة. یُروی أنَّ أحداً جاء إلی الرسول الأكرم ص و قال له : یا رسول إنّي لم آكل شیئًا منذ یومین. فقال له رسول الله ص من دون أن یعطیه أيِّة مساعدة ، إذهب إلی السوق و إكتسب رزقك .
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.                                                                                           والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment