بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره ، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
  تكلّمنا في الخطبة الماضیة عن أهمّیّة الأمن في الإسلام و رأینا أنّها مهمّة لدرجة بحیث أنّها تُعتبَر من الخصائص الجیِّدة التي یجب أن تسود في البلاد و المُدُن التي ینتشر الأمن و الأمان فیها كما إنّ ذلك من أهمّ الخصائص للمجتمعات المثالیّة التي یتمنّی كلّ إنسان أن یعیش فیها. و لا ینحصر في الإسلام وجوب تحقیق الأمن علی الرفاه و الأمور المادّیّة فقط ، بل أنَّ هنالك الكثیر من المجالات الأخری التي یجب تحقیق الأمن فیها.   
و لكنّ المهمّ هو أنَّ إنتشار الأمن وفقًا للتعالیم الإسلامیّة هو ما یُهیّئ الأرضیّة لرشد الإنسان و تقدُّمه في مجال التعالي و الترقّي للتوصُّل إلی الكمال المُبتغی للإنسان و لا ینحصر فقط علی تأمین الرفاه و الطمأنینة من الناحیة المادّیّة للناس.
 و ما لا شك فیه هو أنَّ تأمین الرفاه من وجهة النظر الإسلامیّة له أهمّیّته الخاصّة فیجب أن تتهیّأ الأرضیّة لكلّ الناس لكي یتمتّعوا بالحیاة في كمال الأمن كمواطنین متساوین في حقوقهم ، و هذا ما یعني أن لا حقّ لأيِّ أحدٍ أن یتجاوز حدود الحرّیّة العامّة و یتعدّی علی حقوق الآخرین. فیجب أن یسود الأمن في المجتمع لكي یعیش الناس فیه في أمنٍ و رغد. فیجب إذَن أن تتهیّأ الأرضیّة للتعالي و الرشد المعنويّ لكلّ الذین یعیشون في المجتمع.
 فخلاصة الكلام هو أنّ أهمّیّة الأمن في الإسلام و مكانته المعنویّة و من جملة خصائصه المعنویّة هي:
لو إن كان من المفروض أن یسود الأمن و تنتشر الطمأنینة في بلدٍ ما ، فیجب أن لا یكون هنالك أيِّ تهدید منتشر یؤدّي إلی تزاید القلق والخوف والإضطراب في المجتمع بین الناس سواءًا إن كان ذلک شخصیًّا أو إجتماعیًّا، إذ أنَّ مثل هذا المجتمع الذي لا یسوده الأمن ، لا یمكن أن یعیش الناس في مثل هذه البلاد برغد و أمان حین یكون الأمن الإجتماعيّ فیه قد تلاشا و فنی.         
و ما لا شك فیه هو أنَّ المجتمع الذي یكون الإیمان من الأركان الأساسیّة لأنظمته في أذهان الناس و نفسیّاتهم ، فلا یمكن أن یؤثِّر التهدید الخارجيّ علی أنفسهم و علی أرواحهم لإبعاد الرغد و الأمان عنهم، بل إنَّ المؤمنون یقفون أمام ذلك بعزم و ثباتٍ مستندٍ علی الإیمان كما نری بیان ذلك في الآیة 173 من سورة آل عمران في قوله تعالی :
« الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَ قَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ 173 ‏»
إنَّ الإیمان بالله تبارك و تعالی هو من أهمّ العوامل المُؤثِّرة لتحقیق الأمن في المجتمعات الإسلامیّة ، إذ أنَّ الذین یتوسَّمون بهذا الإیمان لا یتعدَّون علی الآخرین أبدًا فإنَّهم یعلمون أنَّ حرمة حیاة الفرد هي كحرمة الناس جمیعًا كما نری بیان ذلك في الآیة 32 من سورة المائدة في قوله تعالی :
« مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً . . . »
و من الأمور المهمّة الأخری في الإسلام هي الفضائل الأخلاقیّة و القیم المعنویّة التي یتوسّم بها المؤمنون و یلتزمون بها ، فهي التي تنشر الأمن و الصلح إذ أنّ عدم التقیُّد بالأصول الإسلامیّة و حقوق الآخرین تؤدّي إلی إنتشار الهمجیّة و التعدّي علی حقوق الآخرین و إنفقاد الأمن بین الناس فردیًّا إن كان أو جماعیًّا و ذلك هو ما یؤدّي إلی إنتشار القلق و الأمراض النفسیّة و حتّی العلاقات العائلیّة تتلاشی عند فقدان الإلتزام بالأصول الدینیّة و هذا ما یؤدّي بالنتیجة إلی فقدان الأمن و الصلاح الإجتماعيّ.
إنّ الإیثار و التخلّي عن الرغبات النفسیّة لصالح الآخرین تنتشر بالتدریج و تصبح من الأسس الأخلاقیّة في المجتمعات التي تتمتّع بالأمن و السكینة و تبتعد بهذه الأخلاقیّات الأزمات الإقتصادیّة و المشاكل المالیّة عنها و هذه هي العوامل لتقویّة روحیّة التئالُف بین الأفراد و الإحسان إلی الآخرین و بتواجد الإیمان عند الناس تتوسّع الأرضیّة للمعنویّات و تفضیل الآخرین علی النفس و الإحسان إلیهم بكلّ ما في وسع الإنسان.
إنَّ المجتمع الذي یتواجد فیه كمال الأمن سوف یتسابق الأفراد فیه للتوصُّل إلی المزید من الكمال و كلّ فردٍ فیها یسعی للتوسُّم بالمزید من الكمال ، إذ أنَّ هذا النوع من المجتمعات تتواجد فیه الأرضیّة لتلك المساعي من دون الموانع و المشاكل التي یُصابُ بها الأفراد إمّا أن تكون سهلة قابلة للحلّ أو أنّها قیلاً ما وجود لها. و لذلك یسعی الجمیع للتقدُّم في مسیر الكمال و إقتباس المعنویّات و العمل بها قربةً إلی الله تبارك وتعالی و إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ المهد لنموّ المساعي لنیال الكمال لا یتواجد في المجتمع المتدهوِر و المنحدر و من الطبیعي أنَّ الخلافات بین الناس بسبب منشأهم أو نسلهم تنتشر و تقلّ العدالة و ینتشر الفقر و الجهل و غیرها من العوامل التي تهیّئ إنتشار التشنُّج و إنعدام الأمن و القرار في مختلف المجالات.
كما و إنَّ المجتمع الذي یكون الفقر قد إنتشر فیه و المعنویّات و السلوك و الأخلاق الحسنة قد فُقِدَت فیه و الأمور الإجتماعیّة قد تدهورت فیه و كلّ الناس یعانون تحت تكل الظروف الصعبة ، فقلَّ ما یمكن أن یسعی الأفراد فیها لنیال الكمال ، بل أنَّ الأكثریّة یسعون فقط للنجاة من تلك المشاكل و المعاضل لكي لا یَغرقون في أهوار الفساد و یكون الفناء مصیرهم.   
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment