بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره ، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
الموضوع : المعارف الإسلامیّة 98 الإسلام و الصلح والأمنيّة 5
توصلنا في الخطبة الماضیة إلی أنَّ الأمن في كلّ مجالات الحیاة من الأمور المهمّة في الإسلام . فلنتطرّق الیوم إلی بیان الأقسام المختلفة من الأمن و منها :
أمن النفس: إنَّ إحساس الإنسان بالأمن النفسي هو من أهمّ أنواع الأمن الإجتماعيّ و لیس فقط في الإسلام ، بل و في كلّ الأدیان الإلهیّة و الأنظمة الحقوقیّة ، أي بمعنی أنَّ نفس كلّ إنسان لها حرمتها و یجب أن تُحتَرَم. إنَّ إهانة حرمة حیاة الإنسان أو قتله تکون في أبشع الدرجات و من أقبح الأعمال ، بحیث أنَّ هابیل الذي قتل أخوه مُندفعًا من الإحساس بالحسد ، أحسَّ بالندانمة علی هذا الجرم الكبیر الذي قام به وسعی لأن یُبَرِّءَ نفسَه كما نری بیان ذلك في الآیة 17من سورة المائدة  و ما یلیها في قوله تعالی : فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ  
نستنتج من الآیات التي تخصُّ هذه القضیّة أنَّ هابیل كان یعلم أنَّ هذا العمل هو ما یجلب غضب الباري عزّ و جلّ علیه و أنَّ قتل إنسانٍ هو من كبائر الذنوب و أنَّ من قام بهذا العمل القبیح ، فسوف یصلی نار جهنّم كما نری بیان ذلك في الآیة 32 من سورة المائدة في قوله تعالی:
« مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى‏ بَني‏ إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَميعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَميعاً وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُون » [1]   
فما لا شك فیه هو ما نستنتجه من هذه الآیة في القرآن الكریم هو أنَّ مكانة الإنسان عند الله تبارك عالیة لدرجة بحیث لو إن قتل إمرءٍ إنسانًا ، فكأنّما قد قتل الناس بأجمعهم و قد أهان بذلک حرمة الناس جمیعًا ، فالآیة تبیِّن أهمّیّة مکانة الإنسان  من وجهة القِیَم الإنسانیّة و لیست من وجهة النظر للأحكام الحقوقیّة فقط.  
و لیس معنی ذلك أنَّ هنالك مَن یستطیعُ أن یقتل الناس بأجمعهم علي وجه البسيطة ، بل إنَّ الآیة تدُلُّ علی المكانة العالیة لحیاة الفرد من الناس و روحه و دمائه و أهمّیّتها عند الله تبارك و تعالی و ذلك ما جاء بیانه في القرآن الكریم. فحفظ كرامة الإنسان تشمل أولئك الذین لا یكونون من الذین یبتغون نشر الفساد و لا من الذین یرتكبون الجرائم و لا من الذین یؤذون الآخرین.
و من الوجهات الأخری لضرورة تواجُد الأمن للإنسان أي إحترام حیثیّة الإنسان وحفظ كرامته ، أي أنَّ شخصیّة الإنسان و منشأ نسله یجب أن تكون محترمة و في أمنٍ و أمان ، إذ أنَّ للإنسان في الإسلام حرمته و كرامته فإنّ الله تبارك و تعالی هو الذي خلقه و في أحسن ما شاء صوّره جلّ وعلا. فهي إذَن أمانة إلهیّة كبیرة علی عاتق کلِّ إنسان ، كما و أنَّ للإنسان مكانته العالیة في نظام الخِلقة و هو الذي خلقهُ الله جلّ و علا لغرضٍ مهمٍّ جدًّا و لذلك فإنَّ حفظ كرامته أهمّ من حفظ كرامة الكعبة التي هي قبلة المسلمین بأجمعهم و لا یجوز إهانته أبدًا. و هذا ما یتمنّاه الإنسان و یرجو الله عزّ و جلّ دائمًا أن یحفظ هذه الكرامة و الوجهة و المكانة العالیة و هذا ما نراه في دعاء عرفة : « .. . وَ لَكَ يَا رَبِّ فِي نَفْسِي فَذَلِّلْنِي وَ فِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْنِي.. . »‏[2] 
إنَّ كرامة الإنسان لها أهمّیّتها الكبری عند الله تبارك و تعالی لدرجة بحیث أنّه جلّ وعلا لا یأذن لأيِّ إنسان أن یهین أيٍّ من عباده المؤمنین حتّی لو إن صدر منه خلافٌ أو خطأٌ فلا یجوز إفضاحه أمام الآخرین فقط ، بل و یجب حفظ حرمته ، كما نری بیان ذلك في روایة عن الإمام الباقر ع في قوله: «يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ سَبْعِينَ كَبِيرَةً » [3] 
فما نستنتجه من هذا الحدیث الشریف هو أن لو إطّلع أحدٌ علی معصیة شخصٍ ما ، فلا یجوز له أن یفشيه و یرویها إلی أيِّ أحدٍ أبدًا. كما و إنّنا نری في روایة أخری أنَّ « مَنِ إطَّلَعَ مِنْ مُؤْمِنٍ عَلَى ذَنْبٍ أَوْ سَيِّئَةٍ فَأَفْشَى ذَلِكَ عَلَيْهِ وَ لَمْ يَكْتُمْهَا وَ لَمْ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ لَهُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ كَعَامِلِهَا وَ عَلَيْهِ وِزْرُ ذَلِكَ الَّذِي أَفْشَاهُ عَلَيْهِ. . . . » [4] 
إنَّ حفظ كرامة المؤمن مهمّة جدًّا ، إذ أنَّ المؤمن الذي جاهد النفس طوال عمره بكلّ ما في وسعه من مراقبة النفس و تجنُّب المُغریات من الفِتَن و المضلّات ، فإنَّ في الأصول الإسلامیّة یکون جوب حفظ الكرامة و الإحترام و الأمنیّة هو ما یشمل أيِّ فردٍ ما كان سواءً إن كان ذلك من وجهة النظر الوجودیّة أو من وجهة نظر مكانته الإجتماعیّة أوالشخصیّة.
ولذلك فإنَّ إهانة الإنسان و إرهابه و إهانة شخصیّته حرامٌ لا یَجوز في الإسلام أبدًا ، کما و إنَّ حقوق المواطنین و حفظها لا ینحصر علی الأمور الظاهریّة و سلامة الجسم فقط ، بل إنَّ العُرف و الناموس و كرامة الفرد یجب أن تُصان و تُحفظ بكلّ ما تستوجبه الأسس الإسلامیّة و الأخلاقیّة و الإنسانیّة ، كما نری بیان ذلك في الروایة التي نقلها الإمام الصادق علیه السلام عن الرسول الأكرم صلی الله علیه وآله قال فیها : « الْمُؤْمِنُ حَرَامٌ كُلُّهُ عِرْضُهُ وَ مَالُهُ وَ دَمُهُ »[5]
فخلاصة الكلام هي أنَّ من وجهة النظر الإسلامیّة و الأحكام التي فیه هي أنَّ الأمنیّة النفسیّة لها أهمّیّتها مثل الأهمّیّة الجسمیّة و لا یجوز لأيِّ أحدٍ أن یتعرّض أو یتعدّی علی حقوق المسلم ویهین كرامته ویُخَلخِل أمنه وأمانه.
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا التوفیق للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.
 

[1]. سورة المائدة الآیة 32.

[2]. المجلسی، محمدباقر بن محمدتقی، بحارالأنوار، ج 87، باب 5ـ نوافل يوم الجمعة و ترتيبها…، ص 3، ح 1.

[3]. الكلینی، محمد بن یعقوب، الكافی، ج 2، باب : في إلطاف المؤمن و إكرامه…، ص 207، ح 8.   

[4]. مستدرك‏ الوسائل للمؤلِّف نوری میرزا حسین، ج 9،ص137- باب تحريم إذاعة سرّالمؤمن و…، ص 134، ح10471- 6.

[5]. نوری، میرزا حسین، مستدرك‏ الوسائل، ج 9، 138- باب تحريم سب المؤمن و عرضه و…، ص 136، ح 10478.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment