بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
 
انّ من الأمور المهمّة التي یجب أن تتوضّح هو تناسب الشریعة في الإسلام و ما لا شك في أنَّ الإسلام هو الدین المبین الذي هو آخر الأدیان الإبراهیمیّة و هو الدین الذي جاء به الرسول الأكرم المصطفی الأمجد أبوا القاسم محمّد ص و معجزته الأبدیّة هي كتاب الوحی الإلهيّ الذي هو القرآن الكریم.
و المقصود من الشریعة هي مجموعة من القوانین الإلهیّة التي فیها تعیین حقوق الإنسان و التكالیف التي علی عاتقه، كما و أنَّ فیه المیزان و المعیار لتمییز العمل الصالح من العمل الغیر صالح ،أي بتعبیر آخر إنَّ الشریعة هي السبیل الواضح و لذلك نری التأكید هنا علی الشریعة الإسلامیّة كما نری بیان ذلك في القرآن الكریم في قوله تعالی :
« شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهيمَ وَ مُوسى‏ وَ عيسى‏ أَنْ أَقيمُوا الدِّينَ وَ لاتَتَفَرَّقُوا فيهِ. » و ما نراه في القرآن الكریم هو أنَّ الشریعة كانت السُّبُل و الأصول التي جاء بها للأنبیاء الإلهیّین فالشریعة و الأحكام الإلهیّة هي التي تعین الإنسان المؤمن لتمییز الخبیث من الطیِّب.
و في النتیجة یكون الهدف من الشریعة هي إرائة سبیل الرشاد إلی الذین قد وصلوا إلی سنّ التكلیف لكي یعملوا بها ساعین بها التوصُّل إلی السعادة و الإبتعاد عن الشقاوة و العذاب و العقاب الإلهيّ وهذا هو أهمّ الأهداف في حیاة الإنسان و یجب علی كلّ مسلم أن یؤمن بذلك و یعمل به.
فإنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ الإیمان بالأحكام التي وضعها الله تبارك و تعالی لصالحنا و العمل بها هوالسبیل الوحید لنیال السعادة في الدنیا و الآخرة ففي سبیل المثال نری التأكید علی القیام بالصلاة لتجنَّب المساوئ أیًّا ما كانت كما نری بیان ذلك في قوله تعالی : «إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَر».
أو حین یصوم الإنسان و یتجنّب المحرّمات من الأكل و الشرب و الأعمال الممنوعة ، فإنَّه یتوصّل إلی التقوی وفقًا للتعالیم الإلهیّة كما نَری بیان ذلك في قوله تعالی: « يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » فالنتیة هي أنَّ الإنسان الذي یسعی لتهذیب النفس الأمّارة بالسوء و تزكیتها ینال النجاة و الرضوان من الباري جلّ و علا ولا یُنال ذلك إلّا بالعمل الصالح وفقًا للشریعة و الأحكام الإلهیّة.
و لكنّنا نری و للأسف الشدید بأنَّ من المسلمین من لا یتوجّهون في مساعیهم إلی الأحكام و التعالیم الإلهیّة و یبتعدون عنها و حتّی هنالك من هم یبتعدون عن الأحكام و التعالیم الإلهیّة و الشریعة ، منخدعین بالإدّعائات الخرافیّة و الغیر دینیّة ، في حین أنَّنا نری في القرآن الكریم التأكید علی أصالة الإیمان و العمل بالأحكام الدینیّة للتوصُّل إلی الحیاة الزكیّة و الطیِّبة كما نری بیان ذلك في قوله تعالی : « مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ »
فالإیمان المُقتَرَن بالعمل الصالح یُوصِّل الإنسان إلی السعادة و یُنجِّیه من الخسران یَجعله محبوبًا عند الناس كما نری بیان ذلك في قوله تعالی :  « إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا » و لذلك فالخطاب موجَّهٌ إلی المؤمنین لیعملوا بواجباتهم الشرعیّة.
فما لا شك فیه هو أنَّ العمل بالتكالیف الشرعیّة لا یتمّ بصورة صحیحة ما لم یتعرّف الإنسان علیها ، و بالرغم من أنَّ تعبیر التكلیف هو من مشتقّات الكلفة ، أي ما فیه الزحمة و المشقّة ، فإنَّ الذي یبدأ العمل بالواجبات یتحمّل المشقّات و الزحمات و لكنّ النتیجة هي السعادة و النجاة ولاغیرها. 
و لكنّ هذه الزحمات و المحدودیّات هي لیست إلّا لحفظ الإنسان و صیانته عن الإنحراف و الوقوع في الغضب الإلهيّ الذي یجرّه إلی العقاب و العذاب و عكس ذلك هو أنَّ الإنسان الذي یصرف كلّ جهده في طاعة المولی الرؤف الرحیم یحسُّ بمرور الزمان التلذُّذ و السكینة الروحیّة في أداء الواجبات و یری في نفسه التحفُّز المتكاثر للعمل بالتعالیم الإلهیّة أكثر فأكثر.
و كما یعبِّر المؤمنین الكبارعن هذه الظاهرة ، فلا تكون الطاعة هي ما فیها التعب و الجُهد ، بل إنَّ الإنسان المُطیع یری الرغبة الروحیّة للإحساس بالتشرُّف و الكرامة في طاعة المولی العزیز القدیر و یحسّ بأنّه هو المُخاطَب في الدعوات الإلهیّة للطاعة و یستجیبها بكلّ رغبة و یحسّ بالملذّة الروحيّة. 
فالنتیجة هي الإحساس بالعبودیّة و یحسُّ الإنسان وكأنَّه یری الجمال و الجلال الإلهيّ و هذا هو ما یدخِل السكینة و الطمأنینة في قلب الإنسان و عندئذٍ یحسّ بحكمة الحیاة و هذه الحیاة هي التي خُلِقَ الإنسان لها و یسعی الإنسان بكلّ ما لدیه أن ینال ذلك كما نری الدعوة لذلك في قوله تعالی: يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَجيبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْييكُمْ.
و بالإستجابة لدعوة الباري جلّ و علا و نداء رسوله یتحرّر الإنسان من هذه الحیاة الإحساسیّة و یتوجّه إلی الحیاة العقلیّة ، بل و إنّه یدرك حقیقة الحیاة كما بیّن ذلك الخالق جلّ و علا في قوله تعالی : « وَ إِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ » و هكذا سوف یخرج الإنسان المؤمن من زمرة الذین كانوا غافلین عن الحیاة الحقیقیّة و أولئك هم الذین یذكرهم الله تبارك و تعالی في قوله جلّ و علا :  « يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ »
و في العدید من الجلسات المقبلة سوف نخصّ الكلام عن هذا الموضوع و أنّ الإسلام هو دین الشریعة و العمل جنب الإیمان هو الذي یرفع الإنسان إلی درجات الكمال ، بل و حتّی یتمّ تطبیق الإدراك القلبيّ و الذاتيّ للعمل الصالح و لذلك یجب أن یتّضح لنا أنَّ الشریعة التي هي التكلیف الإلهيّ للإنسان و هي الهدی للمسیر في الطریق ألی الحیاة المعنویّة.
نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.       
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment