بسم
الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

الموضوع : المعارف
الإسلامیّة 110 الإسلام و الشریعة 4

تكلّمنا في الخطبة الماضیة عن فلسفة الشریعة و القوانین الإلهیّة و
رأینا أنَّ الله تبارك و تعالی الذي هو الحكیم الرؤف الرحیم القادر علی کلّ شئ و
هو العالِمُ الذي لا تعزب عنه صغیرة و لا کبیرة، قد خلق الإنسان للتوصُّل إلی
أهدافٍ خاصّة و قد تفضّل علیه بالتعالیم التي یتوصّل بواسطتها إلی الأهداف العالیة
و لکن فقط حین یعمل بها، و قد أرسَل الأنبیاء الكرام جلّ وعلا لیُبَلِّغوا رسالته
هدیً للناس إلی سبیل الرشاد لكي یتمعّنوا فیها و یعملوا بها بخیر ما في وسعهم ولکن
بالإختیار الذاتيّ لكي یتوصّلوا إلی الدرجات العُلی التي هي موردًا للمدح والتكریم
والتعظیم والفوز بالأجر الإلهيّ في الدنیا والآخرة.

ولکنّ ما لاشك فیه هو أنَّ الإنسان لاینال هذه العطایا العظیمة من دون أن یهتدي بالشریعة التي فیها التعالیم للرغد في الحیاة في
الدنیا و النجاة في الآخرة. و لذلك فإنَّ فلسفة التشریع تكون قابلة للفهم و
الإدراك لكلّ إنسان و لم توضع إلّا  للدفاع
عنه، إذ أنَّ كلّ إنسان ینال السعادة و الأجر الإلهيّ حین یسیر في الطریق الصحیح و
العمل بالإخلاص وفقًا للتعالیم الشرعیّة.

و من جهة أخری کم من الناس الذین هُم یعلمون أنَّ هنالك تكالیف و واجبات
إلهیّة و حتي من الممكن أن یكونوا قد قبلوا القوانین الإلهیّة في قلوبهم و لكنّهُم
یتكاسلون عن القیام بها و بالواجبات الشرعیّة ، فإنَّ هؤلاء یجب أن یعلموا بأن لا
أملٌ لهُم لنیال التعظیم و التجلیل و التكریم ، بل إنَّهُم یكونون محرومین من
الأجر و الجزاء الإلهيّ .

إنَّ الشریعة هي المنُّ العظیم و النعمة الإلهیّة الكبری التي تفضّل بها
جلّ و علا علی الإنسان لیسیر بها نحو الفوز و الترقّي و التعالي و الرشد الروحيّ و
الكمال المعنويّ ، إذ أنَّ الشریعة هي السُّلَّم الذي یرتقي بها الإنسان إلی
الدرجات العُلی ، فهي التي یحتاجها الإنسان في كلّ مراحل الحیاة ، بل و كلّ ما
إرتقی الإنسان في حیاته ، كلّ ما ازدادت حاجته إلی هذا السُّلَّم المعنويّ ، فإن
الذي ینحرف عن هذا السُّلَّم سوف یُسَكر سبیل الرشاد علی نفسه و یسقط إلی أسفل
السافلین.

 و هكذا نری أنَّ كلّ القوانین
الإلهیّة قد شُرِّعَت لصالح الإنسان و لكي یعیش في رغدٍ و علی هدیً و بیّنة و لكي
یتجنّب ما فیه المفاسد المؤدّیة إلی الضلال و التیاه ، فإنَّ الشریعة قد سُنِّنَت
لكي تؤدّي بالذین یعملون بها إلی التجلیل و التكریم و لكي ینالوا خیر الجزاء و
الثواب من الباري جلّ و علا و لكي یتّصف الإنسان بالأخلاق و الأوصاف الحسنة  مثل الصیام و الصلاة و غیرها ، كما نری بیان
وجوب الصیام في الآیة 183 من سورة البقرة في قوله تعالی : « یا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ » فإنَّ الصیام قد فُرِضَ
علی الإنسان لكي یتوسّم الإنسان بالتقوی الإلهیّة التي هي رأس الأخلاق الحسنة.

و أمّا من وجهة النظر العرفانیّة، فإنَّ الشریعة هي الدلیل الذي تُري
الإنسان السُبُل و الأعمال التي یسعی بها للتقرُّب إلی الله تبارك و تعالی و یكون
مظهرًا للجمال و الجلال.

ومن الأمور الأخری التي یجب أن نذكرها هي أنَّ فلسفة الشریعة والقوانین الإلهیّة من
وجهة نظر العلوم
الإجتماعیّة
و المعارف الإنسانیّة، هي أنّها وُضِعَت لتنظیم الأمور في المجتمعات بإجرائها
للوقوف أمام أيِّ نوعٍ من الهرج والمرج في المجتمعات. 

 و للمزید من الإیضاح یجب أن نقول
بأنَّ قضاء حوائج الإنسان هي ما تتطلّب في الحیاة الإجتماعیّة و ما لا شك فیه هو
أنَّ المجتمع یكون في حاجة إلی القوانین التي منشأها من الله تبارك و تعالی، إذ
أنَّه جلّ و علا هو الذي خلق الإنسان و في أحسن ما شاء صوّره و هو الذي یعلم ما
تخفي الصدور و ما هي حاجاته سواءًا أن كانت مادّیّة أو معنویّة. 

 أي بتعبیر أخر تکون سعادة
الدنیا و الآخرة و العدالة و الأنظمة الإجتماعیّة تتیسّر فقط حین یتمّ التوافق في
مختلف الأمور مع الإلتزام بالتقوی و هذه هي من خصائص القوانین الإلهیّة. إنَّ
القوانین الإلهیّة هي التي تنشأ من الوحي  وتشمل کلّ الأبعاد الوجودیّة للإنسان و تُریَهُ
کلّ حوائجه و المصالح و المفاسد و هذه التعالیم و البیانات الشاملة والکاملة لا
تتواجد في أيٍّ من القوانین البشریّة ، إلّا إذا کان الذین قد سنّوا تلک القوانین
، یکونون قد إستندوا علی التعالیم الدینیّة التي أوحیت إلی الأنبیاء و الرسل و
عندئذٍ یستطیعون أن یُرتِّبوا نظم الأمور و الحوائج التي تتواجد في مجتمعهم. 

إنَّ بعض العلماء الإسلامیّین الکبار یقولون في بیان ضرورة وجود الشریعة
و القوانین الإلهیّة في المجتمعات : إنَّ الإنسان یخضع لفطرته و طباعه و یحتاج إلی
الحیاة الإجتماعیّة و ما لا شکَّ فیه هو أنَّ الحیاة الإجتماعیّة في حاجة إلی
القوانین التي تُنَظِّم الأمور و العلاقات بین أفراد المجتمع لإبعاد الفوضی و
الهرج و المرج عنهم و هذه القوانین یجب أن تتناسب مع الحوائج الإنسانیّة الحقیقیّة
و أن یکون لها تأثیرها الإیجابيّ في تربیة الأفراد و نشر المعنویّات في الأخلاق الإجتماعیّة و في تنظیم البرامج
الضروریّة
بصورة صحیحة و متناسبة مع الظروف السائدة و تنظیم الغرائز والمیول الإنسانیّة في
النطاق المسموح.

کما و یجب أن تکون متون القوانین التي تخصُّ الحیاة الإنسانیّة علی
مستویً عاليٍ جدًّا لتوجِّهَهُ إلی الحقائق الغیر مادّیّة ، بل تُوَجِّه میوله إلی
المعنویّات و العدالة في الحیاة الإجتماعیّة. و في نفس الوقت یجب أن تحتوي
القوانین التحذیر عمّا علیه الشدید من العقاب و التشویق و الوعید إلی ما فیه خیر
الجزاء في الدنیا و النجاة في الآخرة. 

إنَّ المرحوم الخواجة نصیرالدین الطوسيّ قال فی بیان قصیر ولکن دقیقٌ
وعمیق جدًّا فیما یخصُّ تشریع الأحکام و التکالیف الشرعیّة ما محتواه هو: «أنَّ الدلیل
علی وجوب التکالیف الشرعیّة هو أنَّها تحفظ الإنسان من الوقوع في القبائح من
الأعمال»

إنَّ المجتمع الذي لا تسوده الشریعة و القوانین الإلهیّة، یری فیه
الأفراد أنَّهم أحرار في القیام بأيِّ عملٍ ما کانوا یریدون حتّی ولو کان ذلک
العمل غیر منطقيّ و غیر عقلانيّ و هذا النوع من الإحساس بالحرّیّة یؤدّي بالناس
إلی القیام بأقبح الأعمال التي تنحدر بهم إلی حدود السقوط و تُحفِّزهم أن یخضعوا
إلی المیول و الشهوات و یتغبّطوا بها و الفرد الذي یفقد السیطرة علی نفسه بترک
الإیمان و الشریعة یقوم بکلّ القبائح من الأعمال.   

و لذلک فإنَّ الشریعة و القوانین الإلهیّة تهدي الإنسان إلی سواء السبیل
و تبعده عن القبائح و الرذائل. بل إنَّ الإنسان الذي یعمل بالشریعة الإلهیّة
یُرَبّي نفسه و الآخرین في المجتمع الذي یعیش فیه و یحفظهم من الوقوع في مخادع
الشیطان و النفس الأمّارة بالسوء و یُحَفِّزهم للمسیر في سبیل الحقّ و الإلتزام
بالشریعة الإلهیّة و السعي الحثیث للعمل وفقًا للعدالة الفردیّة و الإجتماعیّة و
هذه الأمور هي التي تهیّئ الأرضیّة لمسیر المجتمع نحو العدالة الإجتماعیّة و حفظ
القِیَم الإنسانیّة و إنتشارها في المجتمع. 

 نرجو الله تبارك و تعالی أن
یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن
یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و
طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه
علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره
علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد
والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.  

 

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment