بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

الموضوع : المعارف
الإسلامیّة 111 الإسلام و الشریعة 5

تكلّمنا في الخطبة الماضیة عن فلسفة الشریعة و القوانین
الإلهیّة وقد إتّضح
لنا بأنَّ الشریعة في الإسلام ضروریّة جدًّا للإنسان ، إذ أنَّ التربیة الصحیحة
للأفراد في المجتمعات تقتضي وجود هذه القوانین الجامعة الشاملة التي هي في
الشریعة. كما و إنَّ أهمّ الحِكم في الشریعة هي أنَّ الناس یجب أن لا یُترَكوا
لحالهم من دون إعلامهم بواجباتهم  و
تكالیفهم ، إذ لو لم تكن الأمور التي تهدیهم إلی سبیل الرشاد في مسیرهم ومصیرهم ،
سوف یَتیهون . فإنَّ بعثة الأنبیاء الذین أرسلهم الله تبارك و تعالی لم تكن إلّا
لهُدی الناس إلی سبیل الرشاد في الحیاة الدنیا و النجاة في الآخرة.

و هذه النعمة هي ما تفضّل الله جلّ و علا بها علی الإنسان و
لا یمکن أداء الشكر علی هذه النعمة سوی بالطاعة و المسیر في سبیل هُداه عزّ و جلّ.  و لذلك فلنشكره
تبارك و تعالی بكلّ ما في وسعنا و نرجو منه أن یجعلنا من الذین لا یسأمون عن دعاء « إهدِنا
الصّراطِ المُستَقیم ». و هكذا یتضح لنا أنَّ الشریعة الإلهیّة
هي التي فیها الهدایة إلی سبیل النجاة للإنسان ، و لكي یتمتّع بالسعادة في الدنیا
و الآخرة و هذه هي السنّة التي یمنُّ بها الله تبارك و تعالی علی العباد بأجمعهم.

و هكذا نری أنَّ الباري جلّ و علا قد
خلق الإنسان و في أحسن ما کان کوّنه  و
تفضّل علیه بالإستعداد و العقل لیمیز به الخبیث من الطیِّب و أرسل الأنبیاء و
الرسل الذین إمّا أن جاؤا بشریعتهم أو أنّهم أیَّدوا الشریعة التي كانت سائدة في
زمانهم للمسیر في سبیل الهدی و النجاة و لكي لا یبقی الناس في حیرة و تیاه في
تصرُّفاتهم.

و
لكنَّ السؤال الذي یجب أن نجد الجواب علیه هو لو لم تكن هنالك شریعة و قوانین ،
لما كان علی الإنسان تكالیف یجب علیه أن یؤدّیها ، فكیف كانت الحیاة و ما الذي كان
یحصل للناس ؟

و
في الجواب علی هذا السؤال یمكن أن نقول أن لو كان الله تبارك و تعالی لم یُري
الإنسان سبیله الذي یجب أن یسیر علیه بواسطة الإنبیاء و الرُسُل و التعالیم التي
یجب أن یعمل بها ، لكان قد تركهُم لحالهم و العیاذ بالله و حاشا لله تبارك و تعالی
أن نتصوّر ذلك. فلو إن تُرِك الإنسان لحاله
لإرتكب الفضائح و المخازي ، فحاشا لله عزّ و جلّ إذ أنّه سبحانه و تعالی لم یخلق
الإنسان عبثًا و لا أن لیتركه سدیً. و لبیان هذه الحقیقة قال العلّامة الحلّي ره
أنَّ الله تبارك و تعالی لو لم یُكلِّف الإنسان بما یجب علیه عند بلوغ سنّ التكلیف
ـ أي البلوغ و القدرة و الإختیار ـ  لقام
الناس بالأعمال القبیحة و ما لا شك فیه هو أنَّ فسح المجال للناس لكي یقوموا
بالأعمال القبیحة هو عملٌ قبیح بحد ذاته و حاشا لله تبارك و تعالی أن یفسح المجال
للقیام بالقبائح و المساوئ.  أي لو لم یكن هنالك تحدید و بیان للتكالیف في
الشریعة ، لكان المجال مفتوح للجُهلاء أن یقوموا بالقبائح و المساوئ من الأعمال.

فللمزید من الإیضاح یجب أن نعلم
بأنَّ الله تبارک و تعالی قد خلق الإنسان و أعطاه العقل و الضمیر و الإرادة من جهة
، و من جهة أخری أعطاه المیول و الغرائز التي تقتضیه حکمته جلَّ و علا و لربّما
ینحرف الإنسان خضوعاً لهذه المیول عن الفضائل و الکمالات الأخلاقیّة التي تتطلّب
السیطرة علی النفس ، لکي لا یقع الإنسان بها في المخادع الشیطانیّة.

و لذلک فلو لم یُکلِّف الله تبارک
و تعالی الإنسان للقیام بالأعمال التي هي في صالحه ، لإنحرف الإنسان إلی القیام
بالأعمال التي فیها المفاسد أوترک المصالح و لو لم یُحذِّرهُ عن العقاب و الوبال
من جرّاء ذلک ، لما کان للإنسان أيِّ مُحَفِّزٍ لترک المعاصي التي یقع فیها حین
یُشبع الغرائز و الرغبات في مجال المحرّمات. و لذلک فإنَّ ما في الأحکام الشرعیّة
من تکالیف هي الشریعة الإلهیّة التي تُربّي الإنسان لکي یعیش في حیاة ملیئة
بالإیمان و یُبارز کلّ نوعٍ من الفساد الفرديّ أو الإجتماعيّ و أن لا یقع في حُفَر
المفاسد و المعاصي و هذه أمور مهمّة جدًّا و لذلک یجب علی الإنسان أن یتعرّف بها
علی الحکمة و الفلسفة المکمونة في الشریعة.

و هذه القضیّة تتّضح لنا حین نری
تأییدها في الکثیر من الروایات و منها ما قال أمیر المؤمنین عليّ بن أبیطالب ع
ما محتواه هو « أنَّ التوجُّه إلی الحسنات و الفضائل و الکمالات هو الرُّقيّ في
التزیِّن بالکمالات الأخلاقیّة و ذلک أمرٌ صعبٌ جدًّا و لکنّ فیه النجاة و ما
یقابله هو الوقوع في رذائل الأخلاق سهلٌ جدًّا و لکنّه یؤدي إلی الهلاک. » کما و
جاء في حدیث آخر یدعو فیه الإنسان إلی تحفیز النفس و تحریکها نحو الکمالات و
الفضائل بل و إجبارها علی ذلک.

وأمّا ما یخصّ الرذائل و القبائح فإنَّ النفس تسیر نحوها من
دون أيِّ رهق أي أنَّ التمتُّع بالملذّات المادّیّة سهلٌ یسیر و لکنّ الوعد
والوعید بالجنّة و النار أمرٌ مرهون. ولذلک فلو لم تتطبّق الشریعة الإلهیّة بصورة
جدّیّة في هذه المجالات لهدایة الإنسان ، لوقع الکثیر من الناس في الأمور النقدیّة
و لم ینصرفوا عنها و لهذا فإنَّ الشریعة و التکالیف الإلهیّة تؤدّي دورها المؤثِّر
لمنع إنتشار الفساد.

و یُقال للناس بأنَّ ذلک هو الوعد و الوعید الإلهيّ، أي
أنَّ الله تبارک و تعالی الذي هو قادرٌ علی کلّ شئ و عالمٌ و حکیم، فإنَّ ما لا
شکَّ فیه هو أنَّه جلّ و علا قادرٌ علی إجراء التبعات للأعمال التي یقوم بها
الإنسان و لذلک فإنَّ کلّ الأنبیاء جاؤا لإنذار الناس و إبلاغهم بوجوب القیام
بالتعالیم و الواجبات الشرعیّة بکلّ جدٍّ و جهد لکي لا یکونوا من الذین خسروا
الدنیا و الآخرة.

فخلاصة الکلام هي أنَّ الشریعة و القوانین الإلهیّة ، هي
التي تهیّئ الأرضیّة للرشد المعنويّ للإنسان و نیال الأجر و الکرامة العظیمة في
الآخرة و هي التي تُنظِّم الحیاة الإجتماعیّة للبشریّة بناءًا علی العدل و القسط و
تُرَبّي الإنسان للیسطرة علی الشهوات و الرغبات و السیطرة علی النفس عند الغضب و
تهیّئ الإنسان للتوصّل إلی هدف الخلقة و أداء العبودیّة والتقرُّب إلی الباري جلَّ
وعلا.

نرجو الله تبارك و تعالی أن
یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن
نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة
سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ
النِّعَم.  

 والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment