بسم
الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا
مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله
علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه
المنتجبین.  عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

من المواضیع المهمّة في
الشریعة الإسلامیّة هي أنّه حین یعرف المسلم تكالیفه و یعمل بأدائها، یكون قد أدّی ما علیه. أي بتعبیر آخر
یكون هنالك في كلّ تكلیف حقُّ علی الإنسان المسلم، فالكلام عن ذلك ضروريٌّ و لنوضّح
الإرتباطات بین الحقّ و التكلیف. إنَّ ما یلفت الأنظار هو أن لو تمعنّنا في هذین
التعبیرین الذین هما الحقّ و التكلیف، نری أنَّ هنالك إرتباط و تلازم بینهما، أي
أنّنا حین نرید أن نفهم معنی « التكلیف » نحتاج إلی إدراك معنی « الحقّ » ، كما و
إنَّ فهم معنی « الحقّ » یستوجب إدراك معنی « التكلیف ». و لذلك یری البعض من
المُفکِّرین أنَّ التلازُم بین تعبیري « الحقّ » و « التكلیف » هو ما یشبه العلاقة
بین الأب و الإبن، أي كما أنَّ « الإبن » لا مفهوم له من دون مفهوم « الأب » كذلك
الأمر هو بین « الحقّ » و «التكلیف» [1]

كما و أنَّ هنالك من یرون
أنَّ « الحقّ » و « التكلیف » هما وجهان لعملة واحدة [2] و یری بعضٌ
آخر من علماء الاسلام أنَّ ما یخصُّ « الحقّ » و « التكلیف » هو بمعنی وجوب ترك العمل
الغیر صالحٍ أو أداء العمل الصالح، و هذه الأمور ترتبط إرتباطاً متقابلاً بالحقّ،
أي بتعبیر آخَر یكون كلّ حقٍّ یستلزم التكلیف و أنَّ كلّ تكلیف یستلزم الحقّ. و
لكن هنالك فرقٌ بینهما و هو أنَّ في مفهوم الحقّ یكون مكنونٌ في إختیار الإنسان أن
یعمل به و یستفید منه، و الإختیار بید صاحب الحقّ، في حین أنَّ ما یخصُّ التكلیف،
لیس الأمر كذلك. بالرغم من أنَّ ما یخصُّ العمل هو أنَّ الإنسان یستطیع أن یترك
التكلیف. [3]

و من جهةٍ اخری نری أنَّ «
كلّ تكلیف في المقرّرات القانونیة یكون ملازماً للحقّ و یكون قد أخذَ الآخرین بنظر
الإعتبار و لذلك نقول : إنَّ الحقّ و التكلیف هما التعبیران الّذان یكونان وجهین
لعُملة واحدة، فحین نقول أنَّ لأحدٍ حقّ الفائدة من شئٍ، فتکلیف الآخرین باحترام
هذا الحق. [4]

إنَّ ما یجب أن نتوجّه
إلیه، هو أنَّ هناك إرتباطٌ و تماسُكٌ شدید لا إنفصال فیه، بین حقوق الإنسان و
تكالیفه في الشریعة الإسلامیّة. و هذا هو موضوعٌ مهمٌّ یجب أن نتمعّن فیه بكلّ
جدٍّ و دقّة لأنّنا نری الیوم في عصرنا هذا أنَّ البعض یَستنِدونَ علی حقّ
الحرّیّة لیضعوا مسؤلیّاتهم و تكالیفهم تحت أقدامهم و لایعتنون بها، و هذه نظرة
خاطئة، حیث أنَّ وجود الحقّ في أيِّ مكانٍ کان، یوجد تکلیفا یتناسب معه.

إنّنا نری علی سبیل المثال
حین یكون هنالك حقّ الحرّیّة للإنسان، فهو حقٌّ مُعتَرَفٌ به، حیث یكون إحترام
كرامة الإنسان ضمن هذا الحقّ في المحیط الذي یعیش فیه، و لذلك یجب علی الإنسان أن
یَحترم الحقوق التي هي للآخرین في الحیاة، و إنَّ هذه الحرّیّة لا تَفسح له المجال
لیعمل بما في نفسه من رغبات و میول بأيِّ وسیلة و طریقة ما یشاء. و لهذا نری في
الشریعة الإسلامیّة أحکام و شروط لکلّ الحقوق و التکالیف، لکي یستطیع کلّ إنسان أن
یتمتّع بحقوقه و یقوم بأداء المسؤلیّة التي علی عاتقه بأحسن ما في وسعه لینال
السعادة و الکمال المطلوب.

و ما لاشکَّ فیه هو ضرورة مراعاة
الدقّة في التّوجُّه العملیّ و تشخیص الرابطة بین الحقّ والتکلیف في المجال الصحیح
حتی یَنال کلُّ إنسانٍ حقوقَه التي تَخُصَّه.

ولکن وللعسف تَسلّطَ علی
بعض المجتمعات حکّام یحکمون بالعنف والأنانیّة والقدرة والإستعمار والإستثمار و
یرون الحقّ لأنفسهم فقط ، و یجعلون حقوق الآخرین تحت أقدامهم. یری أمیر المؤمنین
عليّ بن أبیطالب ع أنَّ الإرتباط بین الحقّ و التکلیف لایکون فیما یَخصّ
المفهوم فقط، بل و حتّی في الحیاة الإجتماعیّة و أنّه لا یمکن تحقیق و تطبیق
أحدهما من دون الآخَر و هذا ما نراه في قوله ع :

أمّا بَعدُ،
فَقَد جَعَل اللهُ سَبحانَهُ لي عَلیکُم حَقًّا بِوِلایةِ أمرِکُم وَ لَکُم
عَلَيَّ مِن الحَقِّ مِثلَ الذي لي عَلیکُم ـ فالحقُّ أوسَعُ الإشیاءِ في التواصُف
و أضیَقُها في التناصُف. لایَجري لأحدٍ إلاّ جَری علیهِ وَ لا یُجری عَلیهِ إلّا
جری لهُ وَ لَوکانَ لأحدٍ أن یَجري لهُ وَ لایَجري عَلَیهِ لَکانَ ذلکَ خالِصًا
لِله سُبحانهُ دونَ خَلقِهِ لِقُدرتِهِ علی عِبادِهِ وَ لِعَدلِهِ في کلِّ ماجَرَت
عَلیهِ صُروفَ قَضائِهِ [5]

فحین یُراعي النّاس و
الحُکّام الحقوق المتقابلة فیما بینهم، أی یُراعي الناس حقوق الحکّام و یراعي
الحکّام حقوق الناس، یکون الحقُّ سائدًا في المجتمع وتکون الحیاة في المجتمع في
عزّة و ینتشر تطبیق القوانین و تنتشر ظواهر إجراء العدالة و یعمل الناس وفقًا
للسنّة النبویّة و یسیر الناس في طریق الإصلاح و الصلاح.

فما نستنتجه من کلّ هذه المباحث
التي تطرّقنا إلیها، هو أنَّ تقابُل الحقّ و التکلیف قد إنتشر في المجتمع والحیاة
الإجتماعیّة و هذا الإختصاص لا یتواجد بین الحکومة و بین الناس و لذلک قال أمیر
المؤمنین عليّ بن أبیطالب ع في خطاب آخر «ثمَّ جَعَلَ سُبحانَهُ مِن حُقوقِهِ
حُقوقًا إفترَضَها لِبَعضِ الناس علی بَعضٍ فَجَعَلها تتکافأ في وُجوهِها و یُوجِب
بَعضُها بَعضًا وَ لا یَستَوجِب بَعضُها إلی بَعضٍ »

إنَّ الله تبارک و تعالی
فرض علی کلّ إنسان مراعاة حقوق الأفراد بین الناس في المجتمع الذي یعیش فیه باعتدالٍ
و توازُن لکي تنعقد العلاقات و الإرتباطات الإجتماعیّة الوثیقة بینهم و کلّ بَندٍ
من بنودِ تلک الحقوق تتوافق مع البنود الأخری و تؤیِّدها و لا یُعمل بِبَندٍ منها من دون مراعاة البنود الأخری.

نرجو الله تبارك و تعالی أن
یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن
یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و
طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه
علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره
علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد
والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.     

                                                                                  
                     والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

1
.  في « كتاب الحق و العدالة » ص:35 تألیف
«علي الموحِّد»

2
.  في « كتاب المبسوط في ترمینولوجیّة
الحقوق» ص:1403 تألیف «جعفر اللنگرودي»

3
.  في « كتاب الفلسفة و حقوق البشر» ص75
إلی ص: 76 تألیف «آیة الله جواد الآمُلي»

4
.  في « كتاب فلسفة الحقوق » ص: 24

5
.  نهج البلاغة خطبة 216  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment