بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

ذكرنا في الخُطَب الماضیة أنَّ تكالیف
الإنسان و حقوقه مدوّنةً بكلّ دقّة  في
الشریعة الإسلامیّة و حتّی ما یخصّ التعارُض أو التوافق بین الحقوق الفردیّة و
الحقوق  الإجتماعیّة، حیث عیّنت الشریعة
تعییناً دقیقاً لواجبات الإنسان و تكالیفه.   

و رأینا فیما یخصُّ « الحقّ » هو أنّه
ما یُقال لما فیه نفع الشخص و یكون أداؤه علی عاتق الآخرین و « التكلیف » هو حقّ الآخرین و منافعهم
التي یكون أداؤها علی عاتق الفرد. و لذلك فهنالك توازنٌ و تناسبٌ بین حقّ كلّ
إنسان و التكالیف الآخری، أي أنَّ الفرد الذي یعیش في المجتمع تكون له الحقوق
بمقدار ما علیه من تكالیف. 

كما و رأینا في الخطَب الماضیة أنَّ
المجتمع الذي تسوده حكومة عدلٍ و حكمة ، تكون فیه العلاقات بین الحقّ و التكلیف
لیس من طرفٍ واحدٍ فقط و یمكن أن نستنتج بأنَّ الفرد في المجتمع یكون حقّه مضمونٌ
عند الآخرین و هنالك علیه تكالیفه تجاههم إذ لایمكن أن یری الإنسان أنّه ذوحقٍّ
علی الآخرین و لا تكلیف علیه تجاههم. كما و أنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ حقّ كلّ
إنسان یكون بمقدار تكلیفه و مسؤلیّته أمام المجتمع و الأفراد الآخرین و لذلك فإنَّ
الشخص الذي لا یحسّ بالمسؤلیّة و التكلیف تجاه الآخرین، لا یتمتّع بنیل الحق و
الحقوق لنفسه من الآخرین. 

یجب أن نعلم بأنَّ تكلیف الإنسان یكون
ذو معنیً حین تكون عنده القابلیّة علی القیام بها ، فالأشخاص الذین مسّهم الكِبَر
و لیس في وسعهم القیام بأيِّ عملٍ أو الأشخاص الذین یكونون مرضی لا قدرة لهم بالقیام
بأيِّ عملٍ لكسب المعیشة بسبب عجزهم ، لا یكون أيِّ تكلیفٍ علی عاتقهم أمام
المجتمع و لا أمام الآخرین. 

ولذلك نری أنَّ هنالك في الإسلام الذي
هو دین الرحمة و الرأفة، برامج و قوانین لهؤلاء الأفراد المعلولین و المُسِنّین في
المجتمع الذي یعیشون فیه. إنَّ في التعالیم الإسلامیّة وجوب إحترام هؤلاء و إحترام
حقّهُم فی الحیاة و عیشهم في رغد و طمأنینة کالآخرین السالمین حیث ان الکل هم
اعضاء المجتمع لیعیشوا في كرامة و إحترام یؤدَّی لهم من قِبَل كلّ أفراد المجتمع و
الحكام و لا یحقّ لأيِّ أحدٍ أن یغضّ النظر عنهم أو أن لایعتني بهم، فعلینا أن نحترمهم  كما نری ذلك في روایة « وَقِّرُوا كبارَكم » فالمقصود
هنا هو هؤلاء المسنّین من أفراد المجتمع.

إنَّ مسألة الحقوق تكون من الأمور
المهمّة التي قد تمّ تعیینها بكلّ دقّة و عنایة في الإسلام لدرجة بحیث أنَّ حتی ما
یخصّ الأحكام الفردیّة مثل وجوب الصلاة و غیرها، فیها حكمة و فلسفة لیتمكن الإنسان
أن ینال بها الهدوء و السكینة في نفسه.

و بما أنَّ الصلاة و الدعاء و الأحكام
الفردیّة الأخری في الواجبات الدینیّة لها دورها و تأثیرها الحسّاس علی أخلاق
الإنسان ، تكون قد جُعِلَت من الواجبات التي هي الوسائل الوحیدة التي یستطیع
الإنسان أن یسعی بها لنیل الهدوء و السكینة و الإطمئنان في حیاته و لکي لاتغفله و تَغُرُّهُ الملذّات المادّیّة التي هي سریعة الفناء في
الحیاة الدنیا فإنَّ النجاة لایكون إلّا بالتمسُّك بالتعالیم الدینیّة الالهیه. 

و لهذا نری أنَّ الله عزّوجلّ یوصي
الإنسان في القرآن الكریم في قوله تعالی: « أقم الصَّلاة لِذِكري » و في آیة أخری بیان إطمئنان القلوب بذكره جلّ وعلا في قوله تعالی « ألا بِذِكرِ الله تَطمَئِنُّ
القُلوب » و هكذا نری أنَّ كلّ التكالیف الإلهیّة، هي التي یتمكن الإنسان بها من
أن ینال حقوقه و النِّعَم التي یریدها الله تبارك و تعالی لعباده. و خلاصة الكلام
هي أنَّ الوسیلة لنیل السعادة في الحیاة الدنیا و النجاة في الآخرة لم تكن إلّا عن
طریق العمل بالأصول الشرعیّة.

إنَّ أهمّ ما تبیّن لنا هو وجوب أن
نعلم و نتوجّه بأنَّ كلّ المنافع و المكاسب التي في القیام بأداء التكالیف
الإلهیّة تعود إلی نفس الإنسان ، و لا یكون مثقال ذرّة منها ما ینتفع بها الغنيّ
العزیز الذي أعطی كلّ شئ خَلقَهُ فهو الذي یخلق ما یشاء و ما لا یسعه إدراك
الإنسان و یعطي مخلوقاته ما تحتاجه و حاشا ثمّ حاشا أن تكون له حاجة حتّی و لا
لمثقال ذرّة من عباده و ما یقبله من العباد لیس إلّا عطاءً وإكرامًا منه جلّ وعلا
لهم، فإنَّ الطبیب الذي یعطي المریض الدواء للشفاء هو لیس ما فیه نفعٌ لنفسه و المریض الذي لایعمل بوصف الطبیب فلا یضرُّ إلّا نفسه.

فلو لم یعمل الإنسان بالتعالیم و
التكالیف الإلهیّة و لا یمشی علی الصراط المستقیم فلایضرُّ أحدًا إلّا نفسه. إنَّ
الله الرؤف الرحیم قد أرسل أنبیائه و رُسُله لإبلاغ وسائل الهدایة و النجاة لهم و
لیتمّ نعمته علی عباده و یُوَصِّل رحمته و بركاته إلیهم.

و الشكر علی هذه النِّعَم العِظام لا
یكون إلّا بقیام الإنسان بواجباته الدینیّة و الإجتماعیّة بأحسن ما في وسعه لینال
السكینة و الطمأنینة في الحیاة الدنیا و الفوز بالجنّة في الدار الآخرة كما نری
بیان ذلك في قول أمیر المؤمنین عليّ بن أبیطالب ما محتواه هو أنَّ الله تبارك و
تعالی « سُبحانَکَ خالقاً وَ مَعبوداً بِحُسنِ بَلائِکَ عِندَ خَلقِکَ، خَلَقتَ دارًا وَ جَعَلتَ فیها مَأدبَة ً، مَشرَباً وَ مَطعَماً وَ أزواجاً وَخَدَماً وَ قصُورًا وَ أنهارًا وَ زُرُوعاً وَ ثِماراً، ثمَّ أرسَلتَ داعیاً یَدعو إلَیها فَلا الدّاعي أجَابوا وَ لا فیما رَغَّبتَ رَغَبُوا وَ لا إلی ما شَوَّقتَ إلَیهِ إستاقوا أقبلوا علی جیفةٍ قد إفتَضَحوا بأکلِها وَ إصطلَحُوا علی حُبِّهِ. »   

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ
علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا
 للتعمُّق في خشیته و طاعته بالرغبة و
المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من
عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في
وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر
علی كلّ النِّعَم.      

 

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment