بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

الموضوع : العدل و
الأمن لمستقبل البشریّة

إنَّ الإعتقاد بظهور منجّي البشریّة الذي یُصلِح العالم و
یملأها عدلاً و قسطًا من بعد أن مُلئت ظلمًا و جورًا، هو من الأسُس المهمّة في
الأدیان الإبراهیمیّة و الغیر إبراهیمیّة و أنّه ذخرٌ عظیمٌ للمجتمعات البشریّة،
إذ أنَّ كلّ الناس یعتقدون و یأملون أن یعیشوا في رفاهٍ و رغد و لذلك یسعون أن
یُحقِّقوا كلّ القیم و المعنویّات الإنسانیّة من قِبَل العدل و الأمن و إنتشار
المعنویّات في المجتمعات. و یسعی الجمیع لتهیئة الأرضیّة لكي یتمتّع الناس بنشر
العدل و المستقبل الزّاهر لكلّ البشریّة. و هذا ما وعده الله عزّ و جلّ في محكم
كتابه المبین في قوله تعالی: « وَ لَقَدْ كَتَبْنا فِي
الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ
الصَّالِحُونَ ».  

إنَّ الأمل في السلام العالميّ منتشرٌ بین 
الكثیر من العلماء و هؤلاء هم الذین یسعون لنشر المعنویّات الإنسانیّة في
المجتمعات، و لكن مقدار تأثیرهم یتوقّف علی كیفیّة الإجراء و النشر و ردود الافعال
التی یعکسها الناس.

وبما أنَّ الكثیر من
المجتمعات تُعاني من الفقر والظلم وفقدان العدالة و الحروب التي یثیر شُعلتَها
المستعمرین و المستثمرین المنتهزین، فلیس من السهل النجاة من هذه المئاسي، بالرغم
من أنّنا نری شعارات الصلح والسلام وضمان حقوق الانسان وشتّان مابین الشعارات و
تطبیقها.

 فالمسألة المهمّة هي وجوب التدقیق  في كلٍّ من هذه العوامل و البقاء علی الإعتقاد
بالمُنَجّي لتحقیق السلام و العدل و الأمن في العالم و أن تبقی متواجدة في أذهان
الناس و إعتقادات البشریّة بأجمعهم و هذا هو ما یُحفِّزهم للسعي في تحقیق الأمانيّ
الإنسانیّة. كما و أنَّ هذا هو ما وصّی به الرسول الأكرم المصطفی الأمجد أبوا
القاسم محمّد ص في وعده قائلاً : « أَفْضَلُ‏
أَعْمَالِ‏ أُمَّتِي‏ انْتِظَارُ فَرَجِ اللَّهِ تَعَالَى‏ » و لذلك فعلینا أن نسعی لتهیئة الأرضیّة و
لِنَكن مِن المُنتظرین المُمَهّدین لظهوره عج .  

فالنظرة الإیجابیّة
للمستقبل مثبَّته فی اُسس الاعتقادات لكلّ الأدیان الإبراهیمیّة و غیرها و هذا هو
أمرٌ مهمٌّ جدًّا، فإنَّ عكس ذلك هوما كان القلیل من المفكرین ینشرونه و ذلك ما
یوجب الیأس في المجتمعات و هذا ما لا دلیل علیه إذ أنَّ كلّ ما ینشرونه من تشاؤم لا
دلیل له ، في حین أنَّ مصادر التفاؤل نراها في كلّ الكتب السماویّة في الأدیان
الإبراهیمیّة و غیرها من الأدیان ، فلنتطرّق إلی بعض هذه العقائد.

إنَّ كلمة «ماشیح» هي من الكلمات المعروفة في اللغة العبریّة عند
الیهود و یعتقدون بأنّه هو ما وعده الله تبارك و تعالی للیهود بمجئ منجّیهم و من
خصائصه هي:

1.        تواضعه و أنّه إنسانٌ عاديٌّ من أبناء البشر و
ولادته كباقي الناس.                                  

2.       و
یذكر البعض أنّه من نسل داود ع .

3.       و
قابلیّاته عادیّة كباقي الناس و لا یرید أن یقوم بأعمال خارقة أو إعجازیّة ، بل
إنَّه إنسانٌ متواضع. 

4.       إنّ
ولادته في « بیت لحم » أي أنّه یكون منهم و من ذریّة یهودیّة ویولد في مركز
الیهودیّة.

5.       إنّه
من ذریّة الأشراف ویولد في دار الملوك.

6.       و
أنّه من سكنة المدینة و یعرف آدابهم. 

و أمّا ما یخصّ نشاط «
الماشیح » فإنَّهُم یرون أنّه سوف یُشكل حكومة مستقلّة و أنَّ القضاء النهائي یكون
وفقًا لنظر الماشیح. كما و أنّهم یعتقدون بأنّه سوف یفني الشرك و هنالك من الیهود
من یعتقدون برجوع بعض الذین قد مضوا و سوف تكون الحكومة العالمیّة عندئذٍ تحت
سیطرته.   

و هنالك الكثیر من هذه
العقائد یمكن الكلام عنها و منها أنّهم یعتقدون بسبعة مراحل للظهور و كلّ مرحلة هي
نتیجة المرحلة التي كانت قبلها و من بعد المرور بمراحل المشاكل و المصاعب ینتصر
المؤمنون  مع « الماشیح » علی الأعداء و
یتحرَّرون من العبودیّة و ینتشر الصلح و السلام و لا تكون عندئذٍ للشیطان سلطة علی
الناس ، إذ أنَّ الأشرار یكونون قد إنهاروا و یبدأ عصرٌ جدید.

إنّ المنجّي في
المسیحیّة له مكانة عظیمة و إنّهم یعتقدون أنَّ « الماشیح » هو المسیح ع و
یعرفون نَسَبَهُ و لقَبَهُ كما هو في الإسلام. و لذلك فإنَّ الیهود لا یقبلون
المسیح عیسی ع بسهولة و إنَّ المسیحیّین الذین یعتقدون بعیسی ع یسعون تطبیق «
الماشیح » مع عیسی الذي إحدی أوصافه هو أنَّه إبن داود ع .

و من خصائص المسیح الموعود ع هو أنَّه سوف یظهر و وِفقًا لما هو في الكتاب
المقدّس و یكون معه أكثر من 1300 صحابة و في كتاب العهد الجدید هنالك عدّة أبواب
في الكتب التي تخصّ هذا الموضوع و مضمونها أنَّ عیسی ع هو المُنجّي في آخر
الزمان و هذا ما نراه في مكاشفة یوحنّا فیما یخصّ عیسی ع فهو الذي یكون أكبر ما
یعتقد به  المسیحیّون.

و هنالك أنظار مختلفة في عودته فمنها هو أنّه لا یعود إلی الحیاة الدنیا و
منها ما هو أنّه یعود إلی الحیاة الدنیا و جاء في أعمال الرُّسُل أنّ عیسی ع هذا
قد رُفِعَ من بینكم إلی السماء و قالوا « یا رجال الإنجیل لمَ أنتم واقفون هنا
تنظرون إلی السماء ؟ إنَّ عیسی قد إرتفع إلی السماء و سوف یعود إلی الأرض كما قد
ذهب عنها.»

إنَّهم یرون أنَّ هنالك
عدّة أمور في أهداف عودة المسیح ع و منها:

1.       إنَّ
كلّ المؤمنین سوف یجتمون حوله. و في إنجیل یوحنّا قول عیسی أنّه قال : إنّ عند أبي
مكانٌ واسعٌ و أنآ ذاهبٌ إلیه لكي أُهَیّئ لكم تلك الأماكن ، و عندما تتهیّأ سوف
أعود لكم و آخذكم إلی هناك لكي تكونوا أین ما أكون أنا.                

2.       إعطاء
الجزاء أي بمعنی أنّه قد آُعطيَت له قابلیّة القضاء و أن یعطي  لكلّ إنسان جزاءه.          

3.       و
جاء في الإنجیل حتی القضاء بین الأمم و خلاصته هو أنَّ المسیح ع حین یظهر مع
الملائكة سوف یستقرّ علی عرشٍ عظیم و الأمم تقف أمامه و سوف یعزلهم كما یفصل
الراعي ماعزه عن غنمه و یجعل الغنم علی یمینه و الماعز علی شماله.

4.       حین
یأتي المسیح ع سوف تتحرر الأرض عن الظلم و الظلام و تنتشر البركات.                                     

5.       تستقرّ
حكومة في زمانه یری الناس فیها عظمة داود و جلال و جبروت الحكومة الإلهیّة. و
بالرغم من أنَّ حوادث تحصل كعلائم الظهور من قبل ظهور المسیح ع و لكن النتیجة من
بعد الظهور هي فناء الشیطان و نجاة الإنسان.                             

أمّا ما نراه في
الإسلام الذي هو أخر الأدیان الإلهیّة و أتمّها، فإنّ تعالیمه التي أوحیت إلی خاتم
الأنبیاء ص لم تُحرَّف و فیه الجواب علی كلّ الحوائج المادّیّة و المعنویّة
للإنسان منذ بدأ وحیُهُ تبارك وتعالی وإلی یوم یُبعَثون ، و إنَّ القرآن الكریم
الذي هو المعجزة الأبدیّة یحتوي علی كلّ ما یحتاجه الإنسان للهدایة و فیه بیان
مسألة النجاة بصورة كاملة و جامعة. 

إنَّ وعد المهدي
عج هو من الحقائق التي یؤمن بها المسلمون في كلّ المذاهب سواءًا إن كانوا من
الشیعة أو من إخواننا الإعزّاء من أهل السنّة ، فالكلّ یعلمون أنَّ المنجّي في آخر
الزمان هو المهدي الذي هو من عترة الرسول الأكرم ص و من نسل إبنته فاطمة الزهراء
ع و جدّه الإمام الحسین ع و أبوه الإمام الحسن العسكريّ ع و لذلك فإنَّ
الجمیع یتشاركون في الإیمان به بالرغم من الإختلافات بینهم مثل ما نراه في أنّه هو
الإمام الثاني عشر الذي سوف یملأ الأرض عدلاً و قسطًا و الخیر و البركات و سوف
ینزل معه عیسی بن مریم ع من السماء و یصلِي خلفه.  

و لكنّ ما هو مهمٌّ هو أنَّ في
القرآن الكریم بیانُ الوسائل للنجاة من الفقر والظلم كما هو في الأدیان
الإبراهمیّة الأخری و ما أجمل ما نراه في قوله تعالی:

« وَعَدَ اللَّهُ الَّذينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضى‏ لَهُمْ وَ لَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
يَعْبُدُونَني‏ لا يُشْرِكُونَ بي‏ شَيْئاً وَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ
فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُون ‏»

كما و إنّنا نری بیان فشل الكفّار الذین لایطیعون الله جلّ و عل في تعالی:

« يُريدُونَ لِيُطْفِؤُا
نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَو كَرِهَ
الْكافِرُونَ »

إنَّ في الإسلام بشارة
أنَّه سوف یأتي عصرٌ فيه شفاء الناس من كلّ سقمٍ و فقرٍ و فاقةٍ وتنتشر فیه
العدالة و الأمن الإجتماعيّ في كلّ مجالات الحیاة و المجتمعات. كما و أنَّ فیه ذكر
خصائص المهدي عج ذلك المعصوم الذي ینشر العدل في العالم من دون أن یخطأ مثقال
ذرّة و یُجري الأحكام و القوانین الإلهیّة في كلّ مجالات الحیاة و من دون أيِّ
تبعیض و تفریق بین الناس أمام القوانین الإلهیّة.

و في الختام أودُّ أن أذكر ماهو في
الأدیان الغیر إبراهیمیّة من بیانات و وعید لآخر الزمان كما نری بیان ذلك في جمع
«السوشیانت» عند الزراتشتیین و «الكالكي» عند الهُنود و
«المتریّة» عند البودیّین و الموعودین في العقائد الأخری مثل «كنفوسیوس» و عصر
الفرزانكي للبشر و «لي هونگ» في عقائد «الدائو» و عند كلّ هذه الفرق یكون الموعود
هو الذي یُنَجّي البشریّة من المصاعب و الكوارث عند ظهوره. 

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في
خشیته و طاعته و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا
لمعرفة سبیل الرشاد.   والسلام علیكم و رحمة الله و
بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment