إنَّ ما نراه في الشریعة الإسلامیّة التي قد سنّها الله تبارك و
تعالی لصالح الإنسان و سعادته، هو ممّا لاشك فیه أنّها لم تُسَنّ إلّا لصالح الإنسان و لایمكن أن یَنال الإنسان النجاة من دون
المسیر في ذلك السبیل لما نراه فیما یلي:

اوّلاً:
إنَّ الله جلّ و علا عالمٌ حكیمٌ و تعالیمه مبنیّة
علی أساس العدل و الحكمة و الرأفة و الرحمة. ولذلك فإنّه یضع مسؤلیّة العمل
بتعالیمه علی عاتق الإنسان لیُبعده عن كلّ نوعٍ من المفاسد.

ثانیاً
: إنّه تبارك و تعالی لایُكلِّفُ نفسًا إلّا
وسعها، فمن لم یصل بعدُ إلی سنّ البلوغ فلاتكلیف علیه. كما نری ذلك في وجوب الصلاة
التي بالرغم من أنَّ فیها المصالح الفردیّة و الإجتماعیّة، لم تكن قد فُرِضَت
كواجبٍ من قبل الشریعة الاسلامیه. كما و أنَّ كلّ القوانین الإسلامیّة لم تكن قد
شُرِّعَت في زمنٍ واحدٍ، بل إنَّها أصبحت واجبة بالتدریج و سنة عند تواجُد الشروط
و الظروف المناسبة لها.

و الأمر الآخر هو أنَّ
التكالیف تكون من الواجبات عند تواجد القابلیّات و الشروط لمعرفة الأحكام و
الأركان. و لمّا کان المشرّع حکیماً فحینئذ یقبح العقاب بدون البیان و علی سبیل
المثال فان المکلف لا یواخذ بحرمة صوم یوم العید بدون ان یبلّغ بذلک و لایواخذ
بالحرام دون معرفة المحرمات مسبّقاً.

و أمّا ما یخصُّ التكلیف، فیجب أن نعلم بأنَّ التكلیف هو
القانون الذي سنّه الله تبارك و تعالی و لذلك یكون خالياً من أيِّ نقصٍ و قباحة ـ
حاشا لله ثمّ حاشا ـ و علاوة علی ذلك فإنَّ الخطاب الإلهيّ بتعریف التكالیف یكون
أسبق من الناحیة الزمانیّة للمکلّف، لكي تُتاح للمُكلَّف الفُرَص الكافیة للتعرُّف
علی الأجزاء و الشروط و التفاصیل التي تخصُّ المُكلَّف لیتعلّمها و یعمل بها.  

و أمّا ما یخصّ الإنسان المُكلَّفف، فیجب مُراعاة أمرین و
هما:   

أ لایجوز التکلیف
بما لایطاق    ب الواجب ما یتّفق علی انّ تتحقق المصلحة فیه
بالضرورة و ما عداه یکون مستحباً 

إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ العمل الذي یجب القیام به و یكون
تركه سببًا للفساد، فإنَّ تركه حرامٌ و یجب علی الإنسان أن یتنحّی عن تركه و علی
أيِّ حال،  فیجب علی الإنسان أن یُرَجِّح
القیام بالتكالیف.

اما شروط المُكلِّف فهي كما یلي:

أ
إنَّه یجب أن یتعلّم كلّ المفاسد و المصالح في الأعمال و بكلّ دقّة، أي بتعبیر
آخَر إنّه یعلمُ صفات فعل كلّ فاعلٍ و لایأمر بالقیام بعملٍ قبیحٍ ، فعلیه أن یُأمَر
بالقیام بكلّ عملٍ فیه الصلاح و یُنهی عن كلّ عملٍ فیه قبح.

ب إنّه
یعلم مقدار الثواب و الجزاء لكلّ
عملٍ لكي یستطیع أن یعطي الجزاء والعقاب
بالعدل من دون أن یُحرم أيِّ أحدٍ من حقِّه.

ج إنَّ
المُكلِّف بحد ذاته یكون خالٍ من كلّ قبیح، بل إنَّ كلّ قبیح یكون من الأمور
المستهجنة، فهو الذي یعطي الجزاء لأهل طاعته بكرمه و سخائه.

 اما شرائط الإنسان الذي یشمله التكلیف فهي: أ إنَّ المُكلَّف یجب أن یكون عاقلًا.  ب ویجب
أن یكون علی قید الحیاة. ج وحین یرید
القیام بأداء التكلیف، یجب أن ­یكون مقتدرًا علی أدائه. د یجب أن یعلم ماهو التلكیف الذي علی
عاتقه. 

یری بعض المُحقِّقین أنَّ هنالك أربعة شروط للتكلیف و هي :
« البلوغ، العقل، القدرة، العلم » و لكن یجب أن نعلم بأنَّ هذه الشروط لیست علی
منوالٍ واحدٍ، بل أنَّ فیها إختلافات، أي بمعنی أنَّ البلوغ و العقل هما الشرطان
الأساسیّان للتكلیف، إذ أنَّ الذي لیس بالغًا أو لیس عاقلاً، فلا تكلیف علیه و لا
یوجد أيِّ حكمٍ یخصّه.

و القدرة هي شرط حُسنِ الخطاب أي أنَّه لا مانع لإبلاغ
التكلیف إلی العاجز الغیر قادر علی إنجازه و لكن وجوب القیام به، یتوقّف علی
القابلیّة للإنجاز وحین یکون الإنسان عاجزًا عن ذلك، فلا وجوب علیه. كما و أنَّ
العلم هو من شروط التكلیف. أي أنَّ التكلیف قد وُضِعَ للناس بأجمعهم و یشمل العاقل
و الجاهل أیضًا ولكن ما دام البلاغ لم یكن قد وصل إلی أحدٍ، فإنّه یكون معفوًّا عن
العمل به و لا یشمله عقابٌ إذا كان قد إرتكب ما هو خلافٌ من غیر عمدٍ.

فحین نتمعّن في مجموعة هذه الشروط نحصل علی نتیجة مهمّة مفادها:
أنَّ في الإسلام توجُّهً خاصّاً لكلّ شروط التكلیف و المسؤلیّة مع مراعاة كلّ
الجوانب التي قد وضعتها الشریعة الإسلامیّة للإنسان و وضّحت كلّ الواجبات التي هي
علی عاتقه لیكون علی علمٍ بها.

و عندما یبتغي أحدٌ الكمال و یسعی لینل السعادة في الدنیا و
النجاة في الآخرة، فیجب علیه أن یسیر في الطریق الذي وضعته الشریعة الإسلامیّة لكي
یتوصّل إلی الأهداف العالیة و لكن حین ینخدع بما عنده من حرّیّة لعدم القیام
بالأحكام الإلهیّة فلایبقی له رجاء بالتكریم في الدنیا و لا أن یكون له أملٌ في
القرار و السكینة في الحیاة الدنیا و لا أن ینتشر الأمن و الاستقرار في المجتمع
الذي یعیش فیه، إذ أنَّ إبتعاد الناس من التعالیم الدینیّة و عدم العمل بها سوف یُؤدّي
إلی تكاثر الأفراد الذین هم یکونون من أولئک الذین نسوا الله فأنساهم أنفسهم.

و كم من الموارد التی تكون فیها هذه الفواصل سبباً لأن یَعمل
الإنسان وفقَ میول النفس الأمّارة بالسوء و یقع في المخادع الشیطانیّة التي تَغرُس في ذاته القِیَم الغَیر إنسانیّة وتطرد الفضائل و الكرامات
الإنسانیّة من أخلاقه و ینحرف بها في النهایة عن مسیر الطیِّبات في حیاته. 

نرجو
الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا 
للتعمُّق في خشیته و طاعته بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته
و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما
وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و
هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.          

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment