بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

الموضوع : المعارف
الإسلامیّة 120 الإسلام و الشریعة
14

إنَّ من الأمور المهمّة التي یجب
أن نهتمّ بها هي التوافق و الإرتباط الحثیث بین الشریعة و الأحكام و الحدود و
الحقوق الإلهیّة و بین الأخلاق، إذ أنَّ الهدف من الأحكام الإلهیّة هي الأخلاق
الحسنة، مثل التواضع و التعفُّف و  التزكیة
والصدق في الأعمال و الأقوال وأمثالها و كلِّ هذه الخِصال لها التأثیر العمیق في
التمتُّع بالأجر و الثواب الذي یحصله الإنسان بالعمل و التصرُّف وفقًا للأحكام
الشرعیّة الإلهیّة.

هل هنالك فروق بین الشریعة و الأخلاق؟

هنالك فرقٌ بین
الشریعة و الأخلاق
فعلی سبیل المثال مفهوم الهدف فی الشریعة شیء و فی علم الاخلاق شیءٌ أخر. إذ
أنَّ في ­الأمور
الأخلاقیّة بیان الفرق بین الرذیلة و الفضیلة و هذه هي العوامل
التي تظهر في تصرُّفات الإنسان و أعماله. و لكنّ في الفقه شرح واجبات الإنسان
بالتفصیل فیما یخصُّ  الأمور العبادیّة ،
الإجتماعیّة، الفردیّة ، الإقتصادیّة، السیاسیّة، الحقوقیّة و هلمّ
جرّا.

تتفاوت المواضیع من علم الی آخر، فعلم
الفقه یختص بافعال المکلفین من حیث الجواز و العدم حتی بابسط الاشیاء. اما علم
الاخلاق فانه یتناول الامور و الافعال من جانب الآخر حیث انّه یعطی القیمة
الحقیقیة للافعال و اهمیة إنجازها.

إنَّ الفرق بین الشریعة و الأخلاق
فیما یُستهدف إیضاحها هو أنَّ الغرض من الأخلاق هو إصلاح الأفراد و المجتمع و لایوجد
فیه معیار الثواب و العقاب. في حین أنَّ الفقه یُرَكّز علی الأبعاد الإجتماعیّة
المختلفة لإصلاح الفرد و المجتمع و تعیین الثواب و العقاب، أي بمعنی أنَّ الذین
یعملون الصالحات لهم أجرٌ كریم و الذین یعملون السیّئات ینالون العقاب.

 التشابه بین الشریعة و الأخلاق:

یوجد تشابهُ کبیر
بین علم الشریعة و علم الاخلاق. أنَّ كلّاً منها هو جزءٌ من
الحكمة العملیّة و الغرض منهما هو العمل بهما و کلٌّ یحتاج الی النیة فی العمل و
قد عرّفت النیة بانها رکنٌ اساسیٌ فی العمل و ربّما کانت نیة المرء افضل من عمله
مثلما جاءت فی المقولة المشهورة « نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ‏
خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ » [1] و كما قال سبحانه و
تعالی : « كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى‏ شاكِلَتِهِ » [2] فالمقصود من الشاكلة هنا هي النیّة. 

و من جملة
التشابهات هي أنَّ القوانین و الأحكام الأخلاقیّة و الفقهیّة لها ثلاث خصائص وهي :

أ
ألإلتزام: أي بمعنی أنَّ كلّ مكلَّف تتواجد فيه شرائط التکلیف، فعلیه
أن یؤدِّیها. 

ب الإطلاق: أي بمعنی أنَّ القیام بأداء ما في القوانین واجبٌ
مطلق ولا یتقیّد بأيِّ شرط. 

ج
الكُلّیِّة : أي بمعنی أنَّ الأحكام الأخلاقیّة و الفقهیّة هي قوانین
عمومیّة و كلّ الأشخاص الذین تتواجد فیهم شروطها فیما یخصُّ التكلیف و الموقعیّة،
فهم مسؤلین أن یعملوا بكلّ القوانین و الأحكام التي تخصُّهم.

و التشابه الآخر
هو في أنَّ كِلا الطرفین فیهما أحكامٌ ثابتة و أحكامٌ متغیّرة ، فالأحكام الثابتة
هي ما تخصُّ حوائج الإنسان و لا تتغیّر أبدًا مع تغیُّر الظروف و التحوّلات
الإجتماعیّة مثل الصلاة و الصیام وفقًا لما هو في الأصول الفقهیّة و الشریعة و مثل
قول الصدق و العدل في المسائل الأخلاقیّة.

و أمّا الأحكام
المُتغیِّرة فهي الأحكام التي تتناسب وفقًا للشروط و المقتضیات الزمانیّة و
المكانیّة مثل الأحكام و المعاملات المذکورة في الفقه و الشریعة و الآداب
الإجتماعیّة فیما یخصّ الأمور الأخلاقیّة أي بمعنی أنَّ كلّها تكون لإصلاح الفرد و
المجتمع الذي یعیش فیه الإنسان و لكي تتكامَل بعضها مع بعض.

و لذلك فإنَّ
المجتمع الذي یسود فیه الإلتزام بالفقه و الأخلاق الحسنة یكون مجتمعًا یسوده الأمن
و الإطمئنان وحین یلتزم كلٌّ من الأفراد الذین یعیشون فیه بأداء واجباته بخیر ما
في وسعه ، فسوف لا یفكرُ أيِّ أحدٍ بالتعدّي و التجاوُز لا علی نفسه و لا علی
الآخرین و هذا هو من محاسن المجتمع المتمحور علی الشریعة.

و من خصائص هذا المجتمع هو أنَّ
كلّ فرد یُسَیطِر فیها علی نفسه بالذات و من دون أن تكون هنالك حاجة لمراقبته من
قِبَل الآخرین. و لكن لا یعني ذلك أن لا حاجة عندئذٍ إلی المراقبة لحفظ الأمن في
المجتمع و صیانته من الأفراد المغرضین الذین یسعون لنشر الإضطراب و الخوف و خلخلة
الأمن في المجتمعات، بل إنَّ تلك المراقبة تکون لحالها واجبة.

إنَّ الفضاء الذي یسود في المجتمعات یكون رهینة الأخلاق و
الشریعة و حین یكون كلّ فرد یعرف واجباته و یعمل بها، فینتشر حینئذٍ الأمن و
الأمان في المجتمع و بناءًا علی ذلك فإنَّ الأسُس الأخلاقیّة و أصول الشریعة
تتكامل فیما بینها و لیس فیها أيِّ تضادٍّ و تناقض. 

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ
ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح
و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.            

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

[1].  الكافي ط – الإسلامية ؛ ج:‏2 ؛ ص:84

[2].  الإسراء 17 ؛ آیه: 84  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment