بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

 الإرتباطات بین الأحكام الفقهیّة و الخصائص الأخلاقیّة

إنَّ من الأمور التي علیها التأكید الحثیث في الدین
الإسلاميّ المبین هو الإلتزام بالأحكام الفقهیّة و التمسُّك بها و العمل بما أمرنا
الله تبارك و تعالی و التجنُّب عمّا نهانا. فإنَّه جلَّ و علا یعلم ما ینفعنا و
یعلم کیف ینشّط الإستعدادات و القابلیّات التي تَفَضّلَ بها علینا لكي نتوصّل بها
إلی الكمال المُستهدَف في خلقة الإنسان و لا یمكن التوصُّل إلی الأهداف العالیة من
دون قبول تلك الأحكام و العمل بها، فمن الذي یعلمُ کلّ ذلك غیر الذي خلق
الإنسان.  

فعلینا أن نلتزم بالأحكام الأخلاقیّة، إذ أنَّ الأحكام
الفقهیّة و الحقوقیّة تستند علی الأحكام الأخلاقیّة بكلّ دقّة، أي بتعبیر آخَر
هنالك تأثیر متبادَل بین الجهتین فعلی سبیل المثال أنَّ الصیام من الأحكام الواجبة
في الإسلام و كلّ المذاهب الإسلامیّة متمسّكةٌ بوجوبه، حیث یتّفق الجمیع بأنَّ الصیام
من الأسس الدینیّة و أنَّ هذه الأحكام الإلهیّة لها تأثیرها و نتائجها الحسنة في
الدنیا و الآخرة و أهمّها هي التقوی كما نری بیان ذلك في القرآن الكریم  في قوله تعالی:

« يا
أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى
الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون‏ »

تُشیر الآیة
الكریمة الی أنَّ هنالك إرتباط وثیق بین الصیام و التقوی، أي أنَّ المؤمن یتوسّم
بالتقوی حین یقوم بأداء هذه الفریضة، كما و أنَّ التقوی تهیّئ الأرضیّة للمزید من
التمتُّع و التمعُّن في الآداب و الأسرار التي تکمن في هذا الواجب الإلهيّ
للإنسان. هذا من جانب و من جانب آخَر تشیر بعض
الآیات الی وجود ترابط بین الصیام و الشُكر و الفلاح و النجاة.

و ما نستنتجه من هذه
الإرتباطات التي بین الأحكام الشرعیّة و السُنَن الأخلاقیّة أوّلاً هي أنّ
التأثیر و التأثُّر یكون متبادلًا  فیما
بینهما و ثانیًا هنالك إلتزامٌ بینهما. و النتیجة هي أنَّ هذین الأمرین
لهما دورهما المؤثِّر في سعادة الإنسان و كماله.

و في بیانٍ مجملٍ
یمكن أن نقول بأنَّ في القرآن الكریم تشریع الأحكام الفقهیّة التي تُبَیِّن المصالح
و المفاسد من الأفعال التي لها تأثیرها في التكامل الإنسانيّ و هي إلزامیّة
للإنسان المسلم و تكون نتائجها هي المظاهر الأخلاقیّة. كما و نستطیع أن نقول بكلّ
جدّ بأنَّ الكثیر من الأمور الأخلاقیّة هي من الأهداف الفقهیّة.

و نری بیان كلّ ذلك في الكثیر من الآیات في القرآن الكریم و
منها الآیة 2 من سورة المائدة في قوله تعالی : « وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى‏ وَ لا تَعاوَنُوا
عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَديدُ
الْعِقاب‏ » و ما نراه في هذه
الآیات الكریمة هو أن لا تفكیك بین الأخلاق و الفقه و منها هذه الآیة في قوله
تعالی : « إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إيتاءِ ذِي الْقُرْبى‏ وَ یَنهی‏
عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون‏ » و ما یجلب الأنظار هو أنَّ العدل و الإحسان مقرونَین
في الآیة الكریمة و أنَّ الله جلَّ و علا یأمُرُنا بهما علی حدٍّ سواء.  

تأثیر الصلاة في القِیَم الأخلاقیّة:

لا بأس أن نذكر هنا الإرتباط العمیق بین الصلاة و الكثیر من
الأمور الأخلاقیّة بدایة من ذكر الكثیر من الأحكام و الآداب و الأسرار التي فیها و
التي لكلٍّ منها مباحث و مسائل كثیرة تخصّها. و لكن حین نتطرّق إلی آثار الصلاة في
نفس الإنسان حین یقیمها ساعيًا بها القربة إلی الله عزّ و جلّ و من آثارها هو
الإبتعاد عن الرذائل الأخلاقیّة مثل التكبُّر و الحسد و الأنانیّة و الحضور
القلبيّ و الخشوع و الخضوع فیها و یحسُّ الإنسان و كأنّه في العروج الروحيّ
المعنويّ.

إنَّ الكثیر من
هذه الآثار مذكورة في الآیات و الروایات و ما نستنتجه منها هو أنَّ الصلاة هي
فریضة مهمّة كتبها الله تبارك و تعالی لنا لنرتقي بها إلی مراحل الرشد و التزیُّن
بالفضائل و الإبتعاد عن الرذائل و المساوئ ، للتقرُّب إلیه جلَّ و علا.  کما و إنّنا نری أنَّ الأمور الأخلاقیّة و
القیَم الدینیّة لها تأثیرها العمیق في نشر الثقافة و الحضارة و الصلح و الإصلاح
في المجتمعات و خصوصًا في ما یخصُّ الإرتباطات بین الناس لدرجة ، بحیث أنَّ
الأرضیّة تتمهّد بها لأداء التکالیف الشرعیّة و القانونیّة سواءًا إن كانت من وجهة
نظر العبادات أو المعاملات أو الأحكام أو القوانین المدنیّة و الإجتماعیّة.

إنَّ المجتمع الذي لا تسود فیه الأخلاق یبتعد عن الهویّة
الفردیّة و الإجتماعیّة و الإنسانیّة و لا تتوفّر فیه وسائل معرفة المسؤلیّات التي
علی عاتقه لأدائها بصورة صحیحة. ولذلك نری في القرآن الكریم بیان إلتزام المسلم
بالواجبات و أدائها و التنحّي عن المحرّمات و ترکها و من لم یعمل بهذه التعالیم،
فإنَّه یَحرِم نفسه من السعادة و نری نفس الحالة في التأكید علی الإلتزام بما یخصّ
الأخلاق و إتِّباع القوانین و الأصول الأخلاقیّة مثل الأحكام الفقهیّة و الحقوقیّة
لكي یسیر المجتمع الإنسانيّ نحو السعادة بصورة جدیرة و محترمة لیصل الكمال
المطلوب.    

إنَّ الكثیر من الأمور التی فیها قصور من الجانب الأخلاقی
لایمكن تعقیبها و المجازات علیها من الجهة القانونیة و لكن هذالا یدلّ علی أن لا
مسؤلیّة للإنسان تجاهها، و السبب فی ذلک هو أنَّ الأمور الروحیّة أوسع حوزةً من
التكالیف الإجتماعیّة و الحقوقیّة. و المجتمع الاسلامی فی نظر القرآن الكریم ، هو المجتمع
الذي تسوده الإلتزامات الأخلاقیّة و القانونیة و الفقهیّة.

و لذلك فیجب أن نلتزم بكل تلك الأحكام و نهتمّ بها لكي
نتوصّل إلی الفلاح و النجاح كما نری بیان ذلك في الآیة الثانیة من سورة الجمعة في
قوله تعالی : « هُوَ
الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ
وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ
قَبْلُ لَفي‏ ضَلالٍ مُبين ‏».

و هكذا نری أنَّ من جملة أهداف رسالة الرسول الأكرم ص كان
تعلیم الكتاب و الحكمة أي الجمع بین هذین النوعین من الأحكام التي هي تعلیم الكتاب
و الحكمة و كذلك الأمر فیما یخصُّ  تزكیة
النفس و تهذیبها لكي ینال الإنسان ما وعده الله جلَّ  وعلا في محكم كتابه المبین في قوله تعالی « قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
زَكَّاها» وخصوصًا ما نراه في مصیر أولئك
الذین یطیعون الله و رسوله ، فأولئك هم الذین تخصُّهم هذه الآیة الكریمة في قوله
تعالی : «
مَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظيما».

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا
جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا
 للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و
نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل
الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.     

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment