بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

الروابط بین الأحكام الفقهیّة
و الخصائص الأخلاقیّة

هنالك الكثیر من
الروایات و البحوث المبنیّة علی الآیات التي تخصّ الإرتباط بین الأخلاق و الشریعة
في القرآن الكریم، و لكن بما أنَّ الصلاة هي إحدی الأركان الأساسیّة في كلّ
المذاهب و الأدیان الإلهیّة و أنّها من الضروریّات الدینیّة فهناك مباحث كثیرة
تخصّ هذه الفریضة الإلهیّة و إرتباطها بالأخلاق و المعنویّات التي یتوسّم بها
الإنسان.

و ما نراه في
الآیات الكریمة و الروایات الكثیرة بصورة صریحة، هي أنَّ الهدف من خلقة الإنسان هو
درك الحقائق، وقد هیّأ الله جلَّ و علا الأرضیّة و الوسائل الضروریّة لکي یتوصّل
بها الإنسان إلی درك الحقائق التي وضعها الله عزّ و جلّ للإنسان و منها  الصلاة، بل إنَّها من
أهمّ تلك الحقائق، فإنَّ الصلاة هي حبل الوصول إلی الحقّ و القرب الإلهيّ. رُوی عن
الإمام الحسن ع انّه قال: «إِنَّ‏ الْوُصُولَ‏ إِلَى‏
اللَّهِ‏ عَزَّ وَجَلَّ سَفَرٌ لايُدْرَكُ إِلَّا بِامْتِطَاء اللَّيْلِ مَنْ لَمْ
يُحْسِنْ أَنْ يَمْنَعَ لَمْ يُحْسِنْ أَنْ يُعْطِيَ.» [1] كما و قال الإمام الباقر ع : «أَوَّلُ‏ مَا يُحَاسَبُ‏ بِهِ‏ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ فَإِنْ
قُبِلَتْ قُبِلَ مَا سِوَاهَا و إن رُدَّت رُدَّ ما سِوَاهَا»

إنَّ كلّ هذا الإهتمام بالصلاة هو بسبب أنّها فریضة إلهیّة
من جهةٍ و من جهة أخری فهي ترفع الإنسان إلی أوج المعنویّات و الأخلاق الحسنة و هي
أحسن العلاج للأمراض النفسیّة ، بل و أنَّ الصلاة تُعَمِّق الإیمان والتوحید في
كنه الإنسان و روحه ، إذ أنَّ الصلاة معراج المؤمن ، فإنَّ الإنسان حین یُصَلّي
خمسة مرّات في كلّ یوم یحسّ كلّ مرة فیها بالجمال الإلهيّ ، و أنَّ الله جمیلٌ
یحبّ الجمال كما و إنَّ المصلّي یحسّ بالتقرُّب الذي یبتغیه إلی الله تبارك و
تعالی في أعماق قلبه.    

إنَّ في الصلاة سفرٌ من التعدید إلی التوحید و التوجُّه من
الخلق إلی الحقّ فلا بدیل للصلاة و إنَّ كلّ مؤمن یتفانی في إدراك جلال الباري عزّ
و جلّ و عظمته حین یُصلّي و یتوسّم بالصفات الحسنة في مسیره إلی المراتب و الدرجات
العالیة إلی أن یبتغي أوج المعنوِیّات التي هي الیقین كما نری بیان ذلك في الآیة 9
من سورة الحجر في قوله تعالی:« و إعبُد رَبُّك حتّی یأتیك الیقین.» [2]

إنَّ في العرفان
الإسلاميّ بیانات مفصّلة حول التوصُّل إلی
المعنویّات الجمیلة و الحقائق الوثیقة و أن لا سبیل إلیها سوی طریق الشریعة و
إتِّباع الأحكام الإلهیّة، إذ أنَّ
الشریعة هي السبیل الوحید لإدراك الحقائق و
المعنویّات إلی أخِر لحظة في حیاة الإنسان. و أمّا من یظنُّ أنَّ من یكون قد توصّل
إلی مرحلة من الیقین و إدراك الحقیقة، فلا حاجة له من بعد ذلك إلی الشریعة و هذا
ظنٌّ باطلٌ.

فلو توصّل
الإنسان إلی أوج المعنویّة ، لَعَلِم أنَّ هنالك أیضًا مراتب و درجات تجعل حاجة
الإنسان إلی الشریعة أكثر، فأكثر علاوة علی أنَّ هنالك أیضًا تهدیدات تشمل كلّ
المراتب التي تُقابل الإنسان علی مختلف الأشكال ، و لذلك فیكون الإنسان في أمسّ
الحاجة إلی ملجأ و مأمن یلجأ إلیه  في كلِّ المراحل و أيِّ ملجأٌ أكثر أمنًا من الله
تبارك و تعالی فهو الملجأ و المأمل في كلّ مراحل الحیاة كما نری توجیهه عباده إلی
ذلك في سورة الحمد لیعبدوه و لیستعینوا به في قوله تعالی: « إیّاك نَعبُدُ وَ إیّاك نَستَعین» 

إنَّ الصلاة التي تُقام بشرائطها من قبیل حضور القلب ، هي التي تزید التقوی الإلهیّة
و یغرق الإنسان في عظمة الجلال الإلهي. فالإنسان الذي یُقیم الصلاة بالخلوص و
الخشوع یأخذ العبرات كما نری بیان ذلك في الآیة الكریمة في قوله تعالی: « إِنَّ في‏ ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى
السَّمْعَ وَ هُوَ شَهيدٌ.»   

فلو لم یدعم الإنسان نفسه بهذه الحالة المعنویّة و الروحیّة
فإنَّهُ سوف یواجه المشاكل النفسیّة الجدّیّة، بحیث یَضعُفُ إیمانُه و یُنکَتُ فی
قلبه نکتةً سَوداء كما نری بیان ذلك في الآیة الكریمة في قوله تعالی : « كَلاَّ بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ
» كما و إنّنا نری في روایة عن الإمام الباقر ع قال فیها: «مَا مِنْ‏ عَبْدٍ إِلاّ وَ فِي‏ قَلْبِهِ‏ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ
فَإِذَا أَذْنَبَ ذَنْباً خَرَجَ فِي النُّكْتَةِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِنْ تَابَ
ذَهَبَ ذلكَ السَّوَادُ وَ إِنْ تَمَادَى فِي الذُّنُوبِ زَادَ ذَلِكَ السَّوَادُ حَتَّى
يُغَطِّيَ الْبَيَاضَ فَإِذَا غَطَّى الْبَيَاضَ لَمْ يَرْجِعْ صَاحِبُهُ إِلَى خَيْرٍ
أَبَداً وَ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَ‏: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ
ما كانُوا يَكْسِبُونَ. »

و لكن لو إنصرف
الإنسان عن المشاغل الدنیویّة في الصلاة التي هي أهمّ السبل للتوصُّل إلی
المعنویّات و التوجّه إلی الله تبارك و تعالی ، فسوف یجازیه الباري جلَّ و علا
بقدر إخلاصه، بل و بأكثر من ذلك كما نری بیان ذلك في روایة عن الإمام الباقر ع :
« إِذَا قَامَ‏ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ‏ فِي صَلَاتِهِ نَظَرَ
اللَّهُ إِلَيْهِ أَوْ قَالَ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْصَرِفَ وَ أَظَلَّتْهُ
الرَّحْمَةُ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ وَ الْمَلَائِكَةُ تَحُفُّهُ
مِنْ حَوْلِهِ إِلَى أُفُقِ السَّمَاءِ وَ وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكاً قَائِماً عَلَى
رَأْسِهِ يَقُولُ لَهُ أَيُّهَا الْمُصَلِّي لَوْ تَعْلَمُ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ
وَ مَنْ تُنَاجِي مَا الْتَفَتَّ وَ لَا زِلْتَ مِنْ مَوْضِعِكَ أَبَداً. »

إنَّ الصلاة هي
فریضة إلهیّة تفضّل الله تبارك و تعالی بها علی الإنسان و لها آثارها الفردیّة و
الإجتماعیّة لإصلاح العلاقات و الروابط بین الناس ، فكما أنّها ترفع المعنویّات في
شخصیّة الإنسان، فهي أیضًا تُعَمِّق و تقوّي إرتباطه بالمولی العزیز القدیر و
تُقوّي علاقاته مع الناس في المجتمع الذي یعیش فیه. فكما أنَّ الصلاة هي الوسیلة
للتوسُّم بالأخلاق الحسنة و الإبتعاد عن الرذائل ، فإنَّ الصفات الأخلاقیّة الحسنة
أو السیّئة لها دورها أیضًا في تعیین معیار قبول الصلاة و إنَّ تأثیرها یكون لدرجة
بحیث أنّنا نری في الروایة التي تدلُّ علی أن لو كان للإنسان ذرّةٌ من الكبریاء أو
أنّه یمیل إلی الریاء في العبادات ، فلا وزن لصلاته.

بل و هنالك من الفقهاء من یرون أن لا صحّة لها و هذا هو
أمرٌ مهمٌّ جدًّا یجب أن یأخذه الإنسان بنظر الإعتبار بأنَّ التوازُن بین الأصول
الأخلاقیّة و الأحكام الفقهیّة مهمٌّ جدًّا فیما یخصُّ كونها صحیحة و مقبولة و
الغفلة عنها یؤدّي إلی عدم قبول أیًّا منها و عدم تواجُد مكانتها الخاصّة بها و
هذا ما نحصل علیه حین نتمعَّن في الآیات و الروایات التي تخصُّ هذا الموضوع.

فخلاصة الكلام هي أنَّ الأحكام الإلهیّة مثل الصلاة و
الصیام و الحجّ و حتّی تلك الأحكام التي تخصّ الأمورالمالیّة مثل الخمس و الزكاة
لها إرتباطها العمیق بالأمور الأخلاقیّة و المسائل المعنویّة ، فلو أنَّ كلّ
آدابها و أسرارها و تأثیرها علی الإنسان كانت موردًا للإلتفات و للعمل بها ، لبرزت
في مجتمع البشریّة المظاهر الأخلاقیّة و الدینیّة الحسنة و لإستطاع الإنسان أن
یذوقَ طعمها  لیتمتّع بها.

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.     

والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

[1] .
سید بن طاووس، فلاح السائل، ص 127

[2] . سورة الحجر،
الآیة 99

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment