بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله کما یستحقه حمدا کثیرا و کما یحب ان یحمد و کما
یحمد نفسه. ثم الصلاه و السلام علی رسول الله و خاتم النبیین و تمام عده المرسلین
سیدنا و نبینا و شفیع ذنوبنا و طبیب نفوسنا و حبیب قلوبنا ابی القاسم مصطفی محمد صلی الله علیه و آله، و اهل بیته الطاهرین
الائمه المیامین الهداه المهدیین، امیرالمرمنین علی بن ابی طالب و فاطمه الزهرا
البتول و الحسن و الحسین سیدا شباب اهل الجنه و تسعه المعصومین من ولد الحسین، علی
بن الحسین…..

قال الله تبارک و تعالی فی محکم کتابه: «يا أيها الذين
آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجاره». ای کسانی که ايمان آورده­ايد، خود و خانواده خود را از آتشی که هيزم
آن مردم و سنگها هستند نگه داريد. قال بعض العلماء: إذا سمعت يا أيها الذين آمنوا؛
فاَرعِ لها سمعك؛ فإنه إما أمر تؤمر به، أو نهي تُنهى عنه، وهو إنما خاطب أهل
الإيمان لأجل أنهم هم الذين ينتفعون بالخطاب كما قال في موضع آخر: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد»
والمعنى للآية الأولى: اجعلوا بين أنفسكم وأهليكم وبين عذاب الله وقاية تقونَ بها
أنفسكم وأهليكم من النار. و فی روایه: لما نزّلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله
هذا نقي أنفسنا، فكيف نقي أهلينا؟ قال: تأمرونهم بطاعة الله. و عن امیرالمؤمنین الامام
علي علیه السلام في تفسيرها: علّموا أهليكم خيرا.

عنوان الخطبه: الشیطان یرید
انهیار الاسرة

التمهید:

لقد اشرنا فی الابحاث القرآنية‌ السالفة الي اوّل
اسرة‌ شُکّلت فی العالم و هي اسره النبي آدم علي نبيّنا و آله و عليه السلام و
زوجته حوّاء عليها السلام و قلنا بأنّ الله تبارك و تعالي
أسكن هذه الاُسرة الصغيرة التي تأسّست حديثا في جنة‌ خاصة‌ بكل احترام و كرّمها كل
التكريم. و قلنا ايضا علي ضوء الآيات القرآنية إنّ الزواج و الحياة‌ العائلية عهد
الهي و الوفاء به من علامات الايمان. و الموضوع في هذا الاسبوع هو «دور الشيطان في انهيار الاسرة»  و إن شاء‌ الله تعالي أن تكون هذه الأبحاث
منطلقاً لكي نتعلّم تعاليم اُخري عن الاُسرة من مَنهل القرآن الكريم و العتره
الطاهره علیهم السلام. إنّ‌ الله تبارك و تعالي يقول فی سورة‌
طه المباركة:

فقلنا يا آدم إنّ هذا عدو لك و لزوجک
فلا يخرجنكما من الجنة فتشقي، إنّ لك ألا تجوع فيها و لا تعري  و أنّك لا تظمأ فيها و لا تضحي. طه 117ـ 119

المطلب الاوّل:

اوصي الله تبارك و تعالي آدم عليه
السلام بوصية‌ٍ و عهد اليه عهدا. و امّا الوصية‌ فاوصاه بأنّ الشيطان عدوّ
له و لزوجه و عليه ألا یغفل عن هذه الحقيقة. و امّا العهد فإنّ‌ الله سبحانه
و تعالي ضمن بأن يَنعَم علی آدم و عائلته ببركات الجنة‌ مادام هو يراقب
عداوة‌ الشيطان و لايغترّ بغروره؛ و قَبِلَ آدم عليه السلام هذه المسؤولية
بأن يقوم بتطبيق الوصية‌ الإلهية‌ بكل جدّ و اجتهاد و أن يهتمّ بنفسه و عائلته
لكيلا يتبدّل حلاوت السعاده الي مرارة‌ الشقاوة.

و جدیر بالذکر انّ هذه الوصية‌ الإلهية مع غضّ
النظر عن خصوصيات المورد لا تختص بآدم و حوّا عليهما السلام بل هي
شاملة للجميع كما أنّ هذا العهد و المسؤولية‌ تقع علي عاتقنا جميعا. فيجب علينا
جميعا بأن نَحذَرَ من الشيطان و أن نقي انفسنا و اُسَرنا من شرّ هذا الخبيث كما
أنّ  القرآن الكريم يقول في آية‌ اخري :‌ يا ايها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و
الحجارة التحريم آلاية السادسة . ‌

يُستفاد من هذه الآية الشريفة بأن الشيطان يفكّر
دائما بإخراج آدم و حوّا من الجنة و أنّهما كان محلّ تنفيذ خطّة الشيطان. و يُعلم
من هنا بأنّ الشيطان لم ييأس من أحد و أنّ الرجل و المرأة‌ ليسا بمنأيً من عدواة‌
الشيطان و كلٌ منهما يقعان في مرمي من حملات العدو و وساوس الشيطان. الشيطان ليس
بآيس من إغواء احد إذاً فلا يجوز لأحد أن يأمن مكر الشيطان. و لا سامح الله إن
اغترّ كلٌّ من الرجل أو المرأة‌ بوساوس الشيطان فحينئذ سوف يُصاب جميع افراد
الاسرة‌ بالخلل؛‌ و من ناحية‌ اخري يجب عدم اليأس من روح الله و رحمته.

و ما کان توجیه خطاب هذه الآية‌ الشريفة لآدمعلیه
السلام الاّ لأنّه كان عالما بعداوة الشيطان الطويلة و السابقة‌ له حيث أنّ
الشيطان أبي أن يسجد مع الملائكة‌ الي آدم علیه السلام لله تبارك
و تعالي هذا اوّلا. و ثانيا أنّ آدم علیه السلام بوصفه مديرا
للاُسرة و مسؤولا عنها يجب عليه بأن يراقب حريم الاسرة‌ و لكيلا يتسرّب فيه الشيطان
و هذه هي المسؤولية‌ المعنویه الثقلية التي تقع الي عاتق مدير الاسرة‌ الخارجي اي
الرجل الي جانب مدير الاسرة الداخلي اي المرأة .

المطلب الثاني:

فلايُخرِجنكما من الجنة‌ فتشقي

المراد من «تشقي»
هنا بقرينة الآيتين التاليين عبارة‌ عن مشقّات الحياة‌ المادية؛ لأنّه كان في
الجنة‌ المعهودة‌ جميع ما تحتاج اليه الاسره من الطعام و الشراب و اللباس و السكن
متوفرا من الله بشكل مباشِر و علي هذا الأساس معني الآية‌ الشريفة‌: ‌ايها الآدم
إحذر بأن لا يُخرجكما من الجنة و ألا يوقعكما في الصعوبات و المشقات.

في الحقيقة مهمة‌ الشيطان الرئيسية‌ هي توريط
الانسان في المشقة و لا يصدر عنه الخير ابدا و بعض شياطين الانس هم ايضا كذلك و مصاحبتهم
لا تجلب للإنسان الا الضرر و الخساره. و ليس للشيطان هدف آخر سوي أن يُخرج أبناء
البشر من الجنة بجمیع مراتبها؛ سواء الجنّه الفردیه و الجنّه الاسریه و الجنّه
الاخرویه، و بأن لا يسمح لهم بأن یحضروا في هذه الدنيا في فردوس الافكار و فردوس
الاخلاق و فردوس الاعمال؛ اي أنه لا يريد أن تشيع الافكار الالهية‌ و الاخلاق
الانسانيه و القيم الاخلاقية في المجتمع. و من اهداف الشيطان الاخري هي القاء‌
الشك والشبهة‌ في هذه الدنيا و يريد من وراء‌ ذلك بأن يقوم بهدم جنة‌ الاسرة‌ و
يُسبب الطلاق و الانفكاك كما أنّه لا يريد بأن يدخل الانسان الجنة‌ الاخروية في
آلاخرة و بعد الموت.

المطلب الثالث:

إنّ لك الا تجوع فيها و لا تعري و
أنّك لا تظمأ فيها و لا تضحي

جميع النعم كانت متوفرة في جنة النبي آدمعلیه
السلام و حوّا و لمصلحه حرّمت علی هذه الاسرة‌ فاكهة خاصة‌ او شجرة‌ خاصة‌ و
اصبحت محظورة‌ بالنسبة الیهما. و بعد أن علّم الله سبحانه و تعالی آدمعلیه
السلام مسئولياته المعنوية‌ المتوجهة الیه باعتباره ربّاً لاسرة‌ حذّره من
تسرّب الشيطان.‌ و نستشفّ من وصفه تعالی لجنة‌ اسره آدم علیه السلام كأنّه
کفل له مسؤولياته المادية‌ التي تقع علي عاتقه کمديرٍ للاسرة حیث يقول:‌ لك الا
تجوع فيها و لا تعري و أنّك لا تظمأ فيها و لا تضحي. علي هذا الاساس یمکن ان نشخّص
مسؤولیات ربّ الاسره و هی توفير الطعام و الشراب المناسب و السكن و اللباس و
الرفاهية المناسبة. و باعتبار آخر انّ مثل هذه الامور المتقدّمه هی مسؤولیات رؤساء
المجمتع الكبار و یجب علیهم الاهتمام بها بأعلي المستویات حیث ان توفّرها یوفّر
الارضية لتمتّع جمیع الاسر بالنعم المادية‌ و الرفاهية‌ و الامنیه.

و لكن مع الاسف الشديد نشاهد بأنّ رؤساء المجمتع
الدولي باتوا غير قادرين علی توفير الاحتياجات الضرورية‌ لمعظم العوائل؛‌ و ما قتل
الاطفال و النساء‌ في غزّه و تشريد الشعب العِراقي و السوري و البحرينی و فُقدان
الأمن في مختلف أرجاء‌ العالم الا نموذجا من هذه الكوارث التي عَرّضت كيان الاسرة
للمخاطره. و نسأل الله تعالي بأن يجعل الجميع عارفا بواجباته الانسانيه اكثر من
قبل و يوفّق للعمل بها.‌

اللَّهُمَّ
ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ صِدْقَ النِّيَّةِ وَ
عِرْفَانَ الْحُرْمَةِ وَ أَكْرِمْنَا بِالهُدَى وَ الاسْتِقَامَةِ وَ سَدِّدْ
أَلْسِنَتَنَا بِالصَّوَابِ وَ الْحِكْمَةِ وَ امْلَأْ قُلُوبَنَا بِالْعِلْمِ وَ
الْمَعْرِفَةِ وَ طَهِّرْ بُطُونَنَا مِنَ الْحَرَامِ وَ الشُّبْهَةِ وَ اكْفُفْ
أَيْدِيَنَا عَنِ الظُّلْمِ وَ السِّرْقَةِ وَ اغْضُضْ أَبْصَارَنَا عَنِ
الْفُجُورِ وَ الْخِيَانَةِ وَ اسْدُدْ أَسْمَاعَنَا عَنِ اللَّغْوِ وَ الْغِيبَةِ
وَ تَفَضَّلْ عَلَى عُلَمَائِنَا بِالزُّهْدِ وَ النَّصِيحَةِ وَ عَلَى الْمُتَعَلِّمِينَ
بِالْجُهْدِ وَ الرَّغْبَةِ وَ عَلَى الْمُسْتَمِعِينَ بِالاتِّبَاعِ وَ
الْمَوْعِظَةِ وَ عَلَى مَرْضَى الْمُسْلِمِينَ
بِالشِّفَاءِ وَ الرَّاحَةِ وَ عَلَى مَوْتَاهُمْ بِالرَّأْفَةِ وَ الرَّحْمَةِ /

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment