بسم
الله الرحمن الرحیم

الحمد لله رب العالمین، بارئ الخلائق أجمعین ، نحمده و به
نستعین ، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شریك له ، و نشهد أنَّ محمدًا عبده و
رسوله ،  علیه و علی آله أفضل الصلاة و
السلام و علی صحبه المنتجبین. عباد الله أوصیكم و نفسي بتقوی الله ، فإنَّ خیر
الزاد التقوی.

 قد اشرنا فی
الابحاث القرآنية‌ السالفة الي اوّل اسرة‌ شُکّلت فی العالم و هي اسره النبي آدم علي
نبيّنا و آله و عليه السلام و زوجته حوّاء عليها السلام و اشرنا
الی وساوس الشیطان و دوره فی انهیار الاسره و موضوع هذا الاسبوع «السُّنَن الإلهیّة فی ضمان سعادة العائلّة» و إن شاء‌ الله تعالي أن تكون
هذه الأبحاث منطلقاً لكي نتعلّم تعاليم اُخري عن الاُسرة من مَنهل القرآن الكريم و
العتره الطاهره علیهم السلام. إنّ‌ الله تبارك و تعالي يقول
فی سورة‌ الاعراف المباركة:

« فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا
وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا . . » الآیه عشرون و في سورة
طه مأه واحد و عشرون: « فأكلا مِنها 
فَبَدَت لَهُما سَوءاتهما. . . » طه 121

المطلب الاوّل:

لقد علم اهل السماء و الملكوت بخلقه آدم و
حوا قبل خلقتهما. و بعد أن خلق الله سبحانه آدم ع أمر الجمیع أن یسجدوا لتلك
الخلقة العظیمة. و اذن بتشکیل اوّل اسره فی العالم و القی علیهم المحبه و الصفا و
أكرمهما بالمعیشة في الجنّة. فكان لآدم و حوّاء مكانة مُكرّمة عالیة عند الله
تبارك و تعالی و هذا ما جعل الشیطان یحسدهما و أراد أن یَحرُمُهُما من تلك المكانة
الرفیعة. و باشر باستهدافهما و هتک حرمتهما العائلیّة.

اراد الله الوجاهه لکل العوائل و ابی الشیطان
الا ان یهتک حرمه العائله. فعلی أفراد العوائل أن یعتبروا بذلك و خصوصًا الشباب
منهم إن كانوا قد جعلوا مرضاة الباري جلّ وعلا من أولی الأهداف في حیاتهم، لینالوا
وجاهه الدارین و یُحبطوا مکائد الشیطان و لیتأملّوا فی کل عمل و لیأخذوا ما هو
اقرب للتقوی.

المطلب الثانی: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا
مِمَّا كَانَا فِيهِ بقره 36

لایعرف قدر النعمه الا من فقدها. و قد استزل
الشیطان ابوینا و آدم و حوا لعدم علمهما بخبثه و مکائده الکبیره. فعلی العوائل
المحترمة ان تکون علی وعيٍ و تعتبر بهذه الأمور التأریخیّة المهمّة التي قد حصلت
لأبوینا آدم و حوّاء و تشکر الله علی ما اعطیها و منحها.  فقد قال صادق آل بیت محمد صلی الله علیه و آله
و سلم « شُكر النعمة إجتناب
المحارم‌ وتمام الشکر قول الرجل الحمد لله رب العالمین» و قد سئل الامام الصادق علیه السلام « هل للشكر حدّ اذا فعله العلد کان
شاکرا؟ قال نعم. قلت ما هو؟ قال علیه السلام: « یحمد
الله علی نعمه علیه فی اهل و مال و إن كان في ما انعم علیه فی ماله حقٌ ادّاه.» المصادر : اصول الكافی‌، الشیخ الكلینی‌، ج 2، باب الشكر، ح 10 و 12‌    

 والمطلب الثالث: الاقتراب
من الشبهات یوقع فی المحرمات. لقد حذّر الله تبارك و تعالی آدم و حوّاء ع منذ
البدایة و بكلّ صراحة قائلاً لهما « ولا تقربا هذه الشجرة » لكي لا یقعا في مخادع الوسواس الخنّاس و یأكلا منها. و هذا ما یشابه التحذیر
الذي یُوَجَّه للإنسان حین یُقال له لا تقرب من الحیّة إذ أنَّ ذلك فیه خطرٌ عظیم!
و لما تغافلا الامر الموجّه الیهما بالحذر و اقتربا من الشجره التی نهاهما الله
سبحانه بالاقتراب منها وقعا فی مکائد الشیطان و طَلاهما بشبهاته و اغواهما و وقعا
فی المحذور كما قال الله تعالی فی محکم کتابه: « فلما ذاقا الشجره بدت لهما سوءاتهما»

یُولی کثیر من الناس اهتماما جادّا بالامور الصحیه
و المعاشیه و یا حبّذا لو کان اهتمامهم بعدم الاقتراب من الشبهات المهلکه التی
توقعهم فی محذور الشقاء و انهیار العائله بالقَدر الذی یولونه للامور الصحیه و
المعاشیه. و قد دلّت التجارب علی انّ الذي یفكّر بالمعاصي، فانه یدنو منها و لا
یُستبعَدُ أن یقع في الحرام، و إحتمال ذلك قويٌّ جدًّا. فعلی العوائل أن لا تغفل
عن هذه التجارُب النفیسة المتقدمه و أن تتوجّه إلیها لکی تحفظ الکیان العائلیّة.

  والمطلب الرابع: « و عصی آدم
ربّه فغوی » طه 121  

الغوایه فی اللغه تعنی اضاعه الطریق و عدم الوصول
الی المقصد. المصباح . لقد اغوی الشیطان آدم عن طریق التعلّق بالمقام العالی
فطَمِح ان ینال ذلک المقام و لکنه لم یصل الی ذلک المقام بل اضاع المکان الذی کان
فیه. و لنأخذ ذلک مثلا و نوجّه حیاتنا الی ما هو احسن. فإنَّ معصیة الباري جلّ و
علا تسبِّب الخیبة للإنسان في آماله و الحرمان عن نیل رغباته الحسنة. و إنَّ
الأوامر و النواهي و التحذیرات التي وجّهها الله عزّ و جلّ إلی الإنسان ، لم تكن
إلّا لتربیة الإنسان و لصالحه و حفظه من كلّ سوء و بلاء. و من یعصي الله تبارك و
تعالی، فانه لا ینال التوفیق و الوصول إلی النجاة في الدنیا و لا في الآخرة. و خلاصه الکلام، ان غفلت
آدم و حوا عن مکائد الشیطان عرّضت اسرته الی ثلاث كوارث و هي:   

1.           
ظهور
سوءاتهم و بدت لهم القبائح و ظلّت ملازمه لهم الی الابد؛

2.           
خرجوا
من الجنّة قبل الموعد الذي كان قد وُضِع 
لهم وفقدوا نِعَم الأمن و الأمان. 

3.           
وقعوا
في عتاب المولی العزیز القدیر الذي خلقهم.

و لو ان ادم و حوا استفادا من عقلهما اکثر
لما وقعا فی الکوارث المتقدمه. جاء في روایة أنَّ الملائكة حین أرادوا أن یمنعوا
آدم و حوّاء من أكل تلك الثمرات جاءهم خطابُ محتواه « لا
تمنعوهم حیث أنَّني أَعطیتهم العقل و أبلغتهم أمر المنع بكلّ وضوح ، فیجب علیهم أن
یستفیدوا من عقلهم لتمییز الحقّ من الباطل و ینتخبوا سبیلهم.»   

كما یُروی أنَّ النبيّ عیسی بن مریم ع كان
قد إرتقی علی جبلٍ و خلا بنفسه للعبادة فتمثّل له الشیطان الرجیم و قال: إنّك توصّلت إلی مقامٍ تحیي فیه الموتی و تشافي المرضی، هل
تری أنَّ الله هو القادر المطلق علی كلّ شئ؟ فأجابه
ع قائلاً ما محتواه: « نعم إنَّ كلّ ذلك
یحصل بعون الله تعالی و مشیئته و أنا علی یقینٍ أنَّ الله هو الحافظ و القادر
المطلق علی كلِّ شئ.» فأجابه الشیطان قائلاً : إذا كنت تعلم أنَّ الله قادرٌ علی كلّ شئ فارمِ بنفسك من
هذا المرتفع لكي أری كیف یحفظك الله! فأجابه
ع قائلاً : یا ملعون أترید أن تؤدّي بيَ
إلی الإنتحار في حین أنَّ الإنتحار هو ما یغضب الله ! كما و أنَّ هذا العمل لا
یأذن به الله و قد وهبني العقل و أمرني أن أتصرّف بالعقلانیّة. كما وأنَّ الله لا
یأذن لهذا العمل و لا یلیق بي كعبده جلّ و علا أن أقوم بعملٍ و أقول أنّني أرید أن
أمتحن الخالق و لیس هذا من شأن العبد! الأكبری، قصص الأنبیاء،
ص239

نسأل الله تبارك و تعالی التوفیق لمعرفة حرمة
القوانین الإلهیّة في المحیط العائلي و أن یرحمنا جمیعًا و أن یحفظ عوائلنا بكلّ
عزمٍ و ثبات.

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment