الخطیب: مقامة مِن
قِبَل حجة الإسلام و المسلمین الترابي

الموضوع: الحیاء و العفاف،
عوامل ثبات الكیان العائليّبسم الله
الرحمن الرحیم

في قال الله تعالی
: « فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا
الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن
وَرَقِ الْجَنَّةِ . . . » الآیة الثانی و العشرون سورة الأعراف و قوله تعالی: « فَأَكَلَا
مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن
وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى. . »  سورة طه الآیة  مأه و واحد و عشرون

فی الایه الشریفه مطالب متعدّده و یمکن ملاحظه ثلاثهٌ منها فی هذه الخطبه:

المطلب الأوّل:

هو ما نراه في
قوله تعالی : « فَبَدَتْ لَهُمَا
سَوْآتُهُمَا . . » إنّنا لا نعلم
كیف بدت سوءة آدم و حوّاء لهما و لكن ما نعلمه فقط، هو أنَّ أكلهم  من ثمرة تلك الشجرة بدت لهم سوءاتهم و أصابهم
الخجل من رؤیتها و استعانوا بأوراق الإشجار لستر سوءاتهم.

هل
كان الأثر الطبیعي لتناول ثمرة تلك الشجرة هو كشف سوءاتهم أم إنّهُم إلتفتوا إلیها
من بعد أن أكلوا الثمرة؟ هنالك من یرون إحتمال أنَّ أكل ثمار تلك الشجرة الممنوعة
هو ما أثار فیهم إحیاء الغریزة و إثارة الشهوة
الجنسیّة و كان ذلك ما أدّی إلی
نموّ الأعضاء الجنسیّة في جسمهم و حینئذٍ إلتفت آدم و حوّاء إلی عوراتهم و سعوا
لتغطیتها.

و
السوأة بمعنی العیب او العورة[1]
و المقصود من تعبیر « بدت لهما » هو إلتفات كلٌّ منهما إلی عورة
الآخر أو أنَّه إلتفت كلٌّ منهم إلی عورة نفسه. و خلاصة الكلام هي أنَّ عوره آدم و
حوّاء كانت مستورة من قبل أن یأكلوا من ثمرات تلك الشجرة.

 و یمکن ملاحظه أنَّ ستر العورة هو من مصادیق
للحیاء في الأخلاق الإسلامیّة، و من وجهة النظر الفقهه الإسلاميّ حکم الزامی.

 إنَّ تعبیر « طفقا » بمعني بدئا و «الخصف» یعني خیاطة أوراق الأشجار بعضها ببعض، أي أنَّ
أدم و حوّاء بدئا إیصال الأوراق ببعضها ببعض لكي یستُرا بهما عوراتهما.  

الموضوع الثاني:

لیس العراء إلّا من مخادع الشیطان الرجیم و
الله تبارك و تعالی خلق الإنسان مستورا و جعل لهم لباسًا و أعطاهم إحساس الحیاء
لیستروا عوراتهم لحفظ انفسهم و عائلتهم. قال تعالی: « يَا
بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً
وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ
يَذَّكَّرُونَ » الآیة ستّ و عشرون من سورة الأعراف 

 إنَّ إنتشار العَراء في عصرنا هذا
هو انتشار ما هو خلافٌ للقیم الأخلاقیّة. و قد اخبرنا أخیرا بوجود مسلسل بعنوان « آدم یبحث عن حوّاء
» في بعض البرامج التلفزیونیّة في ألمانيا
فیها ما یعارض العفاف و هو خلاف القیم الأخلاقیّة و مخالفه صریحه لثقافه الانبیاء
فضلا عن الکذب الوارد فی سیرتهم، كما نری ذلك في فِلم نوح علیه السلام. و مما لا
شك فیه أنّ لو كان الأنبیاء حاضرین و یرون هذه الإفترائات القبیحة لاعترضوا علیها.

الموضوع الثالث:   

اننا نتسائل: ما الذی حفّز آدم و حوّاء لستر عوراتهما؟ هل كان إنسانٌ آخَر
هناك و یراهما؟ هل إنّهما تعلّما هذا العمل من جهة أخری؟ عند ما نتأمّل عمل آدم و
حوا فی الآیة الشریفة نستطیع أن نستنتج بأنَّ هذه التصرُّفات كانت فطریه. إذ لم
یكن في ذلك الزمان أيِّ تعالیم دینیّة أو أصول أخلاقیّة و لم تكن هنالك حضارات
كانت قد إنتشرت. إن التفسیر الوحید لهذه التصرُّفات هو أنّهم لم یشعروا بإحساسٍ حسنٍ
من جرّاء رؤیة العورات و هذا الإحساس النفسيّ و الإنفعاليّ هو ما یكون جذره في
فطرة الإنسان و هذا هو ما یوصف بـ « الحیاء » و هذه من الخصال التي تكون من خصائص الإنسان التي تمیِّزه عن الحیوانات و هی
من باب العرضی الخاص کما یعبّر اهل المنطق. روی مفضّل عن الإمام الصادق ع ما
محتواه « هو أنَّ تلك الخصلة التي أخصَّ الله بها الإنسان و تكون الحیوانات
محرومة منها هي الحیاء.» 

دلّت
التجارب ان الحیاء له دور کبیر فی ثبات الاسره و هو محور التربیه الاسری، الا أنّنا
نری بعض الإشکالات التی توجّه الیه، منها :

  الإشکال الأوّل:

قول البعض: أنَّ الحیاء هو من القیود التي لا مکان له
في الحیاة و علی الإنسان أن یتنحّی عنه.

و الجواب: أنَّ الحیاء من القیود المفیده و هو احد الوسائل
الإیجابیّة للسیطرة علی الإحساسات و الرغائب الداخلیّة في ذات الإنسان و تجعل
الإنسان یسعی أن لا یقوم بأعمال قبیحة أمام الآخرین.

 الإشکال
الثاني :

قول
البعض: أنَّ الإنسان الذي یستحي هو إنسانٌ ضعیف لا یستطیع أن یُدافع عن نفسه.

و
الجواب: یجب أن نفرّق بین العزم و الحیاء. إنَّ الإحساس الذي ینبع
من الوعي و التوجُّه إلی العیوب و النقائص التي توجد في الانسان، یمکن أن تکون
عاملاً محفِّزًا لرفع العیوب و النقائص و أن تهدي الإنسان إلی سبیل الرشاد و
التعالي. رُوی عن سلمان الفارسی
ع أنَّه ما نظر إلی عورته قطّ بسبب ما كان یتوسّم به من الحیاء. و حین یتحلّا مثل هذا القائد الاسلامی بهذه
الصفه التی لاتدلّ علی ضعفٍ بل علی انضباط تامٍ تظهر المعجزه التربویة للاسلام.

الإشکال الثالث :

قول
البعض: انّ الحیاء یجلب تستّر علی الامراض و المشاکل التي یعاني منها الإنسان و لا
یسعی لحلّ المشاکل و الأمراض.

و
الجواب: التقصیر في رفع العیوب هو أمرٌ منفصلٌ عن حریم الحیاء الإیجابيّ. إنّ
الحیاء الذي لیس في موقعه هو أمرُ غیر مرغوبٌ فیه. إنَّ الحیاء المطلوب فی الشرع هو
الحیاء الذي یبتعد عن الإفراط و التفریط.

   الإشکال
الرابع :

قول البعض: إنَّ بعض موارد الحیاء مثل
الإستحیاء عن السؤال یسبِّب تأخّر الإنسان.

و الجواب: هذا اعتقاد خاطیء ناشیء من
الإشتباه في تعیین مصادیق الحیاء ایضا. أي أنَّه لا ضرورة أن یستحي الإنسان عن
الأسئلة الشرعیّة التي تخصُّ أداء الواجبات الدینیّة و کیفیّة القیام بها.

نسأل الله تبارك و تعالی ان یمنحنا و عوائلنا الحیاء و العفه.   آمین یا ربِّ العالمین

                                                                                                        
  والسلام
علیكم و رحمة الله وبركاته 

[1] . کما عن لسان
العرب.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment