الخطیب: مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني12.09.2014بسم
الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

نتكلّم الیوم عن
خلاصة المباحث الإسلامیّة و الشرعیة و قد توصّلنا في الخُطَب الماضیة إلی أنَّ
الإسلام فیه شریعة [1]
جامعة وشاملة شُرّعَت
لكلّ عصرٍ و زمان و مكان و لكلّ الناس و أنَّ علم الفقه هو الأساس لبیان هذه
الشریعة الجامعة الشاملة لكلّ أبعاد الحیاة البشریّة.

و بالرغم من عمل
الفقهاء و هم تحت أصعب الظروف و اجتهادهم لدرک الأحكام الإلهیّة من منابع
الإستنباط و یُبیِّنوا للناس أسالیب و قوانین الشرعیة الإسلامیّة کذلک کان سعی
العلماء لدرک کل احکام الشریعة الاسلامیة.

أنَّ علم الفقه
هو علمٌ له إرتباط وثیق بالكثیر من العلوم الأخری مثل علوم الأخلاق و العرفان
العملي و التربويّ و حتّی له تأثیره المتبادل فیما بینها. و ما یلفت الأنظار هو
أنَّ الوجوب و عدم الوجوب في علم الفقه هو الطریق الذي یؤدّي بالإنسان إلی الكمال
الضروريّ طوال حیاته و لا یمكن إن یستغني الإنسان عنه، إن كان ساعیًا للتوصُّل إلی
الكمال.

إنَّ كلّ من هذه
العلوم لها دورها التكمیليّ فعلي سبیل المثال نری أنَّ الفضائل الأخلاقیّة لها
دورها في أَولویّة الإستفادة من الأحكام الفقهیّة.  فمثلاً حین یكون هنالك أُناسٌ یتوسّمون بالصدق
و الأعمال الصالحة و التعفُّف و العفو و الخضوع و الخشوع و یسعون لأداء الأعمال
العبادیّة التي هي في الشریعة، بخیر ما في وسعهم ، فیكون إحتمال قبول أعمالهم عند
ربّ العالمین أكثر من الآخرین و عكس ذلك هو أنَّ الكذب و الحقد و الكبریاء و
أمثالها هي الموانع التي تسدّ الطریق لقبول الأعمال. 

و هذه النّسَب هي التي لها دورها في تأثیر الفقه في أسالیب إكتشاف الفضائل و
الإبتعاد عن الرذائل، إذ أنَّ شروط الأعمال العبادیّة هي التي تُمَهِّد السبیل
للإنسان لكي یتوسّم بالمزید من الأخلاق الحسنة و المُثل العلیا، فعلی سبیل المثال
نری المؤمن الذي یلتزم بالصلاة، یَنتهی عن الفحشاء و المنكر و تدخل السكینة علی
قلبه و تُخفِّف عنه حتّی الهم و الغم. و كلّما توجّه الإنسان بإهتمامٍ أكثر إلی
الصلاة كلّما إزدادت في قلبه السكینة و الإطمئنان ، كما نری بیان ذلك في قوله
تعالی « و أقم الصلاة لذكري » و في آیة أخری جاء في قوله تعالی:« ألا
بذكر الله تطمئنّ القلوب».  

و أمّا ما یخصُّ
إرتباط الفقه بالعرفان العملی، فهو هكذا أیضًا ، فإنَّ العارف السالك الذي یتمعّن
بدقّة في الأعمال التي یقوم بها وفقًا للتعالیم الفقهیّة، فإنّه یتمتّع بالفقه
أكثر من الآخرین، فهو الذي یراقب و یُحاسب نفسه و یسعی للقیام حتّی بالأعمال
المستحبّة اخلاصاً للباري عزّوجلّ و یحصل علی المزید من الأجر و النتائج الحسنة و
یزداد قربًا إلیه جلّ و علا یومًا بعد یوم. إنّ الإنسان العارف یعلم أنَّ حاجته
للشریعة تدوم طوال عمره لیتوسّم بالسلوك الحسن و لا یغفل عنها لحظات. إنَّ
الإرتباط بین الفقه و التربیة واضحٌ بیِّنٌ، إذ أنَّ تأثیر الفقه في التربیة
النفسيّة و یَفتح  الإستعدادات التي تكمن
في نفس الإنسان بأحسن و أوسع و أبرز ما یمكن.

و أمّا ما یخصُّ
الحقّ و التكلیف في الشریعة الإسلامیّة ، فإنّنا نحصل علی نتیجة أنَّ التكلیف أین
ما كان، یكون حقًّا و هاتین النسبتین المتلازمتَین و کأنهنَّ وَجهَتَين لعملة
واحدة. و أمّا ما یخصّ إرتباط حقّ الناس فهو واضحٌ بیِّنٌ جدًّا ، إذ لو كان فردٌ
علیه حقٌّ للآخرین ، فتكون الأولویّة لأداء ذلك الحقّ قبل کلّ شئ، مثل حقوق الزوج
و الزوجة أو الوالدین و الأولاد أو بالعكس أو الإرتباط بین الناس و الحكومة و
هلمَّ جرّا.

و أمّا ما یخصُّ حق الله تبارك و تعالی علی الإنسان مثل
الصلاة فهي تكلیف علی عاتق الإنسان و حاشا ثمّ حاشا أن یكون نفعٌ فیها للغنيّ
العزیز الذي أعطی كلّ شئٍ خلقَه. بل أنَّ الله تبارك و تعالی یهدي العباد لطفًا و
فضلًا منه علیهم بواسطة الأنبیاء الذین أرسلهم إلیهِم لیریهُم سبل السعادة ،
فالمهمٌّ هنا هو أنَّ التكالیف الإلهیّة في الشریعة الإسلامیّة هي التي لولم تكن
متواجدة لما كان الإنسان یعرف مسیره و مصیره في الحیاة.

و من الأمور المهمّة التي یجب أن نتوجّه إلیها هي أنَّ
الحاجة إلی الشریعة تشمل كلّ المُكلَّفین طوال عمرهم و حتي أولئك الذین توصّلوا إلی
القرب الإلهيّ، لایكونون معفوّین عنها، بل و یجب علیهم أن یعملوا بدقّة أكثر فهم
كالذین إرتقوا علی درجاتٍ عالیة في السُلَّم، فأولئك هم باَمَسّ الحاجة للاحتفاض
بالتوازن إذ أنّهم إذاما إنخدعوا بالكبریاء و العُجب، فسوف یسقطون إلی أسفل
السافلین و لذلك فإنّ العلم هو الحجاب الأكبر و كذلك الأمر في ما یخصُّ العبادات،
فمن الممكن أن ینخدع الإنسان بالعُجب بالنفس الذي یؤدّي به إلی السقوط من المقام الذي
كان فیه و یخسر ما سعی به طوال عمره.

و من النقاط المهمّة الأخری فیما یخصّ الشریعة هي أنَّ علی
الإنسان أن یتوجّه إلی كلّ الأحكام الإلهیّة، لكي یستطیع أن یتوصّل إلی التحلیل
الجامع و الشامل لما یُقدِّمه و ما لا شك فیه هو أنَّ مجموعة الأحكام الإلهیّة هي
هدیً للإنسان و بیّناتٍ من الهدی و الفرقان طوال حیاته لكي لا ینحرف في مسیر
الضلال و التیاه و ما لا شك فیه هو أنَّ الذین یتخلّفون عن الحقّ ، یجب أن یدفعوا
الغرامة و هذا هو أمرٌ عاديٌّ في الأنظمة الإجتماعیّة. 

و حین نری أنَّ
البعض یرون أنَّ الشریعة الإسلامیّة تُرَوِّج الخشونة ، فإنَّ هؤلاء لا یعلمون
شیئًا عن الإسلام و أنَّ الذین یقومون بالأعمال الخشنَة بإسم الإسلام فإنَّهم إمّا
جُهّالٌ أو مغرضون و علی أيِّ حال فإنَّ الشریعة الإسلامیّة تعیِّن العقوبات للذین
ینحرفون عن القوانین السائدة و یُسبِّبون الهرج و المرج في المجتمعات و هذه
العقوبات أمورٌ جزائیّة معقولةٌ، بل إنَّها ضروريّةٌ جدًّا و ذلك لإمكان إدارة
المجتمعات البشریّة بالعدل و الإحسان.

و أمّا ما یخصّ
الشریعة الإسلامیّة و الأخلاق و العرفان العمليّ و التربیة،
فهنالك مباحث دقیقة و مُجمَلُها إنَّ علم الفقه هو ذلک العلم الذّی یعیِّن
الواجبات الفردیّة و الإجتماعیّة و الدنیویّة و الأخرویّة و تشمل كلّ المسلمین. و
فی العلوم الشرعیة إرتباطلاتٌ بین الأخلاق و المعنوِّیات و هنالك تبادل دقیق بینها
و بین العرفان و المسالک التربویّة.

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه و أن نكون
خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من
الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ
كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.                                                                                                               والسلام علیكم و رحمة الله و
بركاته

[1] . إنّ كلمة الشریعة، تُطلَق بعض الأحیان
علی كل الدین و بعض الأحیان علی جزء من الدین لبیان الحق و التكلیف و إنّنا نطرّق
هنا إلی القسم الثاني.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment