صلاة الجمعة

الخطیب: مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني17.10.2014

                                                         بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

هنالك الكثیر من البحوث التي تخصُّ معاني كلمة « الحقّ » من وجهة النظر
اللغویّة أو الإصطلاحیّة و یجب أن نتطرّق إلیها لنری ما هي؟ و لكن بما أنَّ الهدف
الأساسيّ من البحوث حول التعابیر المعنیّة ، هو الحصول علی المسائل المهمّة التي
تخصُّ حقوق الإنسان من وجهة النظر الإسلامیّة ، یدور كلامنا حول أهمّ المعاني التي
تحتویها هذه الكلمة و لذلك نترك البحوث المقدّماتیّة التي لا تحتوي علی ما یعیننا
للتوصُّل إلی النتائج المُستهدفة.    

و هذا هو ما
یتطلّب للنظر في الفروق بین التعابیر التي تخصُّ الحق و الملك، الحق و الحكم، أو
الحق و الإختصاص الأولوّيّ ، أو المالكيّ أو التقسیمات التي تخصُّ الحقّ الطبیعي و
الحقّ الوضعي في مجموع بیاناتنا و أقوالنا التي نُطبِّقها وفقًا للمُخاطَبین من
أيِّ جمعٍ و قومٍ  ما كانوا و یجب أن نكون
علی بصیرة و حذرٍ فیما نقول و نكتب. و ما لا شك فیه هو ضرورة الكلام عن هذه
المواضیع كلٌّ في مكانه بالتفصیل للتعرُّف علی كلّ زوایا البحث و  الكلام عن كلّ موضوع.

و ما یجب ذكره هنا هو أنّه لا یمكن بیان التعریف المتعارَف
المنطقيّ الذي یُبَیِّن ماهیّة هذه الكلمة التي تُستَعمَل في « علم الحقوق »،
إذ أنَّ هذه الكلمة هي من المفاهیم الإعتباریّة في المجتمع و أنَّ التعابیر التي
تُذكر من قبیل « المقررات الإجتماعیّة » هي لیست ما توضِّح المعنی المطلوب.

و في نفس الوقت یمكن الإستفادة من الألفاظ التي تُبیِّن
مفهوم أنّها التعبیر بصورة أوضح و بناءًا علی ذلك نری أنَّ بعض المتخصِّصین قد
عرّفوا هذا الإصطلاح كما یلي: « إنَّ الحقوق هي عبارة عن مجموعة القوانین و
المقرّرات الإجتماعیّة التي قد وضعها الله تبارك و تعالی ، لتنظیم الحیاة
الإجتماعیّة بالقسط والعدالة و نشرها في المجتمعات البشریّة لضمان السعادة للناس ،
فهو الذي خلق الإنسان و كلّ الكائنات.» و ما یلفت الأنظار هو أنَّ هذا التعریف فیه
التوافق مع الأمور الدینیّة أكثر من التعابیر الأخری.   

فكلّ ما نستنتجه هو أنَّ الحقوق و الأحكام الإلهیّة تتوافق
و تستند فیما بینها بكلّ تناسُب و إعتدال. و بهذا التعبیر الذي یقول أنَّ الحقوق
تعود إلی الأحكام التي تُحدِّدها أي بمعنی أنَّ الإنسان یتمتّع بحق أن یكون حُرًّا
و لایجوز له أن یحرم نفسه منها، فبهذه الأحكام الإلهیّة تتثبّت له حقوقه.

فالإنسان الذي قد تعیّنت له الحرّیّة، فیکون حفظ هذا الحقّ
واجبٌ علی عاتقه و لا یجوز له أن یفصلها من ألطافه جلّ و علا. و لذلك فكما أنَّ
الحرّیّة و الحیاة هي من حقوق الإنسان، فإنَّ هذه الحقوق هي التي تکون مدوّنة في
كتاب دین الله و أحكامه تبارك و تعالی. ففي سبیل االمثال نری أنَّ من حقوق الإنسان
هي التمتُّع بالجوّ و الفضاء السالم و لا یحقُّ له أن یحرم نفسه منها و علیه بنفس
الدرجات من الوجوب أن لا یحرم نفسه من الحقوق التي تفضّل الله تبارك و تعالی بها
علیه و عیّنها له و یجب أن یستفید منها و یتمتّع بها.  

و أمّا معنی إستناد الأحكام علی الحقوق هو أنَّ الله جلّ و
علا قد شرّع الأحكام التي فیها وجوب ما علی الإنسان أن یعمل بها و وجوب ما علیه أن
یتركها. و الحقیقة هي أنَّ الهدف من هذه الأحكام هو السیر بالإنسان إلی الكمال ،
فكما یجب علی الإنسان أن لا یحرم نفسه من تلك الحقوق ، علیه أن لا یترك هذه
الأحكام و یتنحّی عنها.     

فبناءً علی ذلك، كان
ما رأینا في الكلام عن الشریعة و القوانین الإلهیّة ، یكون جذر الأحكام الإلهیّة و
أنَّ هذه الأحكام هي التي تُعیِّن المصالح و المفاسد التي یُقابلها الإنسان في
حیاته و ذلك ما یدلُّ علی أنَّ مغزی الأحكام هي الحقوق الإلهیّة التي تفضّل الله
تعالی بها للإنسان کما جاء ذكرها في القرآن الكریم في قوله تعالی : « هُوَ الَّذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دينِ الْحَقِّ».

فما یجب أن لا ننساه هو أنَّ وجود الإنسان و صلته بالعالم
التكوینيِّ ضروريٌّ لمعرفة حقائق الأمور ، أي أنَّ الأحكام والقوانین الإلهیّة
تكون مبنیّة علی هذا الأساس و لذلك نری أنَّ مغزی كلّ هذه الأصول و القوانین
الإعتباریّة تعود إلی تلك الحقائق العینیّة. و لذلك فإنَّ الأحكام الدینیّة لیست
مجرّد قوانین عادیّة في الأنظمة الإجتماعيّة التي یمكن فسخها و تبدیلها بأيِّ نوعٍ
من التغییرات النظامیّة الأخری ، بل إنّها أساس كلّ الأنظمة لحقوق الإنسان و أنَّ
الله تبارك و تعالی هو الذي سنّ هذه القوانین لإحیاء الحقّ و إدحاض الباطل كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ يُريدُ اللَّهُ أَنْ
يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَ يَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرينَ » كما و جاء
في آیة أخری في قوله تعالی: « لِيُحِقَّ
الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ».

و ما نستنتجه من كلّ ذلك هو أنَّ تعبیر كلمة « حَقَّ » حین
یُذکر بها أهل جهنّم في قوله تعالی : «حَقَّ عَلَيْهِمُ
الْقَوْلُ» لا یكون فقط لإثبات إستحقاقهم للعذاب ، بل إنّه لإثبات
الإستحقاق لذلك العذاب الذي یشمل أولئك الذین كانوا من المتجاوزین في الدنیا و هو
ما لا یحبّونه و إنَّ الجنّة أعدّت للمتقین و أنَّ جهنّم أعدّت مصیرًا
للمُتمسِّكین بالباطل و ذلك هو الحقّ المبین و كلٌّ منهم ینال  الجزاء الذي یكون قد إستحقّه بما عمل كما جاء
بیان ذلك في قوله تعالی: « فَريقاً هَدى‏ وَ فَريقاً
حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ…» فما نستنتجه من الآیة الكریمة هو أنَّ
الذین إنحرفوا عن سبیل الحقّ ، هم الذین إنحرفوا بإرادتهم و جهلهم وعنادهم و رموا
بأنفسهم إلی المهالك و لیس ذلك ذنب الآخرین ، فكلّ ما أصابهم هو ما كسبوه بأیدیهم
و أنفسهم.

و ما نراه في الآیة المذكورة هو أنَّ الذین إنحرفوا عن سبیل
الحقّ ، هم الذین ظلموا أنفسهم و لم یكن ذلك تقصیر الآخرین فما أصابهُم لم یكن
إلّا وبال ما إرتكبوه من المخادع ظلمًا لأنفسهم. و ما نراه من الكلام الذي ذكرناه
هو أنَّ هنالك إرتباط قويّ بین الأحكام الإلهیّة و حقوق الإنسان.  

و لذلك فیجب أن نری أهمّیّة مكانة الإنسان و إرتباطه
بالعالم الوجوديّ من جهة ، و من جهة أخری إرتباطه بالمولی العزیز القدیر الذي خلقه
فسوّاه ، إذ أنَّ النظام التشریعيّ للحقّ هو مبنيٌّ علی أساس النظام التكوینيّ
للحقّ و الحقیقة هي أنَّ كلاهما منطبقین ببعضهم و نیال الأنسان لحقوقه یكون
مبنیًّا علی معرفة الأحكام الإلهیّة و إجرائها بصورة دقیقة.  

نرجو الله تبارك و تعالی أن
یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن
نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة
سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ
النِّعَم.                                                               

                                     والسلام علیكم و
رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment