صلاة الجمعة

الخطیب:مُقامة مِن قِبَل حجة الإسلام
و المسلمین إسماعیل الأنصاري

24.10.2014

                                       

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ
العالمین بارئ الخلائق أجمعین نحمده و به نستعین و نشكره علی نعمه وصلّی الله علی
سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و
اتّباع امره و نهیه.

أیتها الأخوات و الإخوة الحاضرین ، أودُّ أن أقدِّم لكم
التعازي بمناسبة وصول شهر محرّم الحرام الذي هو شهر إستشهاد سیّد الشهداء أبو عبد
الله الحسین ع و أصحابه الكرام و بما أنّنا علی عتبة شروع هذا الشهر الملیئ
بالأحزان ، فلا بأس بالكلام في خطبة هذا الیوم عن بعض الأسرار و الحِكـَم التي تكمن
في وقعة عاشوراء، و ما لا شك فیه هو أنَّ هذا المجال لا یتّسع للكلام عن كلّ الحِكـَم
في تلك المئاسي و سوف نتطرّق إلیها في الأیّام المقبلة علی منبر العزاء الحسیني أن
شاء الله تبارك و تعالی لنا التوفیق.        

إنَّ الأدیان الإلهیّة هي التي قد أسنّها الله تبارك و
تعالی لنجاة الإنسان من الجهالة و الضلالة و لیُریهُم المسیر نحو السعادة. إنَّ كلّ
الأنبیاء الذین أرسلهم الله جلّ و علا ، كانوا قد سعوا لنشر القوانین و البرامج
الإلهیّة التي هي السبیل الوحید لنیال السعادة في الحیاة الدنیا في المجتمعات
البشریّة و نجاتهم من الظلمات و لیتوجّهوا إلی الحقّ و الهدایة.

و كانت هذه الرسالة علی عاتق
الأنبیاء طوال تأریخ الإنسانیّة و هم الذین كانوا خیر أسوة للمتقین بل و للناس
أجمعین ، كما نری بیان ذلك في قوله تعالی : « لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَ‌سُولِ اللهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ . . » و هم الذین
جاؤا لنشر الصلح و السلام و المحبّة ولهدایة الناس إلی السبیل الصحیح للإعتدال في
البشریّة.      

 فحین تنتشر القوانین
الإلهیّة في المجتمعات یتنحّی عنها كلّ ظلمٍ و جور و الحقد و الحسد و الإفراط و
التفریط وفي تعبیر واحد تزول الجهالة منها و ما لا شك فیه هو أنَّ الجهل منشأ كلّ
المشاكل في المجتمعات البشریّة. و حین یسود الجهل في المجتمع فسوف تسود الظلمات في
الأجواء الإجتماعیّة و تنتشر العداوات فیها كما جاء بیان ذلك في قول الإمام عليّ
بن أبیطالب ع « الناسُ أعداءُ ما جَهَلوُا » 

 و حین إرتحل
خاتم الأنبیاء المصطفی الأمجد أبو القاسم مُحمّد ص إلی لقاء ربّه جلّ و علا أودع
رسالة الهدایة للبشریّة إلی أهل بیته الكرام. فهم الذین كانواقد إستمرّوا في إبلاغ
ما كان علی عاتقهم بأحسن و أجمل ما کان من بلاغات الإسلام في العقلانیّة ونشر
الصلح و السلام و المحبّة و الإحترام و الأخلاق الإسلامیّة السامیة الملیئة
بالمعنویّات لنشر الإعتدال  بین الناس و لحفظ
المجتمعات الإسلامیّة و البشریّة في خیر ما یكون من بعد النبيّ الأكرم ص و
لإبعاد كلّ جهلٍ و عداوة و الحقد و الإفراط و التفریط.   

إنَّ واقعة عاشوراء هي من الحوادث المهمّة في تأریخ
البشریّة ، فإنّنا نری أنَّ في یومنا هذا و من بعد مرور أكثر 1375 عامًا أنّ تلك
الحركة العظیمة حیّة لم تنتهي و لیس فقط بین الشیعة و لا أنّها فقط بین المسلمین ،
بل و إنّها حیّة حتی بین الغیر مسلمین علی وجه البسیطة ، إذ أنَّ الإمام الحسین
ع أدّی رسالته بتضحیة نفسه الكریمة مع أهله و أصحابه في سبیل الله تبارك و تعالی
و لإحیاء سنّة جدّه الرسول الأكرم ص و إبعاد الجهالة و إصلاح المجتمعات البشریّة.

 

إنَّ رسالة حركة الحسین ع كانت لإحیاء الحق و نشر
الوعي بین الناس و نجاة القیَم الإنسانیّة و إبعاد الجهالة و في تعبیر واحد كان
هدفه نشر الإسلام الحقیقي الخالي من الإفراط و التفریط و الخشونة و نشر الصلح و
الصداقة بین الناس و هي الرسالة التي جاء بها 
جدّه الرسول الأكرم المصطفی الأمجد ص و كلّ الأنبیاء و المرسلین من قبله
لیكونوا خیر أسوة للناس كما قاله هو ص « لكم فيًّ أسوة » و كما نری بیان
حكمة تضحیته في سبیل الله و لإحیاء سنِّة جدّه ص في زیارة الأربعین « بَذَلَ
مُهْجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ
الضَّلالَةِ.»

إنَّ خیر السُّبُل
للتوصُّل إلی الحِكـَم التي تكمن في نهضة أبا عبد الله الحسین ع هو التمعُّن في
ما قاله حین بدأ سفرته من المدینة المنوّرة متّجهًا إلی الكوفة و فیما جری في أرض
الكرب و البلاء و من بیاناته قوله ما محتواه أنَّ حركته هي لإحیاء الصحوة في
الأمّة الإسلامیّة و الوقوف أمام الفساد في الحكومات التي تحكم بإسم الإسلام و
إصلاح الجامعة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فإنَّه ع أراد أن یقف أمام
الظلم و الخشونة و حرص الناس علی الأمور الدنیویّة و الإفراط و التفریط و ضدّ كلّ السیّئات
التي كانت تُقام بإسم الإسلام في المجتمعات ، فتلك السیّئات كلّها لا علاقة لها
بالإسلام و هي التي فیها الإنكار و المنع  و الإبتعاد عن الأخلاق الإنسانیّة.

إنَّ في مدرسة عاشوراء
دروسٌ كثیرة بقیت لنا و ستبقی طوال العصر و الزمان ، و كلّما تعرّف الإنسان علی
الدروس التي في عاشوراء و تعمّق في التمعُّن فیها و العمل بها ، سوف تناله العزّة
و الكرامة بنسبة التعمُّق فیها.

إنَّ الإخلاص و
الحرّیّة و الرضا و التسلیم إلی الإرادة الإلهیّة و العمل بالواجبات الدینیّة و
الأخلاقیّة و التوكل علی الله تبارك و تعالی في کلّ الأمور و الأمر بالمعروف و
النهي عن المنكر و الإبتعاد عن القومیّة ، للتمسُّك بالأصول الإنسانیّة و الدروس
الأخلاقیّة التي كانت ضروریّة طوال الحیاة الإنسانیّة ، و سوف تكون حینئذٍ حیاته
في عزّة أكثر.   

إنَّ سرّ بقاء حركة
الحسین ع حركة حیّة طوال العصر والزمان هي الإخلاص في العمل بما أراد الله تبارك
و تعالی منه ع و العمل بالتكالیف الإلهیّة و الدفاع عن القیم الإنسانیّة
العُلیا. و هذه العوامل هي التي لم یتطرّق إلیها المسلمین فقط بالتمعُّن و التقدیر
، بل و حتی هنالك من العلماء الغیر مسلمین قد تمعّنوا فیها و قدّروها خیر التقدیر
و من الذین أظهروا تأثیر الحركة الحسینیّة فیهم و منهُم الفیلسوف الإنجلیزيّ ـ
توماس كارلایل ـ الذي قال : « إنَّ خیر الدروس التي نعتبر بها من وقائع كربلاء
هي أنَّ الإمام الحسین و أصحابه المكرّمین كان إیمانهم بالله تبارك و تعالی قويٌّ
لا مزحزح له.»

  و هنالك من المفكرین المشهورین في العالم قد
حلّلوا النهضة العظیمة التي قام بها الإمام الحسین ع و بیّنوا أسبابها و منهم
العالِم البریطانيّ المشهور « چارلز دیكنز » في بیانه « أنَّ لو كان
الإمام الحسین ع یستهدف الأمور الدنیویّة في تلك المعركة ، فلا أعلم لم أخذ
أخواته و أطفاله معه. فالعقل یحكم إذن أنَّه قام بتلك الضحایا في سبیل الإسلام.»    

 إنّنا نری في یومنا هذا في كلِ أنحاء العالم من
المجرمین من یقومون بأبشع الجرائم و الظلم و قتل الأبریاء بسوء الإستفادة من
الإسلام للقیام بتلك المجازر القاسیة و كلّهم أعداءٌ للحقّ و لا یستهدفون سوی
الإسائة إلی سُمعة الإسلام الذي هو دین الصلح و الصداقة و العدل و العقلانیّة ، تلك
القِیَم التي كانت نهضة الحسین ع و كلّ مساعیه وضحایاه لإحیائها.

و نحن المسلمون یجب علینا أن نُعرِّف الإسلام الحقیقيّ إلی الناس كما قام
به الإمام الحسین ع ، ذلك الإسلام الذي یُنادي لحفظ حرمة الإنسان و الإنسانیّة و
البشریّة بأجمعها و یُخالف و یستنكر كلّ خشونة و ظلمٍ وعدوان و الإفراط و التفریط
و الدعایات و الإدّعائات المسمومة التي ینشرُها المغرضین المعادین للإسلام في
وسائل الإعلام ، فیجب علینا أن نُقابلها بالتصرّفات العقلانیّة و الإعتدال
والمصالحة والمحبّة للوقوف أمامها و إقناع الناس بأنّها ظلمٌ و باطلٌ لا أساس لها.
 فیجب علینا أن نقتدي بتصرُّف الرسول الأكرم
ص و أهل بیته الكرام بالأخلاق الحسنة و العقل و الحكمة كما نری بیان ذلك في قوله
تعالی « إدفَع بالتي هِيَ أحسَن فإذا الذي بَینَكَ وَبَینهُ عَداوةٌ وَليٌّ حَمیم.»

إنَّ البعثة و یوم الغدیر و عاشوراء و المهدویّة كلّها كحلقة السلسلة
التي تسحب الإنسان المُوَحِّد إلی الحقّ و الحقیقة و المعنویّة و تَصرِفُهُ عن
الإنحراف و الإنحطاط و الإنحدار إلی أسفل السافلین.  

نسأل الله تبارك و تعالی أن یجعلنا جمیعًا من
الذین یسیرون في سبیل القرآن الكریم و أهل بیت الرسالة و أن یجعل لنا قدمَ صدقٍ في
سبیل الله تبارک و تعالی و الحقّ و من الذین یحسنون إلی الآخرین و أن یلحقنا
بالصالحین والصلاة و السلام  علی أحسن
المحسنين و خاتم المرسلین حبیب إله العالمین أبو القاسم محمّد و علی آله و صحبه
أجمعین.

والسلام علیكم و رحمة الله و
بركاته

 

.

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment