صلاة الجمعة

الخطیب: مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني28.11.2014

 

بسم الله الرحمن
الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد
لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك
لَهُ في خلقه ولا شَبيهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وَصَلّی اللهُ عَلی
سَيّدنا وَنَبيّنا مُحَمَّدٌ صَلّی اللهُ عَليهِ وَعَلی آلِهِ الطاهرين وَأصحابِهِ
المُنتَجَبين. 

عبادالله
! أُوصيكُم وَ نَفسِي بِتَقوی الله وَ إتِّباعِ أمرِهِ وَ نَهیِه.

من الأمور المهمّة التي یجب أن نتمعّن فیها بكلّ إعتناء هي مسألة أن هل یحقّ
لأيِّ شخصٍ أو أيًّ من الناس أن یُعیِّن حقوق الإنسان أو یُحَدِّدَها ؟

 إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ حقوق
الإنسان لیست ما یمكن إخضاعها  للسُّنَن و
الآداب و العادات الحضاریّة لكلّ شعبٍ علی حاله ، إذ أنَّ الحقّ لیس من ضمن الآداب
و الرسوم و السُّنَن القومیّة التي تكون من الأمور التي یجب وضعها لمحض إعتبارها، فإنَّ
هذه الأمور لا یمكن أن تكون معیارًا لكلّ البشریّة. کما و أنَّ كلّ قومٍ و شعبٍ و
قبیلةٍ تلتزم برسومها و عاداتها و دآدابها
الخاصّة بها.

 و لكن حین یكون الكلام عن حقوق
البشر، یكون المقصود من هذا التعبیر هو أنَّ كلّ إنسان في العالم أيٍّ ما كان
منشؤه و أیًّا ما کان مسکنه له حقوقه بصورة متساویة مع الآخرین و هذا هو أساس
القوانین لكلّ الأمم و لكلّ الشعوب علی حدٍّ سواء. و لذلك فإنَّ حقوق البشر لا یمكن
أن تكون مجرّد الأمور التي یمكن تمییزها أو تغییرها وفقًا للعُرفِ و العادات
القومیّة ، بل إنَّ حقوق البشر یجب أن تكون حقوقٌ محفوظة بصورة یقبلها
الجمیع. 

و أمّا من وجهة النظر الإسلامیّة ، فأنَّ كیان الأنسان و حرمته یجب أن تكون
محفوظة، فیجب أن نتمعن في فلسفة وجود الإنسان وحیاته و كرامته و كلّ الأمور
الخاصّة به، لنجعلها موضوعًا للتحلیل و التدقیق و لکي لنری ما هي رغباته و
متطلباته سواءًا إن كانت مادّیّة أو معنویّة جسمیّة أو نفسیّة ، فردیًّا إن كانت
أو إجتماعیّة أو غیرها و كلّ الأمور التي هي مشتركة بین كلّ أفراد البشریّة و التي
هي مدوّنة في نصوص حقوق البشر. 

 و لذلك فإنَّ معرفة كنه الإنسان و
أبعاد وجوده هي من أهمّ الأمور التي یجب أن تكون مدوّنة في حقوق البشر. و لو لم تكن
كلّ هذه الأمور مدوّنة فیه ، فلا شك في أنَّ المُتون المدوّنة في حقوق البشر لیست كاملة
و لا أنّها شاملة لكلّ الأمور.

إنَّ التمعُّن و التدقُّق في هذا الموضوع یطرح السؤال المهمّ الذي هو كیف یمكن
التوصُّل إلی معرفة الإنسان بکلِّ   أبعاده الوجودیّة و معرفة الأصول و الفروع في حاجاته
و رغباته و میزاته و هَلُمَّ جرّا.

هل إنَّ هنالك فردٌ أو جمعٌ مِنَ المتخصِّصین في الأمور الحقوقیّة مَن
یستطیع منهُم أن یدّعي بأنَّه قد عرف كلّ زوایا كنه وجود الإنسان في الحیاة
الإجتماعیّة وعرف المكانة الحقوقیّة اللائقة به و دوّن بناءًا علی ذلك قانون حقوق
الإنسان.

إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ هذا الموضوع أمرٌ علميٌّ علی المستوی الأكادميّ العاليٍ
جدًّا و یجب مراعاته بصورة جدّیّة و في غایة الدقّة في عصرنا هذا الذي تختلط فیه
الشعوب و الحضارات.

و بالرغم من أنَّنا كثیرًا ما نری الیوم هذه الإعلامیّات العالمیّة التي تخصُّ
حقوق الإنسان و كثیرًا ما نری فیها المتون المُدوّنة التي تخصُّ الدفاع عن حقوق
الإنسان و لكن لا تزال هنالك إمكانیّة الإنتقاد لبعض البنود منها و إظهار النظرة
العلمیّة فیما یخصّها.  

و إنّنا نسعی في مقارنة بنود حقوق الإنسان مع ما في الأحكام الدینیّة و لذلك
نستمرّ في بدایة الكلام عن كلّیّات حقوق الإنسان لنری ما فیها من بنود و نصوص. 

إنَّ ما لا شك فیه هوأنّنا في حاجة إلی « منبع » مشترك لتدوین حقوق
الإنسان. أي لو إن أردنا تدوین حقوق الإنسان بصورة صحیحة و حقیقیّة فیلتزم ذلك
تدوین قانون أساسيّ عالميّ. كما  وأنَّ ما
یخصُّ تدوین القوانین الداخلیّة لكلّ بلد ، یکون من واجبات الذین یعملون في سَنّ
القوانین الداخلیّة لبلادهم أن یستندوا علی قانون أساسيّ عالميّ واحد.

 و لذلك فإنَّ دراسة مثل هذا القانونٍ
الأساسيّ العالميٍّ یُمكن أن یكون وسیلة یستعین بها الساعین لتدوین القوانین التي
تخصُّ حقوق الإنسان. ففي سبیل المثال لو إن أردنا أن نتطرّق إلی حقوق المرأة وحقوق
العُمّال أو حقوق اللاجئین ، فیجب علینا في المرحلة الأولی أن ندرس الأصول
الأساسیّة التي فیها بیان حقوق الإنسان و خصوصًا البنود التي تتَّفق علیها كل الشعوب
في العالَم، لنقتبس منها البنود التي نرید تدوینها بندًا من بعد بند.

 فما لا شك فیه هو أنَّ الإختلافات
اللّغویّة و القومیّة و القبائلیّة أو الآداب و العادات و الرسوم الإجتماعیّة و
إختلاف الألوان و الأنساب و هَلُمَّ جرّا ، كلّ هذه العوامل لیست هي ما لا یجوز أن
نغضّ النظر عنها عند الكلام عن حقوق الإنسان ، إذ أنَّ كلّ إنسان له حقوقه و كرامته
أیًّا ما کان منشؤه أو قومیّته ، و إنَّ تلك القوانین هي التي تخصّ كلّ الناس بغضّ
النظر عن لونهم و نسلهم و قومیّتهم ، فالمعیار هو القِیَم الإنسانیّة التي تضمن
الحقوق الإنسانیِّة التي یجب علی الجمیع أن یلتزموا بها.

إنَّ الكلام عن المواطنین في أيِّ بلدٍ ما کان و مکانتِهِم عند الحکومة یمكن
أن تكون قد دُوِّنَت في كلّ دولة بالإستناد علی تلك القوانین الكلّیّة المدوّنة
فیها لبیان الأصول و الفروع التي هي حقوق و واجبات مشتركة لكلّ الناس فیما یخصُّ كرامة
الإنسان و بناءًا علی التعریف الصحیح للإنسان بكلّ دقّة. و لذلك نری في القرآن الكریم
بأنَّ أصل كرامة الإنسان هي في أساس الأصول التي فیها بیان حقوق البشر في قوله
تعالی : « إنَّ أكرَمَكم عِندَ اللهِ أتقاكم ».

كما و أنَّ الله تبارك و تعالی قد وصف الكتاب الذي أنزله هدیً للناس و
بیّناتٍ من الهدی و الفرقان ،أنَّ فیه القانون الأساسيّ لحیاة الإنسان و تعریفه و
هدایته لکلّ البشریّة بوصف أنّه هو « الكریم » کما نری التعبیر عن ذلک بأنّه هو «
القرآن الكریم » و كذلك الأمر ما یخصُّ الأنبیاء الذین أرسلهُم للدفاع عن حقوق
الإنسان و وصفهُم بالأنبیاء الكرام و الذین خاتَمَهُم هو « الرسول الأكرم
المصطفی الأمجد أبوا القاسم محمّد ص » والملائكة الذین وكلهم الله جلّ و علا
بإبلاغ رسالاته إلی الأنبیاء یصفهُم الله عزّ و جلّ بأنّهُم « كِرامًا بَرَرَة
»

و أعلی الكرام هو الله تبارک و تعلی و هو الذي یسّر المقدِّمات للدفاع عن
جوهرة روح الإنسان و سوّاه و قدّره و علّمه ما لم یعلم ، هو أكرم الأكرمین الذي هو
« رَبُّك الأكرَم الذي عَلَّمَ بالقَلَم ».

 وعسی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و العرفان و التوفیق
لطاعته و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ والإیمان به و العمل
الصالح في سبیله عزّ و جلّ.

آمین
یا ربِّ العالمین

                                                                            
                                                                والسلام علیكم و رحمة الله وبركاته 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment