بسم الله الرحمن الرحیم
الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین. عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .
الموضوع : المعارف الإسلامیّة 109 الإسلام والشریعة 3
إنَّ من أهمّ الأمور التي یجب عل كلّ مسلم أن یعرفها هي، ما هو السبب في أنَّ الإسلام أو أيٍّ من الأدیان الإلهیّة الأخری یجب أن تحتوي علی شریعة ؟ 
و في الجواب علی هذا السؤال یجب أن نقول بأن لو لم تكن هنالك شریعة في دینٍ ما ، فلا یمكن تطبیق ذلك الدین. وللمزید من التوضیح یجب أن نقول بأنَّ الناس یتواجهون طوال حیاتهم مع مختلف المسائل و المشاكل التي لها تأثیرها في مسیر الإنسان و تقدّمه نحو الرشد و الكمال ، بدایة من الأكل و الشرب و الملابس و غیرها من التصرُّفات إلی الروابط بین الأفراد مع بعضهم و الكثیر من الأمثال الأخری.
فهنالك هدفٌ و حكمة في خلقة الإنسان و تواجده علی وجه البسیطة كما نری بیان ذلك في الآیة 115 من سورة المؤمنون في قوله تعالی : « أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ »   
و بالتمعُّن في هذه الآیات نری أنّه یجب علی الجمیع أن یعلموا بأنّهم خُلِقوا للهدف المُقدّس الذي هو التقرُّب إلی الله تبارك و تعالی. و للتوصُّل إلی القرب الإلهيّ یجب أن نسیر علی السبیل الذي شرّعه هو جلّ و علا لنا ، فیجب علینا إذن أن نسیر في السبیل الذي تفضّل به علینا لكسب المعارف و العبادة و أمثالها.  
و هكذا نری أنَّ علی الإنسان أن یتّبع السبیل الذي یسیر فیه نحو هدف خلقته و لا یعینه علی ذلك غیر الله تبارك و تعالی و هو الذي أرسل الأنبیاء و الرسل لإبلاغ الرسالة الإلهیّة إلی الناس و لهدایتهم إلی سبیل الرشد و الكمال.
إنَّ ما لا شك فیه هو أنَّ الله تبارك و تعالی یعلم كلّ حاجات الإنسان حتّی بأدقٍّ من الإنسان نفسه ، إذ أنَّه هو الذي خلقه و في أحسن ما شاء صوّره و یعلم ما یكنّ و ما یعلن و من ذا الذي یستطیع أن یدّعي بأنّه یعلم كلّ حاجات نفسه بغض النظر عن حاجات غیره؟
فكلّ من أجری التحقیق عن حاجات الإنسان ، لم یكتشف سوی قسمٌ من الحاجات الوجودیّة و لم یستطع أيِّ إنسان أن یكتشف كلّ الأبعاد الوجودیّة للإنسان أبدًا ! و لذلك فإنَّ الله تبارك و تعالی هو الواحد الأحد الذي خلق الإنسان و یعلم كلّ ما یحتاجه في السرّ و العلان و هو الذي یستطیع أن یقضي حوائجه و هو الوحید الذي یستطیع أن یكشف عنه كلّ سرٍّ من أسراره. و هو الذي أرسل الرسل و الأنبیاء لهدایة الإنسان إلی الكمال و قضاء حوائجه بما هو خیرٌ لهم و لیتجنّبوا ما هو شرٌّ لهم و لإرائة مكانة الإنسان و أهمّیّة شخصیّته و إرائة سبل الرشاد في العلم و العمل و الكمال إلیهم.
 وهذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا ، إذ لو إن لم یكن للإنسان وسائل الهدی لیسیر في المسیر الصحیح في حیاته لنیال الكمال الحقیقيّ، فلا یتمكن من الوصول إلی مكانة فیها الكرامة و التقدُّم في الهدایة. فما لا شك فیه هو أن لو لم یكن هنالك الهداة الذین هم الأنبیاء الإلهیّین الذین یهدون الناس إلی سبیل الرشاد ، فسوف یتیه الناس و یبقون في الحیرة و الضلال و لیس في وسع أيِّ فردٍ أن یتوجّه إلی سبیل الرشاد لنیال الكمال المطلوب. 
فما لا شك فیه هو أنَّ الله تبارك و تعالی حكیمٌ خبیر و كلّ ما یدور بإذنه یدور بالحكمة و الرحمة و لا یترك عباده الذین خلقهم و أكرمهم ، لحالهم في حیرة ، بل إنّه جلّ و علا قد أرسل إلیهم الرسل و الأنبیاء لیهدونهم و یُنَجُّونهم من التیاه و منَّ علیهم بالحرّیّة لإنتخاب سبیل الرشاد بأنفسهم و التوجُّه إلی المسیر نحو القربة إلی المولی العزیز الرؤف و نیال الأجر الكبیر كما نری بیان ذلك في الآیة 9 من سورة الإسراء في قوله تعالی : « إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ». فالهدف من الشریعة في الدین إذن هو أنَّ الله تبارك و تعالی قد علَّم الإنسان ما لم یعلم من قوانین الرشد و التعالي في المعنویّات.
و للمزید من الإیضاح نری أنَّ الشریعة هي مجموعة من القواعد و القوانین الإلهیّة التي تُعَیِّن حقوق الإنسان و واجباته و فیها التمییز بین الخبیث و الطیِّب من الأعمال ، فبناءًا علی ذلك یتّضح للجمیع أيٌّ من الطرق هو الطریق الصحیح و كیف یستطیع الناس أن یسیروا في سبیل الرشد و الكمال . و لذلك یجب علی الإنسان أن یكون علی وعيٍ و صحوة لكی لا یتیه في مسیره و ینحرف عن الحقّ.
 إنَّ الخواجة نصر الدین الطوسي ـ الذي هو من العلماء الكبار في الإسلام ـ قال في شرح فلسفة الشریعة و ضرورة وجود القوانین الإلهیّة : لو لم تكن هنالك شریعة و واجبات ، لما تَعَرَّفَ الناس علی مصالحهم، و لذلك فإنَّ الإنسان الذي یقوم بالأعمال الحسنة و یسعی لطاعة المولی العزیز القدیر، سوف ینال السعادة و التكریم و التجلیل في هذه الدنیا و ینال الثواب و خیر الجزاء الإلهيّ العظیم كما و أنّه سوف یكون جدیرًا للمدح و التكریم حین یقوم بالأعمال الحسنة. 
كما و إنّنا نری في بیانات الكثیر من العلماء الكبار ما یخصّ فلسفة التكالیف و الشریعة بأنَّ الله تبارك و تعالی وضع التكلیف و الشریعة لكي یستفید الناس من هذه الفُرَص و یستحقّون التكریم و التعظیم عند العمل بها. و لذلك فلو إن أطاع الإنسان الأوامر الإلهیّة، فإنّه سوف ینال الأجر في الدنیا و الفوز بالجنّة في الآخرة. 
و لذلك فإنَّ نظرة كلّ العلماء و الأساتیذ و متكلِّمي المعتزلة هي أنَّ الإنسان یوفِّر لنفسه وسائل المسیر في سبیل الرشاد العلميّ و العمليّ و حین یستسلم إلی الأوامر الإلهیّة ، سوف ینال الأجر العظیم و أنَّ الله جلّ و علا سوف یوفّي له الأجر والثواب، فإنَّ الله لایخلف المیعاد و سبحانه و عالی أعلی و أزكی من أن یخلف المیعاد و العیاذ بالله و حاشا له من ذلك.
نرجوالله تبارك وتعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.       
 والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment