صلاة الجمعة

الخطیب: مُقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني05.12.2014

  بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إنَّ معرفة كنه الإنسان بصورة جامعة لمراعاته في تدوین حقوق
الإنسان ضروريٌّ جدًّا و بما أنَّه لم یكن ذلك لحدّ الآن في إمكانیّة أيِّ أحدٍ من
الناس أن یدّعي بأنَّه یعرف كلّ ذلك و بصورة جامعة ، بل إنَّ هنالك إعتراف بعدم
معرفة كلّها حتّی من قِبَل المتخصِّصین یُبیّن لنا أنّ المعرفة الكلّیّة لا یمكن
أن تكون إلّا من قِبَل بارئ الخلائق أجمعین الذّي خلق الإنسان و سوّاه. 

و لذلك فإن الآیة الكریمة التي نصُّها « وفیه ذكرُكم » تدلُّنا
للتوجّه إلی القرآن الكریم إن كنّا نودُّ كسب المزید من المعارف عن كنه الإنسان و
تكوینه و نفسه ، إذ أنَّ في القرآن الكریم كمال البیان عن الإنسان و منه نستطیع أن
نكتسب ما نرید معرفته بالإستعانة بالعلماء المتخصِّصین في علوم القرآن الكریم.

و حین نری ذكر خِلقة الإنسان في القرآن الكریم بیان « في
أحسن تقویم » فإنَّه تبارك و تعالی هو الذي قد أضاف إلی الإنسان تكریمه و
تجلیله من قِبَل الملائكة ، كما نری بیان ذلك في قوله تعالی « فإذا سوّیتُهُ و َنَفَختُ فِیهِ مِن روحي فَقَعُوا لَهُ ساجدین
» إنَّ هذه الوِجهات من التكریم و التجلیل تخصُّ الأبعاد الروحیّة
للإنسان كما وأنَّ الجسم له كرامته و شرافته فهو الذي تسكن فیه الروح في الحیاة
الدنیا.

و لذلك نری في الأصول الإسلامیّة
الكثیر من الحقوق التي تخصُّ جسم الإنسان ، فإنَّ التجاوز علی حُرمةِ جسم الإنسان
و إصابته بالجروح أو الأذیّة تجلب العقوبات علی المُتَعدّي ، كما و أنَّ هنالك
أصول و قوانین تخصُّ تربیة كِلا الطرفین أي الجسم و النفس و النتیجة هي أنَّ حقوق
البشر أمرٌ یخصُّ الله تبارك و تعالی و هو الذي یُنظِّم تدوینها عن طریق الوحي إلی
أنبیائه و رُسُلِهِ المكرَّمین ص .

فلربَّما یكون هذا الكلام ما لا یقبله
البعض ، أو أن لا یكون هذا الكلام في المجتمعات التي تتقدّم بسرعة هائلة في عصرنا
هذا لیس قابلاً للتصوُّر ، و لكن یجب أن نتمعّن فيه لنری ألیس الكلام فیه هو عن
حقوق الإنسان؟ 

فلو إن إقتضت الضرورة لتدوین القوانین
التي تحفظ حقوق البشر و حفظ كرامة الإنسان و الدفاع عنه ، أفلا یجب أن یكون معرفة
الإنسان معرفة جامعة كاملة لحكمة وجوده و الهدف من خلقته و مسیره في الحیاة و
مصیره بعد الممات.

فمن الذي یستطیع أن یدّعي بأنّه یعرف
كلّ خصائص الإنسان و أبعاده و میوله و حوائجه؟

فعلینا إذن أن نقبل أنَّ الكمال المطلق لمعرفة الإنسان و
كلّ حوائجه و میوله لا یمكن أن یدركها الإنسان بنفسه، بلارغم من أنّه یحسُّ بها. و
لذلك فإنَّ الوسیلة الوحیدة للمعرفة الجامعة و الكاملة للإنسان ، لا یمكن أن تكون
إلّا عند الله تبارك و تعالی فهو الذي خلق الإنسان و في أحسن ما شاء صوّره و ما
تناله البشریّة من المعلومات الضروریّة للإهتداء بها في حیاته ، لم تكن إلّا عن
طریق الوحي وكلام الله جلّ و علا. 

و بما أنّنا نحن المسلمین نعلم أنَّ
القرآن الكریم هو الكلام الذي أنزله الله عزّ و جلّ و هو الذي یكون أحسن الأسناد
للإستعانة به لإقتباس المتون التي نحتاجها لتدوین حقوق الإنسان و ما یجب أن نعلمه
هو أنَّ هذا البیان عن القرآن الكریم أمرٌ لا شك فیه حتی و لا لقید شعرة ، كما و
أنَّ ما یخصُّ غیر القرآن الكریم من الكتب السماویّة ، فإنّنا نعتقد بأنّها ــ إن
لم تكن قد تمَّ تحریفها أو إن أُضیفت نصوصٌ إلیها أو تكون قد حُذِفَت منها ــ
فیمكن أن تكون أیضًا مَسندًا لإقتباس الأحكام منها و الإستناد علیها لهدایة
الإنسان.

و للمزید من الإیضاح یجب أن نشیر إلی أنَّ المسائل
الإعتقادیّة و الأخلاقیّة أو الأحكام العملیّة الفردیّة و الإجتماعیّة ، لا یمكن
أن نكتفي بمعارف العلماء فیما یخصّها ، إذ أنَّ هنالك إختلافات كثیرة في فتاویهم و
لو إن كان هنالك أمرٌ لا یقبله بعض العلماء، فلا یمكن أن نرفضه ، فطال ما لم یكن
رأيٌ من آراء العلماء قد بُنيَ إستنادًا علی الوحي ، فلا یمكن قبوله منهم.

و للمزید من التوضیح یجب أن نقول أنَّ الشرح و الإستنتاج
فيما یخصُّ المسائل الإعتقادیّة و الأخلاقیّة أو الأحكام العملیّة الفردیّة أو
الإجتماعیّة لا یمكن أن یُكتفیَ فیها بالإستناد علی ما یقوله العلماء ، إذ أنَّ
هنالك إختلافات كثیرة بین آرائهم و فتاویهم و إن كانت هنالك أمور لا یقبلها
العلماء ، فلا یمكن أن نراها مرفوضة و غیر مقبولة ، و بناءًا علی ذلك فإن كان
إستناد العلماء لم یكن مبنیًّا علی متون الوحي ، فلا یمكن قبولها.

و لربّما تكون عندهم آراء حسنة و لكن لو لم یكونوا مستندین
بها علی الوحي و ملتزمین به ، فلا یكون رأیُهُم جامعًا مرتبطًا و لا یمكن أن یكون
مصدرًا للإستناد علیه في إقتباس بنود القوانین في حقوق البشر منها ، حتی و لو كان
كلامُهُم یلفت الأنظار و الآراء و یَقبَلُه الكثیر من الناس و لهذا نری في القرآن
الكریم خطابه جلّ و علا إلی رسوله الكریم ص في قوله تعالی : « وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ
تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ »

فإن كان العقل لوحده وسیلة الحصول علی العلم و الحكمة و لكن
لم یكن فیه الإیمان بالله عزّ و جلّ ، فلا یمكن الإعتماد علیه و لذلك فإنَّ معرفة
حقوق الإنسان مسألة مهمّة جدًّا یجب الإستناد فیها علی منابع « الوحي » لیهتدي
الإنسان بالعلوم الإلهیّة و لكي یتعرّف علی حكمة وجوده و أن لا ینحرف بالأصول و
الفروع ، إذ أنَّ عدم توجُّه الإنسان إلی موقعیّته الحقیقیّة تؤدّي به إلی عدم
الحصول علی القضاوة الصحیحة عن وجوده. 

وعسی أن یمُنَّ علینا
جمیعًا بالهدی و العرفان و التوفیق لطاعته و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم
ملیئٌ بالحبّ والإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ و جلّ.

 

آمین یا ربّ العالمین    

 والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment