صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني02.01.2015

 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إنَّ ما تبیّن لنا في
الخطب الماضیة هو أنّه لو إن كان مصدر أيِّ قانونٍ من الوحي، فستكون فیه السكینة و
الإطمئنان و ذلك بضمان حقوق الناس
بأجمعهم، إذ أنَّه حین یكون العلم الإلهيّ هو المَسند لتدوین حقوق الإنسان، فسوف
تشمل هذه القوانین كلّ الأبعاد و الإمكانیّات و الإستعدادات التي في فطرة الإنسان.

إنَّ الله تبارك وتعالی
هو الذي خلق كلّ الموجودات في الكون و من جملة مخلوقاته هو الإنسان و هذا هو
الدلیل علی أنَّ «جمیع الحقوق التي تخصّه» هي التي
تفضّل الله تبارك و تعالی بها علی الإنسان.

و لایتواجد أيِّ حقٍّ
من قبل أن یأخذ الإنسان حقّ الباري جلّ و علا بنظر الإعتبار ،فإنَّ حقّه هو منشأ و
مبدأ كلّ الحقوق لعباده عزّوجلّ، كمانری بیان ذلك في قول أمیرالمؤمنین ع : «ثُمَ‏ جَعَلَ‏ سُبْحَانَهُ‏ مِنْ‏ حُقُوقِهِ‏ حُقُوقاً
افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي
وُجُوهِهَا وَ يُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَ لايُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا
بِبَعْضٍ» وهكذا نری أنَّ الله تبارك وتعالی جعل لكلّ شیئٍ قدرا و هذا هو الأمر الذي
یجب علی
الإنسان
أن یعرفه بصحّة و درایة لكي یستطیع أن یؤدّیه بخیر ما في وسعه.

فمن بعد أن إتّضح لنا
هذا الأمر المهمّ ، یكون التوجّه إلی معرفة أن لو إن أراد المتخصِّص في الأمور
الحقوقیّة تدوین القوانین التي تخصّها ، فیجب علیه أن یعرف المصادر الحقوقیّة بكلّ
دقّة و صحّة ، لیقتبس من تلك المنابع الخصائص الحقوقیّة الصحیحة لكي یستطیع أن
یدوِّن « البنود و الموادّ الحقوقیّة العادلة »
بالإستناد علیها.

فنری في سبیل المثال لو
إن أراد أحدٌ أن یعیِّن الحقوق العائلیّة أوالحقوق المتبادَلة بین الزوج و الزوجة
أو حقوق الأطفال، فیجب علیه أوّلاً أن یتمعّن في أصول حقوق البشر و مبانيها مثل
أساس الحرّیّة و ما فیها من الإختیارات للإنسان ، لیستند علیها و علی النظرات
العالمیّة للمتخصِّصین في الأمور الحقوقیِّة. 

فما لاشك فیه هو أنَّ
الذین كانوا ساعين للحصول علی المنابع لحقوق الإنسان في زمان الرسول الأكرم ص أو الأئمّة المعصومین ع ما كانوا لیتقابلوا مع أيّة مشاكل ، و لكن في عصرنا هذا
حین لا إمكانیّة لنا للتوصُّل إلیهم فیجب أن نستند علی مصادر «الوحي» فهي المعیار لنا في زماننا.

فیجب علی الساعي
لإستنباط الأحكام في هذا الحقل أن یستند علی الكتاب السماويّ و السنّة النبویّة و
العقل للحصول علی البنود الحقوقیّة المدوّنة في هذه المصادر التي لها دورها
الأساسيّ في هذا المجال و لكن یجب أن نعلم بأنَّ الإنسان الذي هو لیس من
المعصومین ع لایكون مَصُونًا من الوقوع في خطأٍ أو إشتباه. و لكن كلّ ما تعمّق
الإنسان في السعي لإدراك حقائق الأمور، إزداد في
النجاح للحصول علی معرفته للحقّ بصورة صحیحة،
كمانری بیان ذلك في قول الإمام عليّ­ بن ­أبیطالب ع : «وَلا
يُدْرَكُ‏ الْحَقُّ‏ إِلَّا بِالْجِدِّ» . فما لا شك فیه هو أنَّ الإنسان
الذي یكون ذو نفسیّة سلیمة و لا یهمّه إلّا الإصلاح في الأمور الإجتماعیّة و إیصال
الناس إلی الكرامة النفسیّة و أن لا تصیبهم إساءة لمكانتهم الإنسانیّة و یسعی بكلّ
جدٍّ و جهد لإستنتاج البنود التي تضمن حقوق الإنسان بالإستعانة و الإستناد علی «الوحي» و «العقل».   

إنَّ الأهداف من الحقوق
في الإسلام بصورة عامّة، هي ضمان القیام بالأمور التي یجب العمل بها و التجنُّب عن الأمور
التي یجب تركها، إذ لو أنَّ أمورٌ مثل المحبّة والإحسان والصداقة والإیثار التي هي
من جملة الأهداف الحقوقیّة، لاتكون متواجدة في المجتمعات، فسوف لایتمّ الإلتزام بالأمور
الحقوقیّة
في المجتمع و
هذا الأمر هو من المُعضَلات التي یُعاني منها الناس في عصرنا هذا.

إنّنا نری في الكثیر من
الأمور التي تخصُّ حقوق الإنسان ، مثل حقّ الأطفال و حقوق النساء و حقّ الأم و
الأب و حق حرّیّة الفرد أِّیًّا ما كان
منشؤه و نسله و غیرها من الحریّات تكون قد وُضِعَت لها قوانین جیِّدة و لكن لیس
لها ضمانات متناسبة في الإجراء و العمل بها.

و لذلك یجب الإلتزام
بكلّ الأصول الأخلاقیّة التي هي خیر ضمانٍ لمراعاة حقوق كلّ فردٍ من أفراد المجتمع.
و بالرغم من أنَّ العقوبات علی الذین لا یلتزمون بالقوانین الحقوقیّة ضروریّة لحفظ
حقوق الإنسان في المجتمعات و لكنَّ تأثیرها یكون محدودٌ أیضًا لحدٍّ ما ، و لذلك
فإنّها لیست كافیة للتوصُّل إلی هذا الأمر المهمّ ، بل یجب علاوة علی ذلك أن تسود
التربیة الأخلاقیّة بأحسن و أوسع ما یمكن في المجتمعات و حینئذٍ سوف ینال كلّ
إنسان حقوقه بصورة جیِّدة و هذا ما یجب إحیاءه في كلِّ مجتمع و هكذا نری أنَّ
الأخلاق الحسنة لها تأثیرها المهمّ الذي لا بدیل له في نشر الأمن و الأمان في
المجتمعات. 

نسأل الله تبارك و تعالی
أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی والعرفان والأخلاق الحسنة ومراعاة حقوق الآخرین
أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته والتوجّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ
له و لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّوجلّ.

والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment