صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني23.01.2015

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إنَّ ما نراه الیوم هو
أنَّ الكثیر من العلماء یتكلّمون عن الإنسانیّة والأخلاق و المعنویّات و یؤكدون
علی الإلتزام بها. كما و أنَّ هنالك الكثیر من القوانین التي تخصُّ الإنسان و حقوق
المواطنین في البلاد التي یعیشون فیها و الكثییر من الأمور الأخری. و منها ما نراه
في الإعلامیّة العالمیّة التي تخصُّ حقوق الإنسان و الأنظمة العدیدة التي تخصُّ
مختلف المواضیع و منها ما یُبَیّن حقوق المرأة و الأطفال و محیط  الحیاة و منع تولید أسلحة القتل الجماعي أو
الأسلحة الذرّیّة و غیرها. 

و كلّ هذه القوانین تكون قد صُوِّبَت لحفظ حیاة الإنسان في
أمنٍ و أمان و الإطمئنان لکي یذوق الجمیع طعم المحبّة و الصداقة و الصلح و السلام
و التعایُش السلميّ مع الآخَرین لیتمتّعوا بالحیاة الهنیئة مع الآخرین بالرغم من
إختلاف الثقافات التي یکونون قد نشأوا فیها.

و لكن و للأسف الشدید نری في العصر الحاضر أنَّ
الكثیر من الناس یموتون من جرّاء الجوع و الفقر و أنَّ الكثیر من الناس في العالم
یعیشون تحت حدّ الفقر و لا یستطیعون أن یُدیروا أمور حیاتهم. و كلّ ذلك بالرغم من
أنّنا كثیرًا ما نری إعلام نشر العدالة و العقلانیّة و المعنویّة ، و لكنَّ
الثروات و القدرات لم تكون متوزّعة بصورة عادلة متوازنة بین الناس. و من جهة أخری
نری إنتشار إجراء الظلم و العدوان تحت مختلف العناوین و سَحقِ كلّ الأصول الإنسانیّة و مكانة
الكرامة الإنسانیّة تحت الأقدام.   

و هذه الحقائق المُرّة في الحیاة الإنسانیّة هي التي یذكرها
العلماء من مختلف الأدیان و التابعین لها . و بالرغم من إنعقاد الكثیر من
المؤتمرات في مختلف أنحاء العالم للحصول علی حلول المشاكل الإجتماعیّة و منع
العوامل التي تُوَلِّدها و تقدیم الحلول و الأسالیب المناسبة لرفعها و حلِّها ، و
لكن و للأسف الشدید نری أنَّ إستیلاء حاكمیّة 
ذوي الأموال و الجبّارین و المُزَوِّرین للحقائق تتغلّب یومًا بعد یوم و
لذلک فیجب إیجاد الحلّ المناسب لنجاة البشریّة من هذه المساوئ ، إذ أنَّ
الإنسانیّة في حاجّة
أمسُّ و
أشد إلی الأمن
و الأمان و الطمأنینة في عصرنا هذا إذ أنَّ الأخطار التي تُهَدِّد الأمن الإجتماعيّ تتزاید أیضًا بإستمرار.   

و لذلك فإنَّ الحاجة الماسّة إلی الأخلاق و المعنویّات في
یومنا هذا أكثر بكثیر. و هذا ما یكون قد حفّز العلماء الإجتماعیّین مثل «
هانس كونگ » الذي قد طَرَحَ فكرة « الأخلاق العالمیّة » و هو الذي یری
أنَّ المجتمعات البشریّة تتواجه مع المشاكل العدیدة بسبب الفقر و الظلم و عدم
توزیع القدرات و الثروات بصورة متوازنة متعادلة بین الناس ، فبالرغم من تواجُد
القوانین المتوفِّرة التي تخصُّ تنظیم حقوق الإنسان في كلّ بلدٍ من البلدان ، تكون
المشاكل الجدِّیَّة هي في تنفیذها و إجرائها.

و لذلك یكون الحلّ في التقارُب بین الشعوب و بین الناس فقط
بحفظ الإحترام لكلّ الفروق بین الحضارات و الرسوم الإجتماعیّة و ذلك لإصلاح
النظرات المتقابلة بین الناس و إصلاح العلاقات بین المتعلقین بمختلف الأدیان و
الإحترام المتقابل فیما بینهم. كما و تبیان أن لا یجوز هتك حرمة المنتمین إلی
الأدیان الأخری ولا أن یجوز إهانتهم أو هتك حرمتهم أبدًا. فیجب إحترام كلّ إنسان
أیًّا ما كانت عقیدته و دینه کما و یجب إیجاد التناسُب و التوافق بین السیاسة و
الأخلاق و الدعوة و تحفیز الرجال السیایّین و الحكام إلی الإلتزام بالأخلاق
الإنسانیّة الحسنة.    

كما و إنّه یؤكد علی المُثُل العلیا و الأصول الأخلاقیّة
مثل : أنَّ النظام العالميّ الجدید یمكن أن یتحقّق فقط عند إلتزام الأغلبیّة
بالأخلاق الحسنة و العامل الآخَر هو أنَّ علی كلّ إنسان أن یلتزم بالسلوك
الإنسانیّة الحسنة و لذلک فیجب أن یبقی الأمل في الحیاة في كرامة و أنَّ علی كلِّ
إنسان أن یتصرّف مع الآخَرین وفقًا للأصول الإنسانیّة كما و یجب أن یتمتّع
الجمیع بالأمل في حیاةٍ فیها الكرامة و أن یلتزمون بها و هي الأسس الأخلاقیّة التي
نراها في قول أمیر المؤمنین ع : « اجْعَلْ‏ نَفْسَكَ‏ مِيزَاناً
فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ غَيْرِكَ فَأَحْبِبْ لِغَيْرِكَ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ
وَ اكْرَهْ لَهُ مَا تَكْرَهُ لَهَا وَ لَا تَظْلِمْ كَمَا لَا تُحِبُّ أَنْ
تُظْلَمَ وَ أَحْسِنْ كَمَا تُحِبُّ أَنْ يُحْسَنَ إِلَيْكَ وَ اسْتَقْبِحْ مِنْ
نَفْسِكَ مَا تَسْتَقْبِحُهُ مِنْ غَيْرِكَ وَ ارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا
تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ» 

كما و أنَّ من جملة هذه الأصول هو الإلتزام بالتنحّي عن
الخشونة و حفظ الإحترام للحیاة، إذ أنَّ هذا الأساس هو من أهمّ البنود التي فیها
تعیین حقّ الكرامة الذي هو من أهمّها و هو حقّ كلّ إنسان و یجب أن لا یتجاوز أيِّ
إنسان علی حقوق الآخرین و خصوصًا ما یخصُّ حقّ الحیاة، فلا یجوز لأيِّ إنسان أن
یتعدّی علی الآخرین و یسلب منهم حقّهُم في الحیاة. فلذلک یجب علی کل ّإنسان أن یسعی
لحلّ ما یحصل من نزاع و شجار بین الآخرین بالعدل و من دون أیّة خشونة.

إنَّنا قلیلًا ما نری التمسُّك بالأصول النظامیّة بین الناس
ولذلك فعلی الذین بیدهم السلطة و السیاسیّین یجب أن یعملوا بکلّ ما في وسعهم في
نطاق العدل و یتمسّكوا بالحلول السلمیّة بعزمٍ و حكمة وثبات، و یجب علی الوالدین
أن یُرَبُّوا الأطفال بالأسالیب السلمیّة والتجنُّب عن الخشونة إذ انَّها لیست
وسیلة لحلّ الخلافات ، كما و یجب علیهم أن یُعلِّموهم  بأنَّ حفظ محیط الحیاة و الطبیعة هي من أهمّ
الأمور التي یجب أن یسعوا للإلتزام بها
بكلّ جدٍّ و جهد.

فیجب
أن یستطیع الجمیع نیال التمتّع بصورة متساویة للإستفادة من منابع الأرض و المیاه و
الهواء و التراب والطبیعیّة و أن یقدموا المعونات للآخرین من أمثالهم و أن لا
یُمیِّزوا بین الأفراد بسبب منشأهم و نسلهم و لونهم و دینهم كما و یجب أن یراعوا
حقوق الأقلّیّات في المجتمعات الإنسانیّة. و كذلك الأمر فیما یخصُّ الأصول
الإخلاقیّة العالمیّة ، فمنها هو التمسُّك بالحضارة المشتركة بین الجمیع لتحقیق
نظام العدل و الإقتصاد و الإلتزام بالحیاة الملیئة بالصدق في القول و العمل الصالح
و تساوي الجمیع فیما یخصُّ الحقوق الإنسانیّة نساءًا إن
كانوا أو رجالاً کبارهم و صغارهم.

و
لتحقیق هذه الأهداف یجب إحیاء الضمائر لتكون
في صحوة و لكي یعلم الجمیع بأنَّ شأن الإنسان و منزلته مهمّة جدًّا ، كما و یجب إحیاء الإحساس بوجوب قبول المسؤلیّة من
قِبَل الناس بأجمعهم و كلٌّ علی
سعة إستطاعته. كما و یجب إحیاء
التهیُّؤ للإیثار و الإنصراف عن الأنانیّة و التوافق و التئاخي
مع الآخرین بین الناس و هذه
المسؤلیّات یجب أن تتَّضح للجمیع لکي تنتشر بینهم.

و
هكذا یتِضح لنا أنَّ العلاقة بین
الأخلاق و أداء حقوق الناس لها أهمّیّة خاصّة و لذلك بعث الله تبارك و تعالی الأنبیاء
لیُبَلِّغوا الناس و یُعلِّموهم الأخلاق الحسنة و كانوا هم المُصلِحین للمجتمعات
الإنسانیّة و لینشروا المكارم و المحاسن الأخلاقیّة بینهم ، لكي تتوسّع المجتمعات
و تنتشر فیها الأخلاق الحسنة كما نری بیان ذلك في قول سیّد الأخلاق و خاتم
الأنبیاء و المرسلین في قوله ص « بُعِثْتُ‏
لِأُتَمِّمَ‏ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ » و لذلك فإنَّ التوسُّم بكلّ هذه
الأمور الأخلاقیّة الحسنة تجعل الإنسان یحیی الحیاة في كرامة و شهامة و هذا هو من
أهمّ الأهداف في الحیاة الإنسانیّة و أهمّ هذه التعالیم تكمن في الأصول الدینیّة
التي جاء بها رسول الرحمة و الكرامة المصطفی الأمجد أبوا القاسم محمّد ص كما
أبلغ ذلك للناس حین قال «إنَّما بُعِثتُ مُعَلِّماً» و هكذا نری أنَّه ص جاء لیُعَلِّم الناس ویریهم كیف یعیشوا متوسِّمین بالأخلاق الحسنة و في أمنٍ و رغد.     

إنَّ
تعلیم الكتاب و الحكمة و التربیة الحسنة یجب أن تُنشَر بین الناس و كذلك الأمر في
معرفة العلائم الإلهیّة في حیاةٍ سالمةٍ هي من أهمّ البلاغات التي جاء بها
الأنبیاء و المرسلین ص كما نری بیان ذلك في قوله تعالی«هُوَ الَّذي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ
يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ
الْحِكْمَةَ وَ إِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفي‏ ضَلالٍ مُبين».    

إنَّنا
نری في بعض الآیات في القرآن الكریم أنَّ التعلیم أولی من التربیة و في آیاتٍ أخری
نری التزكیة أولی من التعلیم. و الدلیل علی أولویّة التزكیة علی التعلیم هو أنَّ
تطهیر النفس أولی من كلّ المساعي ، و لكن حین یصل الإنسان إلی هذه المرحلة و یكون
في حاجة إلی التعلیم لیری سبیل الرشاد في الحیاة تكون أولویّة العلم و المعارف
أولی علی التربیة، إذ أنّها هي التي تكون من أولی السلوك العملیّة. ففي سبیل
المثال و المزید من التوضیح نری ترتیب
مكانة الوضو و مكانة الصلاة ، فبما أنَّ مكانة الصلاة أولی
من الوضو و لكن بما أنَّ الوضو من مقدّمات الصلاة ، فتكون مقدّمة الواجب أیضًا من
الواجبات.

و
خلاصة الكلام هو أنَّ
الأخلاق لها دورها الأساسيّ المهمّ في تطبیق حقوق الإنسان و لذلك فإنَّ الأخلاق هي
الأساس الذي یكون بنیان الحقوق مبنیًّا علیه ، إذ أنَّ الأخلاق تكون نتیجة التمرین
في القیام بالتصرُّفات الحسنة الصحیحة التي مبنیّة علی الأصول و القیَم الإنسانیّة
و لذلك فإنَّ الناس یسعون كلُّهُم لمراعاة حقوق الآخرین من بعد أن یكونوا قد
توسَّموا بالأخلاق الحسنة. 

نسأل الله تبارك و تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و
العرفان و الأخلاق الحسنة و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته
و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین والتعمُّق
في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ و جلّ.                                                                          

        والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment