صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني30.01.2015

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام تكون كلّها مبنیّة علی أسُسٍ
لها دلائلها و أصولها. و إنَّ هذه الأصول هي التي یجب أن یجري الكلام عنها
بالتفصیل و ذلك في المجال المناسب لها و خصوصًا ما یخصُّ الأصول التي تسمّی
بالأصول الموضوعة و لكن لنری في ذكرٍ مختصرٍ عنها لكي یتبیّن لنا الإرتباطات بینها
بصورة أوضح.

الأصول الموضوعة لبیان حقوق البشر من وجهة النظر
الإسلامیّة:

أ. الخلقة، نظامٌ فیها المعانی الملیئة بالحكمة :

إنَّ إحدی هذه الأصول الموضوعة التي تستند علیها حقوق
الإنسان من وجهة النظر الإسلامیّة هي أنَّ الكائنات و الإنسان قد خُلِقَوا في نظام
توحیدي فیه كمال المعنی و الحكمة و ما من شیئٍ قد خُلِقَ عبثًا و من دون حكمة ،
كما نری بیان ذلك في الآیة الكریمة في قوله تعالی : « وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما
إِلاَّ بِالْحَقِّ . » و الدلیل علی تمتُّع الإنسان بمكانته
الخاصّة به في خلقة الكائنات هو ما نراه في قوله تعالی : « أفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ
إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ »

و الدلیل علی
أنَّ كلّ المخلوقات لها الهدف الخاصّ بها ، هو أنَّ خالقها هو الخالق البارئ
المصوِّر العلیم الحكیم جلّ و علا  و هو
الذي خلق كلّ شیئ علی أساس الحكمة. و لذلك فإنَّ كلّ موجودٍ و مخلوقٍ یكون في
أحسنِ نظامٍ ، أي أنَّ كلّ موجودٍ یكون قد خُلِقَ بأحسن ما یكون في علم الخالق
العالي المتعال و ما فیه کلّ الخیر لخلقته. و ما نراه في إمكانیّة الإنسان للعمل
بما یبتغي هو عكس ذلك ، فإنَّه یبدأ صُنعَ ما یریده ، ثمَّ یری فیه النواقص و یسعی
لتحسینها في مرحلة بعد أخری و لكنّ الله تبارك و تعالی لا یمكن و لا یجوز قیاس
قدرته و عظمته بالإنسان و إمكانیّاته و قابلیّاته ، فإنَّه تبارك و تعالی یخلق ما
یشاء في أحسن ما یمكن أن یكون و بمجرّد « أن یقول
له کن فیکون »

ب. تدبیر الخلقة علی أساس
التربیة الإلهیّة:

و
من جملة الأمور التي نراها تحت عنوان « الأصل الموضوعي » هي أنَّ النظام الكونيّ
یُدیرُهُ الله تبارك و تعالی بمجرّد إرادته و مشیئته و أنّه هو الخالق البارئ
المصوِّر الذي یدبّر الأمور و یُدیرها بالحكمة و الرحمة و لذلك فإنّه جلّ و علا هو
الربّ العظیم الذي خلق الكون و الكائنات بالحكمة و لا تعزب عنه صغیرة و
لا كبیرة و ما من شیئٍ إلّا في علمه و تحت سیطرته. و في النتیجة نری أنَّ الله
تبارك و تعالی هو الذي خلق الإنسان « و في أحسن ما
شاء صوّره » و في النتیجة یجب علی الإنسان الذي هو من أفضل
المخلوقات، أن یعلم بأنَّ علیه أن یعبد الله تبارك و تعالی  في حیاته بأحسن ما في وسعه.

و
ما لا شك فیه هو أنَّ النظام التوحیديّ یقتضي و یحكم بأنَّ كلّ الموجودات و منها
الإنسان في حاجة مطلقة  فیما یخصُّ بقاءها
و یعود إستمرار تواجدها إلی الله تبارك وتعالی ، إذ أنَّ كلّ الموجودات هي ما
خلقها هو جلَّ و علا و منها الناس الذین هم العباد و كلّهم في حاجة لا بدیل لها
إلی رحمته و عطایاه و لا یمكن أن یخرجوا من العبودیّة التكوینیّة للمولی العزیز
القدیر.

و
النتیجة من هاذین الأساسین هو أنَّ القواعد و الضوابط التكوینیّة التي تخصُّ كلِ
موجودٍ في الكون ، هو ما خلقه الله العزیز القدیر جلّ و علا بناءً علی الحكمة
العمیقة و العزم والثبات. و ما لا شك فیه هو أن لو إنّنا لم نكتشف الحكمة في بعض
الموجودات ، فلا یعني ذلك بأنّها خالیة من الحكمة ، بل إنَّ كلّ موجودٍ له حكمته و
مكانته و هدفه ؛ و الهدف من كلّ موجود هو أداء واجباته بكلّ ما فیه من وسعٍة
الإمكانیّات و لكلّ موجودٍ تعرِفَتَهُ الخاصّة به. فكلّ موجودٍ إذن یستمرُّ في
مسیره نحو الكمال. و أمّا الإنسان فله مكانته الخاصّة به و لذلك فإنَّ كماله في
غاية  الدرجات العلیا في الوجود.    

ج. تركیب
الإنسان من الجسم و الروح:

و
الأساس الأخَر الذي هو ثابتٌ لا شك فیه ، هو أنَّ الإنسان لیس مجرّد موجودٌ مادّي
فقط ، بل إنَّ للإنسان علاوة علی الجسم الروح و النفس و هي التي بدورها تجعله في
مكانته الخاصّة ، بل إنّها هي العطاء الأبديّ الذي أعطاها الله تبارك و تعالی
للإنسان. فبناءً علی ذلك لیس الإنسان مجرّد موجودٌ مادّيٌّ مستمرٌّ في مسیر التغییرات
المادّیّة ، إذ أنَّ الأبعاد المحدودة و المتناهیة هي ما تزول ، لكنّ ما جعل
الإنسان هو مخلوقٌ له سمة الخلد هي الروح و النفس و لذلك نری في بیانات الجزاء لما
یعمله الإنسان هي التي منها في الدنیا و منها ما هو في الآخرة ، فللإنسان إذن
واجبات خاصّة علی عاتقه وهنالك قوانین خاصّة لتنظیم حیاة الإنسان تُبَیِّن له
واجباته في الحیاة الدنیا بالتفصیل.

و
نری الإستدلال لهذه الحقائق في موضوع « المعارف
المعادیّة » بكلّ عُمقٍ و دقّة و فیها بیان أنَّ كل إنسان یكون في
یوم الحساب رهینة عقائده و أخلاقه و أفكاره و أعماله التي قام بها في الحیاة
الدنیا.

د. كرامة
الإنسان:

و
نری من مجموعة ما ذكرناه لحدّ الآن هي أنَّ کرامة الإنسان موضوعٌ أساسيٌّ مهمٌّ
جدًّا و فیه الأُسُس التي تكون حقوق الإنسان وكرامته مبنیّة علیها. إنَّ الإنسان
له حرمته و كرامته العظیمة و یجب معرفتها بصورة صحیحة و علینا أن نؤكّد علی حقوق
الإنسان في كلّ الأمور، إذ أنَّ الغفلة عن هذا الأمر المهمّ یؤدّي إلی حرمان
الإنسان من نیال حقوقه الكاملة و الجامعة و هذا ما تفضّل بها الخالق جلّ وعلا في
خِلقة الإنسان كما نری بیان ذلك في قوله تعالی : « وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني‏ آدَمَ . . . »

إنَّ
هذه الكرامة الثمینة ودیعة في روحیّة الإنسان و نفسه و یجب أن یعلم الإنسان كیف
یتصرّف بها بنظرة علمیّة کما و یجب مراعاتها في تدوین حقوق الإنسان ، إذ لو إن قبل
الجمیع بأنَّ الأنسان قد خُلِقَ من جوهرة ثمینة یتمتّع بها ، فیجب علیه أن یعلم
بأنَّ لکلّ إنسان حقوقه و کرامته من قِبَل التمتُّع بالأمن و السکینة و الهدوء و …
.

و
کلّ هذه الحقوق الأساسیّة یجب بیانها و تدوینها لتتطابق مع حقوقه و کرامته و علی
الجمیع أن یعلموا بأنَّ الله تبارک و تعالی تفضّل بهذه الکرامة العظیمة علی
الإنسان و لذلک یجب أن یتمّ إحترامها و حفظها للجمیع.     

و
لذلک حین تمّت خلقة الإنسان و نال تمتّعه بهذه الکرامة ، أمر الله سبحانه و
تعالی الملائکة أن یسجدوا لعظمته و خلقه للإنسان و سجدوا جمیعًا إلّا إبلیس تکبّر
و لم یطع الله عزّ و جلّ و خاطبه الله جلّ و علا حینئذٍ و « قالَ يا إِبْليسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالينَ . . » و من
بعد تلک المعصیة طرده الباري جلّ و علا من المکانة العظیمة التي کان فیها حین
تکبّر إبلیس و لم یطع المولی العزیز القدیر و أبعده طوال ما یتواجد الإنسان علی
قید الحیاة.

و
هذا هو ما یجب أن یتّضح لنا في الکثیر من الأمور التي تخصُّ الإنسان. فعلی کلّ
إنسان أن یعرف مکانته و أن یسعی للإستمرار في ذلک المسیر المُنزّه لکي یتوصّل إلی
الهدف المقدّس من خلقته و وجوده. و هنالک الکثیر من الآیات في القرآن الکریم التي
فیها بیان تکریم الإنسان و لذلک فإنَّ الجدیر بالإنسان أن یمرّ بها و یتمعّن فیها
لکي لایتعرّض للشیطان الذي هوالعدوّ الذي أقسم أن یضلّ
الإنسان و یُحرّفه عن الصراط المستقیم. 

نسأل الله تبارك وتعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا
بالهدی والعرفان والأخلاق الحسنة و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق
لطاعته و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین
والتعمُّق في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ وجلّ.

 

                                                       والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment