صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني06.02.2015

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

اكما تبیّن لنا في الخطبة الماضیة بأنَّه یجب مراعاة الأصول
الموضوعة قبل تدوین حقوق الإنسان و هي التي قد ذكرنا البعض منها ، فسوف نستمرُّ
فیما یلي بالکلام في نفس الموضوع.

هـ ـ كون الإنسان مخلوقٌ قد تفضّل الله
تبارك و تعالی علیه بمنحه الإرادة و الإختیار:

إنّ إحدی الأصول
الموضوعیّة الأخری هي الأخذ بنظر الإعتبار بأنَّ الإنسان مخلوقٌ له الإرادة و
حرّیّة الإختیار، و لذلك یجب علیه أن یستفید من هذه الموهبة الإلهیّة العظیمة
للتوصُّل إلی الكمالات الأخلاقیّة و لا یحقُّ لأيِّ أحدٍ أن یهین الإنسان أو
یُضَعِّفه أو یجعله منكوبًا ذلیلاً، بل یجب علی كلّ إنسان أن یحترم هذه
المواهب ویُقوِّیها ویتخلّق بها ویحثّ علیها الآخرین. تتمتع الکائنات الحیّة
بکمالات الفطریّة خارجة الحدود الإرادة کالنموّ و الاحاسیس.   

والذی یجعل الإنسان في درجة أعلی
من الحیوانات هو ما یتمتّع به من مواهب الإرادة والإختیار و هذه
النِّعَم هي ما یجب علیه أن یؤدّي الشكر علیها و ذلک بالعمل الصالح
وفقًا للأصول الإنسانیّة والقوانین الأخلاقیّة بما عنده من الإرادة و الإختیار. و
ما لاشك فیه هو أنَّ هذه الإرادة هي التي تبرز
في مكانٍ حین یتوجّه الإنسان إلی شأن وجوده ومكانته لیختار
مسیره في سبیل الكمال.  

و ـ أساس الحیاة الإجتماعیّة:

إنَّ أساس الحیاة الإجتماعیّة هو أیضًا من الأصول
الموضوعیّة الأخری التي یجب أخذها بنظر الإعتبار، إذ أنّها من  الأمور
الضروریّة التي تكمن في فطرة الإنسان. و لكن لا یعني ذلك بأنَّ الإنسانیّة هي فقط
نتیجة الحیاة الإجتماعیّة لدرجة بحیث أنَّ الفرد الذي ینعزل عنها لا یكون إنسانًا
ـ كما یعتقدها بعض المتخصِّصین في الأمور الإجتماعیّة مثل : «دوركیم» بل إنَّ المقصود من
ذلك هو أنَّ الإنسان في حاجة لا بدیل لها إلی الحیاة الإجتماعیّة و في هذا المجال
یتواجد علی مفرق طریقین : فإمّا أن یتوجّه إلی الحقّ لیهتدي به إلی الكمال أو أن
یکون غافلاً یتیه في طریقه إلی الضلال. و من النماذج في هذه المجالات
قضیّة التربیة و التعلیم والنشاطات العلمیّة والفكریّة والثقافیّة والسیاسیّة
والإجتماعیّة التي تتحقّق في المحیط الإجتماعيّ فقط. إذ أنَّ الناس یجب أن یستفیدوا من
التجارب التي مرّت بها البشریّة لیعرفوا سبیل الرشاد والتكامُل و یسیروا فیها.

یُلزم
الاسلامَ المومنین بنوعین من الواجبات: 1ـ الواجبات الفردیّة 2ـ الواجبات
الإجتماعیّة و لكلٍّ منهما قوانین خاصّة، لیعمل بها الناس و یسیروا في طریق السعادة
في الحیاة الدنیا و الفوز بالجنة في الآخرة.

أنّ
عدم الإلتزام بالقوانین لیس مقبولاً من قِبَل أيِّ أحدٍ و لایجوز لأيِّ أحدٍ أن
یری نفسه من دون مسؤلیّة أمام القوانین حیث انها تعیّن الحقوق و الواجبات. فمن
الممكن أن یتنازل أحدٌ من حقوقه أو أن لایستفید منها بصورة شاملة، أو أن لا یقوم
بأداء واجباته الفردیّة أو الإجتماعیّة بصورة صحیحة أو أن یهملها، فإنَّ العمل بها
أو إهمالها یعود إلی درجة قبول الأفراد للأصول الإجتماعیّة و إلتزاماتهم بها و
أدائهم للحقوق تجاه الآخرین.  

و
كلّما إزداد القبول للقوانین و الإلتزام بها، كلّما إزداد و توسّع الأمن و الأمان
و إنتشرت الطمأنینة في المجتمع. علینا أن نوصَل إلی الجمیع التعالیم التي فیها
بیان أنّ علی كلّ إنسان أوجماعة أو مؤسسة أن تُراعي مصالح الآخَرین و لاتری
مصالحها الخاصّة فوق مصالح الآخرین و عدم حکر الثروات و القدرات، بل یجب أن یُراعوا
حقوق الإنسان و الامور التي تَخُصُّ الآخَرین بالإستناد علی كلّ المعاییر الإلهیّة
و الإنسانیّة و الحقوق المادّیّة و المعنویّة التي تَخصُّ كلّ فردٍ من الأفراد المجتمع
علی حدٍّ سواء.

و
یجب الإلتزام بالقوانین حتّی حین یتواجد هنالك تزاحُمٌ بین المصالح الدنیویّة و
المعنویّة.  كما و یجب أن یعلم الإنسان
بأنَّ الحقوق المعنویّة للإنسان، لها أولویّتها علی الرغبات، إذ أنَّ الأنسان
مکوّن من العقیدة و الفكر و التعقُّل و یجب أن یوظّف الأمور المادّیّة لتوسعة
العقائد و الأفكار الصالحة في ذهن أفراد المجتمع. و ما تطرّقنا إلیه لحدّ الآن في
الخُطَب الماضیة هي الأصول التي یجب اتخاذها أسُسٍ مفروضة یجب الإستناد علیها في
تدوین حقوق الإنسان. و خلاصة الکلام هی أنَّ بدایة خِلقة الإنسان هي في هذه الدنیا،
و الأبعاد الروحیّة و المعنویّة التي هي أهم الخصال التي وهبها الله تبارک و تعالی
له و هي ما یجب أن تُراعی في تدوین حقوق الإنسان. و مانرید ان نصل الیه هو انّه
علی الانسان ان یُراعی الحقوق الفردیة و الاجتماعیة لیفوزَ بالسلامة و الکرامة في
الدنیا و السعادة الخالدة في الآخرة.

نسأل الله تبارك و
تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی والعرفان والأخلاق الحسنة ومراعاة حقوق
الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته و التوجه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم
ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به والعمل الصالح في
سبیله عزّ وجلّ.

                                                       والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment