سم الله الرحمن الرحیم

 الحمد لله رب العالمین، بارئ الخلائق أجمعین،
نحمده و به نستعین، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شریك له، و نشهد أنَّ محمدًا
عبده و رسوله صلی الله علیه و آله. اللهم صلّ علی علی امیرالمرمنین و فاطمه الزهرا
البتول و الحسن و الحسین سیدا شباب اهل الجنه و تسعه المعصومین من ولد الحسین، علی
بن الحسین علیه و علی آله أفضل الصلاة و السلام و علی صحبه المنتجبین. عباد الله
أوصیكم و نفسي بتقوی الله، فإنَّ خیر الزاد التقوی. المقدّمه:

أیتها الإخوة و الأخوات
الأعزّاء، السلام علیكم و رحمة الله و بركاته. كان الموضوع «
العائله في القرآن الكریم و
الآثار و البركات الإیجابیّة التي في كیان الأسره من وجهه نظر القران الکریم» و
رأینا أنَّ أوّل البركات و أولاها هي مرضاة الله تبارك و تعالی و كسب الأجر المعنويّ.  و الثانیة هي السكینة و الطمأنینة الروحیّة و الجسمیّة المتبادَلة بین الزوج و الزوجة
و التي تشمل الأبناء و البنات. و الثالثة هي
المودّة و الرحمة و المحبّة الطاهرة فی المحیط العائلی، و الرابعه هی «العفّة و التزكیة
» کما في قوله تعالی: اعوذ بالله من الشیطان الرجیم، بسم الله الرحمن الرحیم «هنَّ لِباسٌ لَكمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ» البقرة،
آیه178

المطلب الأوّل: معانی العفّة و بعض مصادیقها

لقد شبّه الله سبحانه و تعالی فی الایه الشریفه المتقدمه الزوجه لباس
للزوج و الزوج لباس للزوجه. و لنتمعّن فی معنی هذا التعبیر، و یمکن ان نقرّب هذا
المعنی بعده وجوه:     

الاوّل: إنَّ الزوجین یحتفظان بالحمایة العاطفیّة كما یتستَّر
الإنسان باللباس لحفظ جسمه من الحرّ و البرد و كلّ تأثیر من الخارج علیه. 

الثانی: إنَّ الزوج و الزوجة یجمّل بعضهم الاخر و یحافظ کلیهما علی
ماء وجهیهما، كما یكون اللباس موردًا للبهاء و الجمال الإنسانيّ.

الثالث: إنَّ الزواج یحفاظ علی اللعفّه من طغیان الغرائز الجنسیّة
علیها، بل و إنَّ كلٌّ من الزوجین یتبادلون في إشباع غرائزهم بالحلال و  یمتنعون بذلك عن الوقوع في الحرام، كما یحفظ
اللباس الإنسانَ من التلوّث بالاوساخ و الاضرار الخارجیّة. و لنتکلّم بحرّیه فی
هذه النقطه الاخیره:

معنی العفّة: إنَّ العفة هي حصول حالة للنفس یمتنع بها الإنسان من غلبة
الشهوة علیه، والعِفّة هي البقية من الشيء.  فمعنی العفّة إذن هو التَحَفُّظ من النفس
الأمّارة بالسوء و التجنُّب عن القبائح و عدم الخضوع للهوی و الهوس و السیطرة علی
الغرائز كما نری بیان ذلك في القرآن الكریم في قوله تعالی: « وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوَى. فَإِنَّ الْجَنَّهَ هِیَ الْمَأْوَى»  

و للعفّة أیضًا معاني أخری علاوة علی التعفُّف و لنری ما هي أهمّها
بإختصار و منها:

1ـ العفّة المالیّة و الید الأمینة: قال الله سبحانه فی
محکم کتابه: «وَمَن كانَ غنیًّا فَلِیَستَعفِف» أي
أنَّ الغنيّ أولی به أن لا یأخذ أجرًا لما یقوم به من عملٍ صالح لحفظ الیتامی أو
المحتاجین فليكفّ عن أكلِ أموالِ الیَتیم.

2ـ عفّة الكلام و حُسن البیان: ینبغی علی المسلم ان
یعتنی بکلامه عموما و بالمحیط العائلی خصوصا و ان یحافظ علی الفاظه و یمنع لسانه
من الشطط، و یُجری علی لسانه قول الحق بحدیث لیّن. كما نری بیان ذلك في قوله تعالی
: «وهدوا إلى الطیب من القول وهدوا إلى صراط الحمید» و
في آیة أخری:«الیه یصعد الكلم الطیب والعمل الصالح
یرفعه» كما و قال رسول الرحمة و الرأفة صلی الله علیه و آله فیما یخصُّ
الأخلاق الحسنة و التعفُّف: «لا یكون المؤمن لعَّانًا»
یعنی کثیر اللعن و في حدیث آخر عنه صلی الله علیه و آله: « لیس المؤمن بالطَّعَّان ولا اللَّعَّان ولا الفاحش ولا البذئ
» یعنی البذاء باللسان.

3ـ عفّة السؤال: القرآن الكریم یمدح الإنسان
المتعفِّف و ذوا العزّة في نفسه لدرجة بحیث أن یصعب علیه أن یسئل الغیر و یطلب
المعونة من الآخَرین و یصفه في قوله تعالی: « یحسبهم
الجاهل أغنیاء من التعفف تعرفهم بسیماهم لا یسألون الناس إلحافًا »؛
كما وقال رسول الله صلی الله علیه و آله: «الید
العلیا خیر من الید السفلى، وابدأ بمن تعول وخیر الصدقة ما كان عن ظهر غِنًى، ومن
یَستَعفِفْ یُعِفَّهُ الله، ومن یستغنِ یُغْنِه الله» و نشیر الی
ملاحظه مهمه فی هذا الخصوص و هی: ان عفه السؤال فی المحیط من المهمات، فلا یکلّف
الفرد عیاله و اولاده باشیاء کثیره و لیطبّق معنی العفه فی المحیط العائلی.

المسألة الثانیة : مكانة العفّة

کان رسول­الله صلی الله علیه و اله یُحَفِّز الشباب علی الزواج لكي
یستطیعوا أن یتوسّموا بالعفّه و كان یوصي أولئك الذین لم یكن في وسعهم أن یتزوّجوا
ان یصوموا و ان یشتغلوا بالعبادة، كما في الروایه: «یا
معشر الشباب، من إستطاع منكم الباه أداء حقوق الزوجیة فلیتزوّج، فإنه أغضّ للبصر
وأحصن للفرج، ومن لم یستطع فعلیه بالصوم فإنه له وِجَاء وقایة »

قال الله تعالی: «ولیستعفف الذین لا یجدون
نكاحًا حتى یغنیهم الله من فضله » كما و نری الدعوة الموجّهة إلی
المؤمنین رجالهم و نساؤهم للتعفُّف في قوله تعالی: «قل
للمؤمنین یغضوا من أبصارهم ویحفظوا فروجهم…. و قل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن و
یحفظن فروجهن و لا یبدین زینتهنّ الا ما ظهر منها»

و فی الروایه: «النظرة سَهمٌ مَسمُومٌ مِن
سِهامِ إبلیس، مَن تَرَكها مِن مَخافتي أبدَلتُهُ إیمانًا یَجدُ حَلاوتَهُ في
قلبه» و في روایة أخری عن رسول الله
صلى الله علیه و آله و سلّم،  یوصي فیها
الرجل الذي تتوجّه عیونه نحو إمرأة من دون تعمُّد، قائلاً: «إصرف بصرك» كما و هنالك روایة أخری عن  رسول الله صلى الله علیه و آله جاء فیها: «سبعةٌ یُظِلُّهُمُ اللهُ تعالى في ظلِّهِ یَومَ لا ظلَّ إلّا
ظِلُّهُ: إمامٌ عادلٌ، وشابٌّ نشأ في عبادة الله، وَرَجلٌ قَلبُهُ مُعَلَّقٌ في
المَساجِد، وَ رَجُلان تحابّا في الله إجتمَعا عَلیهِ وَتفرّقا عَلیهِ، وَ رجلٌ
دَعَتْهُ إمرأةٌ ذاتَ منصبٍ وَجَمالٍ فَقالَ: إنّي أخافُ الله، وَ رَجُلٍ
تَصَدَّقَ بِصَدَقةٍ فَأخفاها حتّى لا تعلمُ شِمالُهُ ما تَنفِقُ یَمینُهُ، وَ
رَجلٍ ذكرَ اللهَ خالیًا ففاضت عیناه»

المسألة الثالثة: واجبات الزوج و الزوجة في هذا المجال:

إنَّ للزوجین دور مؤثِّر في تقویة روحیّة العفه. فالتجمّل و التعطّر و
النظافة و الحفاظ علی الواجبات الزوجیه في البیت، فهذه هي من التصرُّفات الحسنة
التي علیها التأكید الحثیث في كثیر من الأحادیث. و مَن تَعَفّفَ في زمان تجرّده،
سوف یكون بعد الزواج في عالمٍ یراه جمیلًا و یرتِّبه بأحسن ما یمكن، كما و أنَّ
الله تبارك و تعالی یجعل المودّة و الرحمة بینهم لدرجة یستأنس كلٌّ منهم بالآخَر و
یحسّون بالسعادة و الطمأنینة. و دلّت التجارُب الكثیرة بأنَّ الذین لا یقیمون
وزنًا للعفّه من الرجال و النساء قبل زواجهم سوف یواجهون كثیر من المشاكل بعد
الزواج. و قد ورد فی الاثر عن الرسول الأمجد صلی الله علیه و آله: «عِفُّوا عن النساء تَعِفَّ نساؤكم».

و من الأمور المهمّة التي یجب أن یلتفت إلیها الشباب و خصوصا عوائل
الشباب هي ان یُغَذّوا ملکه العفه بجمیع افرادها و مصادیقها لان ذلک یؤثِّر في
شخصیّة الطرف المُقابل و لذلك یكون التعفُّف و التزكیة التي تنشأ من الزواج تؤثِّر
علی باقي السلوك الأخلاقی، و العكس بالعكس.

و اخیرا و لیس
اخرا اُحب ان اقول: علی الشباب ان لا یخاطروا بالعفه و ان یجتنبوا عدم العفه و ذلک
بالزواج، فانه السد الامین الذی یوقی الشباب من ان ینزلقوا فی مزالق عدم صون
النفس.

و نختم الخطبة بالدعاء الذی دعا به رسول الرحمة صلی الله علیه و آله: «اللّهُمَّ إني أسألكَ الْهُدَى والتُّقَى والعفاف والغنى»

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ
صِدْقَ النِّيَّةِ وَ عِرْفَانَ الْحُرْمَةِ وَ أَكْرِمْنَا بِالهُدَى وَ
الاسْتِقَامَةِ  

                                                    
والسلام علیكم و رحمة الله وبركاته 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment