صلاة الجمعة

الخطیب:
مقامة مِن قِبَل حجة الإسلام و المسلمین الترابي

13.03.2015بسم الله الرحمن الرحیم

 الحمد لله رب العالمین، بارئ الخلائق أجمعین،
نحمده و به نستعین، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شریك له، و نشهد أنَّ محمدًا
عبده و رسوله صلی الله علیه و آله. اللهم صلّ علی علی امیرالمرمنین و فاطمه الزهرا
البتول و الحسن و الحسین سیدا شباب اهل الجنه و تسعه المعصومین من ولد الحسین، علی
بن الحسین علیه و علی آله أفضل الصلاة و السلام و علی صحبه المنتجبین. عباد الله
أوصیكم و نفسي بتقوی الله، فإنَّ خیر الزاد التقوی.

المقدّمه:

أیتها الإخوة و الأخوات الأعزّاء، السلام علیكم و رحمة الله و بركاته. كان
الموضوع « العائله في القرآن الكریم و الآثار و البركات الإیجابیّة التي في كیان
الأسره من وجهه نظر القران الکریم» و رأینا أنَّ أوّل البركات و أولاها هي مرضاة الله تبارك و تعالی و كسب الأجر المعنويّ.  و الثانیة هي السكینة و الطمأنینة
الروحیّة و الجسمیّة المتبادَلة بین الزوج و الزوجة و التي تشمل الأبناء و البنات.
و الثالثة هي
المودّة و الرحمة و المحبّة الطاهرة فی المحیط العائلی، و الرابعه هی «العفّة»، و
لنشبع بحث العفه مقالا فی هذا الاسبوع ایضا.

المطلب الأوّل :
الإرتباطات البُنیویه للعفّه  

أرسی القرآن الكریم تعالیما
حكیمة فی موضوع العفه و اعتمدها کأسس بنیویه فی العلاقات و اعتبر غیر العلاقه
الزوجیه علاقات مشوّهه و غیر عفیفه لانّها تَنشُر الفساد في المجتمعات. و قد نهی
الله سبحانه عن هذه الإرتباطات الغیر المشروعه فی کلّ التشریعات السماویه، فقد ثبت
ذلک فی التوراه و الاناجیل و القرآن.

وصف القرآن الكریم المؤمنون بالعفّه
و جعلها علامه من علامات المؤمنین، کما حدّد الارتباطات المشروعه بین کلا الجنسین
الرجل و المرأه فی ضمن عقد مشروع، قال الله سبحانه و تعالی: قَدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ و َالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ.»     

اشکال: و یمکن الاجایه عن بعض التساولات المطروحه حالیا عبر الانترنت حیث
تسائل البعض: ما المقصود من « أوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ »
مریدین بذلک ان یشیروا الی نکتتین مهمّتین، علی و هما: قبول الاسلام للعبودیه
و جواز النکاح الإماء من دون عقد. هذا ما نراه مستدلین علی ذلک بالآیات 29 التاسعه
و العشرین و 30 ثلاثین من سورة المعارج و بدایة سورة المؤمنون.

والجواب:

اوّلاً: إنَّ حفظ العبید في
نطاق المُلكیّة قضیّة قدیمة منذ قرونٍ من قبل الإسلام کانت منتشرة في مُختلف
المجتمعات و منها ما كان منتشرًا في جاهلیّة العرب و منها ما یطبّق حالیا من
مفاهیم العبودیه الحدیثه فی العالم الحر، بمختلف الأشكال و بوجهات نظر جدیدة. و
أمَّا ما نراه في تأریخ الإسلام فهو أنَّ الإستعباد و الإستثمار لیس من السُّنَن
الإسلامیّة أبدًا، بل إنَّ الإسلام ینفیها و یُخالفها بمختلف الوسائل، بتهذیب
نظامها و تقلیص حجمها فی المرحله الاولی و السعی علی نفیها فی المرحله الثانیه
بطریق متأنٍّ و حَكیم بوضع القوانین و الحقوق الانسانیه، ولذا نری الإستعباد علی
مختلف الوِجهات قد إنتفی بالتدریج عن المجتمعات في العالم الإسلاميّ و ذلك منذ
عِدّة قرون قبل التحوُّلات الثقافیّة في أوربّا و أمریكا.    

ثانیاً : ثبت فی التاریخ مشارکه
بعض النساء في الحروب التی خاضها المشرکون ضدّ الاسلام فی الصدر الاوّل منه و وقوع
البعض في أسر المسلمین و حیث انّ الاسلام یمنع التعرض للاسری و خصوصا الاسیرات
بکلّ شکل من الاشکال، و لابدّ من المحافظه علیهنّ، فاوجد نوعا من العلاقه المشروعه
التی تحافظ علی المسلم و الاسیره بنظام خاص مضمون النَّفقة و الحقوق، کعنوان
متفرّعٌ من المشروع الرئیسی و الاوّلی فی الاسلام، الا و هو الزواج. و لذلک نری فی
الایه الشریفه عدم الاطلاق الزوجه علی ما ملکت ایمانهم اشارهً لهذا التفریق، الذی
یرفع من المستوی المعنوی للعائله. 

المطلب الثاني: التوجُّهات الثلاثة إلی العفّة

إنَّ ما نراه في كتب علماء الأخلاق مثل كتاب « معراج السعادة »
هي أنَّ « العفّة » مع الشجاعة و الحكمة و الإعتدال تكون من الفضائل
الأخلاقیّة الجذریّة الأربعة. إنَّ العفّة هي الحدّ الأوسط بین خطّ التفریط أي «
الخمود » و الخطّ الإفراطي أي « الشهوة ».

إنَّ الكثیر من الفضائل و القیَم الأخلاقیّة تنشأ من العفّة، و بصورة
عامّة نری في طوال التأریخ وِجهات مختلفة فیما یخصُّ موضوعي العفّة و الشهوة و هذه
الوجهات تنقسم إلی ثلاث مجموعات هي التفریط و الإفراط و الإعتدال و هي كما یلي:     

1.      المرتاضین
و التاركين للمتع المُجازة في الحیاة الدنیا: 
إنَّ هؤلاء هم الذین یُقاومون الشهوات و یسعون لإطفاء هذه القوّة في ذات
الإنسان، إذ أنّهُم یعتقدون أنَّ كلّ المساوئ و الكوارث تنشأ من خضوع الإنسان إلی
الشهوات، حتّی في النطاقات المُجازة و لذلك فیجب أن یُقابلُها الإنسان بصورة
سلبیّة لإبعادها، لكي ینفسح المجال لإضاءة نور العفّة في ذات الإنسان.

یشکل علیه: إنَّ قوّة
الشهوة هي من الحقائق الطبیعیّة التي تفضّل الله تبارك و تعالی بها علی الإنسان و
المبارزة ضد المیول الطبیعیّة التي یَحُقُّ للإنسان التمتُّع بها في نطاق الحلال،
تكون خلافًا للمسیر الذي قد تمّ تعیینه للإنسان و لذلك فإنّ الإرتیاض حركة غیر
عقلانیّة بل و إنّها حرکة تفریطیّة.

2.      الخاضعین
للشهوات: إنّهم
یرون أنَّ حرّیّة الإنسان لا حدّ لها و لا قید و یُخالفون أيِّ نوع من التعفُّف و
تزكیة النفس عن التعدّي و الخروج من حدود الحلال، إذ أنّهم یزعَمون أنَّ التمتُّع
بالملذّات و الشهوات من دون أيِّ قیدٍ و شرط هو مصداق الحرّیّة، في حین أنَّ
التعفُّف هو من الأمور التي تجعل الإنسان تحت القیود و هي العوامل التي تُعَیِّن
حدود الحرّیّة.

و یشکل علیه: إنَّ هذا التفسیر للحرّیّة
یؤدّي بالإنسان إلی أن یكونَ أسیرًا للشهوات و المیول النفسیّة من دون أيِّ قیدٍ و
شرط و ذلک هم ما یؤدّي إلی إتلاف جناح العفّة و حرمان الإنسان من العروج إلی عالم
المعنویّات و یحرُم المجتمع من سیادة المحیط الإنسانيّ فیه. إنَّ هذه النظریّة
تؤدّي إلی سَحق الفطرة و عدم التقیُّد بالغریزة و لذلك فإنّها حركة إفراطیّة
مُخالفة للعقلانیّة. كما إنّنا نری الخسائر المعنویّة الفجیعة التي تجلبها إلی
المجتمعات الإنسانیّة الراقیه. 

3.      المُحافظین
علی كیان العائلة:  إنَّ الذین یحبّون العائلة، یُنظِّمون
الحیاة في نطاقها و نظامها لدرجة بحیث أنّهُم لا یغفلون عن الإلتزام بأيِّ حقیقة
من حقائق وجود الإنسان و كنهِهِ و یهتمّون بكلا الوجهتین اللتَینِ هنَّ وجهة
التعفُّف و وجهة الغرائز الفطریّة. و في هذه الاطروحه هنالك عاملین قويّین
للتعفَّف لهما دورهما في تحقیقها و إستحكامها و هما:أولًا: الإرادة و الإیمان؛ و
ثانیًا : الزواج.

و بالنظر إلی المكانة
المهمّة للزوجة في الإلتزام بالتعفَّف یطلق بعض العلماء تعبیر « خیمة العفاف » علی
الحیاة الزوجیّة.  

المطلب الثالث: تدقیق معانی بعض مصادیق العفّه

للعفه بمنظور
الشرع مصادیق و لوازم، یجب مراعاتها من کل الاطراف کالزوج و الزوجه و زوجات الغیر،
سواء فیه الرجال و النساء. و عدم ضبطها و التدقیق فی معانیها ربما یوقع الافراد فی
کثیر من الشاکل الاخلاقیه و الاجتماعیه سیما فی المجتمعات الغربیه، و علی سبیل
المثال: حدّ الواجب للستر للرجل و المرأه و کیفیه اللباس لکلی الجنسین و کیفیه
التعامل لکلا الجنسین و مسائل التجمیل المختلفه، و سوف نتکلّم حوله ان شاء الله فی
الخطب القادمه.

 للَّهُمَّ ارْزُقْنَا
تَوْفِيقَ الطَّاعَةِ وَ بُعْدَ الْمَعْصِيَةِ وَ صِدْقَ النِّيَّةِ وَ عِرْفَانَ
الْحُرْمَةِ وَ أَكْرِمْنَا بِالهُدَى وَ الاسْتِقَامَةِ  

                                                    
والسلام علیكم و رحمة الله
وبركاته 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment