صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني20.03.2015

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

لقد تطرّقنا في البحوث
الماضیة لحد الآن إلی مختلف الوجهات التي تخصُّ حقوق الإنسان. و للحصول علی
المفاهیم و الأسس التي تحتویهاتلک النصوص بصورة أوضح یمكن أن نُقارن وجهات النظر
المختلفة مع بعضها. و لنری في البدایة الإعلامیّة العالمیّة لحقوق  الإنسان و نری ما یُقابلها في وجهات النظر
الإسلامیّة. كما و إنَّنا نُقارن أیضًا ما جاء في البند الخامس و العشرین من حقوق
الإنسان الذي تمَّ تصویبه في یوم 14/محرّم/1411 الذي یوافق یوم 14/8/1990المیلاديّ
في القاهرة. كما و إنّنا نُقارن متن المادّة السابعة عشر من حقوق الإنسان و
المواطنین الذي تمّ تصویبه في یوم 26/8/1789 في فرنسا.    

فللنظر لما في
الإعلامیة العالمیّة لحقوق الإنسان:

إنَّ الإعلامیّة العالمیّة
لحقوق الإنسان التي تتكوّن من 30 مادّة و التي قد تمَّ تصویبها في یوم 10/12/1948
من قِبَل المجمع العموميّ لهیئة الأمم المتّحدة و من بعد التصویب توجّه الرجاء إلی
الأعضاء المشاركین لنشر هذه الإعلامیّة و إبلاغها إلی الجمیع بأيِّ وسیلة ما كان.
و الجدیر بالذكر هو أنَّ هذه الإعلامیّة قد تمَّ ترجمتها إلی اللغات الحیّة في
العالم لكي یستطیع الجمیع الإطلاع علیها و التمعُّن فیها.

و قبل أن نبدأ بالتمعُّن في
هذه البنود یجدر بنا أن نعلم أنَّ التمعُّن فیها هو من وجهة النظر الدینیّة ، أي
أنَّ التحلیل و التدقیق یكون من وجهة النظر الإسلامیّة. كما و یمكن النظر إلی بعض
الموادّ من وجهة النظر الغیر دینیّة. فما لا شك فیه هو أنَّ هذه الوجهات من
التدقیق و البحث فیها یمكن أن تؤدّي بالذین هم أولي الأنظار المتخصِّصین في
التدقیق و التحلیل بصورة أعمق و أدقّ و هذا هو أمرٌ طبیعيٌّ جدًّا. إنَّ هذه
الإعلامیّات تكون قد دُوِّنَت و نُظِّمَت بأیدي الإنسان و لذلك فهي في حاجة إلی
التدقیق و التحقیق من جدید وفقًا لمرور الزمان و التغیُّرات و التطوُّرات التي
تحصل ، فلربَّما تكون هنالك حاجة إلی التدقیق من جدید و إضافة موادّ جدیدة أو
إصلاح بعض البنود التي كانت قد صُوِّبَت وفقًا للشروط السائدة حینئذٍ.

المادة الأولی: إنَّ
ما جاء في المادّة الأولی من حقوق الإنسان هو أنَّ : « كلّ أفراد البشریّة قد
وُلدوا أحرارًا و الكلّ متساوین في كیانهم و حقوقهم. كلُّهُم یتمتّعون بالعقل و
یجب أن یتعاملوا فیما بینهم بالأخوّة و التساوي.» و هذه المادّة تُبیِّن أنَّ
بعض الأمور و منها أنَّ خِلقة الإنسان تكون مقرونة ببعض الخصائص مثل الحرّیّة و
الإرادة و العقل ، كما و نری بیان أنَّ أصول التعامُل بین الناس یجب أن یكون
مبنیًّا علی أساس الأخوّة.  و عند التمعُّن
البدائيّ في هذه المادّة، سوف تُطرَح بعض الأسئلة و منها :

·  
هل إنَّ هذه المادّة هي
مادّة حقوقیّة؟

·  
أي بمعنی أن لو لم یكن
تعامل الناس فیما بینهم مبنیًّا علی أساس الأخوّة ، فهل إنَّ ذلك هو ما یمكن أن
یكون جریمة؟

·  
فإن تمَّ ضیاع هذا النوع من
الحقوق فمن هو أم من هم الذین یكونون مسؤلین عن متابعة هذه القضیّة ؟

·  
كیف یمكن أن نتلقّی هذه
المادّة كدستور قانونيّ؟

·  
إنَّ ما یلفت الأنظار هو
أنَّ هذه المادّة تشیر إلی النقاط التي تلفت نظر الإنسان إلی المعارف الوجودیّة
ومنها:

·  
اوّلاً هو أنَّ الإنسان
یكون قد خُلِقَ حرًّا و النقطة الأخری هي أنَّهم جمیعًا یتمتّعون بنعمة العقل.

·  
كما و فیها الإشارة إلی
معرفة أنَّ كلّ الناس متساوین من الناحیة الحقوقیّة. 

·  
و فیها التوصیة الأخلاقیّة
علی تصرُّف الناس بالأخوّة في التعامُل مع بعضهم. 

·  
و ما فیه الشك هو أنَّ هذه
التوصیة الأخلاقیّة لها أیضًا آثارها الحقوقیّة، إلاّ إذا كان فیها بیان خاصٌّ
یدلُّ علی أنَّ هذه الحقوق هي حقوق أخلاقیّة.  

و الأمر الآخَر الذي یخصُّ هذه المادّة هو
أنَّ بعض التعابیر هي تعابیر عامّة ، بل و إنَّ البعض منها مبهمة مثل «التصرُّف
الأخويّ». فإنَّ السؤال المطروح هنا هو، ما هو التصرُّف الأخويّ؟ و ماهي المعاییر
للتصرُّفات الأخویّة ؟ فلو إن كان الإنسان الذي هو مُلزَمٌ بالتصرُّف الأخويّ الذي
هو تكلیفٌ یجب الإلتزام به، قد إنحرف و لم یلتزم به، فكیف یجب أن یكون التعامُل
معه؟ و لذلك فهنالك ضرورة لتوضیح بعض البنود التي هي مدوّنة في هذه المادّة و
محتویاتها. فخلاصة هذه المادّة القانونیّة یمكن تفسیرها بأنّ محتویاتها هي نصائح و
مواعظ أخلاقیّة، كما و أنّها تشیر إلی كون الإنسان عاقلاً و قد خُلِقَ حرًّا، أي
بمعنی أنّه یتمتّع بالإرادة و الإختیار.

النظرة الإسلامیّة فیما یخصُّ المادّة الأولی:

هنالك الكثیر من البحوث حول هذه المادّة من وجهة النظر
الإسلامیّة. و منها ما لا شك فیه هو أنَّ الإنسان له أفضلیّة علی باقي المخلوقات
من ناحیة كنه خلقته، إذ أنَّ الإنسان یتمتّع بما تفضّل الله تبارك و تعالی علیه
بالقوّة العقلیّة علاوة علی كلّ الإمتیازات من ناحیة القوّة النباتیّة و
الحیوانیّة و هذه القوّة هي التي یستطیع الإنسان أن یسعی بها إلی الهدی و التمعُّن
في التعالیم التي جائت له في الوحي و العمل و الإلتزام بها. و ما لا شك فیه هو أنَّ
العقل هو الدلیل لمعرفة سبیل الرشاد و الهدف من الخِلقة. و هذا الدلیل یكون سائر
المفعول حین لا یقع الإنسان تحت سیطرة  قوی
الشهوات أو الغضب و لكي یستعین به لتنظیم قواه ومیوله و رغباته في أفضل و أحسن ما
یكون. إنَّ العقل هو ما یستفید الإنسان منه لتنظیم رغباته و طاقاته و قواه وفقًا
لما جاء في الوحي من التعالیم الأخلاقیّة و العقائدیّة ، إذ أنَّ الوعید بالجنّة
للمتّقین و التحذیر عن نار جهنّم للعاصین تؤدّي بالإنسان إلی أن یستفید من تربیة و
توجیه كلّ قواه للتوصُّل إلی الفضائل الأخلاقیّة.

إنَّ للعقل دوره المؤثِّر في تنظیم القُوی النفسیّة، بل و حتّی في المسائل الفكریّة و العقائدیّة. وأمّا ما یخصُّ
المسائل العملیّة، فإنَّ العقل هو الذي یهدي الإنسان للتوجُّه إلی ذوي الخبرة عند
حیرته لیری ما الذي یجب علیه أن یعمله و ماذا الذي یجب علیه أن یتركه وفقًا
لتعالیم ذوي الخبرة المتخصِّصین في الأمور الدینیّة و المنطق لیقوم بأداء واجباته
في الحیاة. إنَّ للعقل في الشریعة الإسلامیّة مكانة عالیة و مُكرّمَة لدرجة بحیث
أنّها هي معیار الإنسانیّة كما نری بیان ذلك في قول أمیر المؤمنین ع أنَّ «
الإنسانُ بِعقلِه ».

كما و إنّنا نری الكثیر من الآیات في القرآن الكریم فیها بیان
أنَّ الإنسان یجب علیه أن یدرك الأمور بالتعقُّل و التفهُّم و الإدراك الصحیح
لموضعیّة الإنسان في الوجود و العالم و التوجُّه إلی المولی العزیز القدیر بارئ
الخلائق أجمعین. فإن كان العقل من المواهب العظیمة التي تفضَّل الله تبارك و تعالی
به علی الإنسان ، فسوف یعمل الناس حینئذٍ في المجتمعت الإنسانیّة كلُّهم وفقًا
للعقل، و عندئذٍ تَنحلّ الكثیر من المشاكل التي یُواجِهَها الإنسان في حیاته، إذ
أنَّ العقل هو الوسیلة لفهم و إدراك نظام الوجود و أنَّ في خِلقتِهِ هدفٌ و أنَّ
نظام الوجود یدور وفقًا للحكمة الإلهیّة ، فإنَّ ذلك یوفّق الإنسان و یعینه لإیجاد
الرابطة القویّة بین العبد و مولاه الذي خلقه و في أحسن ما شاء صوّره. و لذلک فیجب
أن لا نری في العقل مجرّد وسیلة لتنظیم الحیاة الیومیّة، بل إنَّ عقل الإنسان هو
الوسیلة لهدایته إلی الحیاة في کرامة و المعرفة و الحکمة و لِتُبَعِّد عن
الأنانیّة. فما لا شکَّ فیه هو أنَّ العقل الفرديّ و الإجتماعيّ تمنع الإنسان و
تحفظه من الوقوع في المشاکل من جرّاء الإفراط و التفریط و التعجُّل أو الإهمال و
الکسل و بالعقل یهتدي الإنسان إلی التصرُّف بالعقلانیّة في مسیر حیاته. کما و أنَّ
العقل هو الذي یعین المسؤلین في سَنّ القوانین و التضامُن بین الناس و الحمایة
القویّة للأفراد و المجتمعات.

ففي هذه المادّة التي فیها
بیان وجود العقل في خلقة الإنسان إذن کلامٌ صحیح، و لکن ما یلفت الأنظار هو وجوب
أن یتمّ السعي الحثیث لشرح المحتویات و المعاني التي فیها، کالملحق الذي یمکن
إضافته إلیه، لکي تتوضّح مکانة العقل و أن لا تکون له مکانة واطئة، بل و یجب نصّ
البیانات الدقیقة و العمیقة لشرح هذه التعابیر مع مراعاة توافقها مع العقل و
الوحي، لکي یکون فیها الهدی في کمال و من دون أيِّ نقصٍ و نقیض.

نسأل
الله
تبارك و تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی والعرفان والأخلاق الحسنة ومراعاة
حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق لطاعته و التوجّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ
سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به والعمل الصالح في
سبیله عزّوجلّ.

                                                                            
                                   والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment