صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني03.04.2015

     /inc/uploads/archive/244/Image/Articles/1393/7/4/a72113ba48d7431982a734bff3d38e58.gif

                                                            بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا
مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء
الإفتتاح وصلّی الله علی
سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله
و اتّباع امره و نهیه .

كان
كلامنا في الأسبوع الماضي عن بنود
الإعلامیّة العالمیّة لحقوق الإنسان و قد شرحنا بعض البنود و بیّنّا ما هو مكانتها
عند المقارنة مع الأحكام الإسلامیّة. و من الأمور الأخری التي تطرّقنا إلیها في
هذه البنود هو قابلیِّة الإنسان للإختیار بإرادته، أي بمعنی أنّ الإنسان مخلوقٌ
حُرٌّ.  و لإیضاح هذا الموضوع رأینا أنَّ
هذه البحوث تخصُّ معرفة كنه الإنسان و خصائص خلقته، كما نری بیان ذلک في القرآن
الكریم بصورة صریحة بأنَّ الإنسان مخلوقٌ حرٌّ و لیست الحرّیّة ما یعطیها الآخرون
إلیه أو یحقُّ لهم أن یسلبوها منه، بل إنَّ الإنسان یتمتّع بالحرّیّة التكوینیّة
التي هي من خصائصه و هذه هي من المواهب الکثیرة التي یتمتّع بها مثل العقل و القلب
و الكثیر من المواهب الإلهیّة الأخری التي تفضّل الباري جلّ و علا بها علیه و ما
لا شك فیه هي أنّ الدلائل العقلیّة تُثبت ذلك أیضًا.   

والنتیجة
هي أنَّ من وجهة النظر الإسلامیّة یكون الإنسان مخلوق ذو إرادة و هذه النعمة هي من
الفضائل التي تفضّل الله تبارك و
تعالی بها علیه
و لیست النعمة الوحیدة ، فإنَّ الإنسان یتمتّع بالكثیر من مختلف النِّعَم
المعنویّة و الكثیر من النِّعَم الجسمیّةِ التي لم تُكتشَف لحدّ الآن، فإنّه
یتمتّع بقابلیّات و خصائص كثیرة لا تُعَدُّ و لا تُحصی و هي أیضًا لم تُكتَشَف لحد
الآن. و مجموعة هذه الخصائص التي یتمتّع بها الإنسان هي ما تؤهِّلُهُ لحمل الأمانة
الإلهیّة الكبری وتلزِمُهُ التصرُّف الصحیح بها، فإنّها هي التي تؤدّي به إلی
الحیاة الأبدیّة في جنان الخلد التي یدعوه الله تبارك و تعالی إلیها كمانری بیان ذلك في قوله تعالی: وَ اللَّهُ يَدْعُواْ إِلىَ‏ دَارِ السَّلاَمِ

فبما
أنَّ الإنسان یتمتّع بهذه الخصائص التي منها الحرّیّة التكوینیّة و الإرادة
والإختیار، فإنَّه یتواجد في المسیر الذي یجب علیه أن ینتخبه و یختار ما یعمله و
یعرف ما یجب علیه أن یتركه للتوصُّل إلی الهدف المقدّس و لكنّه إذا إنحرف عن هذا
المسیر، فسوف لایستطیع أن یستفید من القابلیّات و الإستعدادات التي تكمن فیه
أبدًا.

لقد
تبیّن لنا أنَّ ذكر تمتُّع الإنسان بالعقل و الإرادة و الحرّیّة في المادّة الأولی
لیس لها وجهة حقوقیّة بل إنّها نسخة من الأصول المدوّنة التي قد تمَّ قبولها من
قانون حقوق الإنسان. و هنالك أمرین مدوّنین في المادّة الأولی من تلك الإعلامیّة و فیها الوجهة الأخلاقیّة و الموعظیّة بدلاً من
الوجهة الحقوقیّة و هي التي نصُّها « إنَّ كلّ
الأفراد یتولّدون أحرارًا متساوین من وجهة الحیثیّة و الحقوقیّة و العقل هو من
خصائص كلٍّ منهم و یجب علیهم جمیعًا أن یتعاملوا فیما بینهم بروحیّة الأخوّة
»  

و أمّا ما یخصُّ حقوق
الإنسان و ضرورة تعامُل الناس فیما بینهُم بالأخوّة و المحبّة ، فإنَّ في الإسلام
الكثیر من الأصول الأخلاقیّة العمیقة التي تخصُّ هذا الموضوع و أنَّ علی كلُّ
الناس یشتركون في السعي لتساوي الحقوق ، فهذا هو أمرٌ واضحٌ جدًّا و أنَّ إختلاف
اللغات و الآداب و الرسوم الثقافیّة في المدن أو في البلدان لا دَورَ له في تدوین
حقوق الإنسان. فإنَّ كلّ الناس سواءًا إن كانوا رجالاً أو نساءً من أبیضهم و
أسودهم متساوین في الحقوق و لیست هنالك أفضلیّة لأيِّ أحدٍ بسبب هذه الخصائص. 

إنَّ
العامل الوحید الذي هو معیار أفضلیّة الإنسان علی الآخرین هو عامل التقوی و
الإلتزام بالأصول الإلهیّة للتصرُّفات الحسنة و الإنسانیّة، أي بمعنی أنَّه حین
یکون كلّ إنسان متوسَّم بالمزید من الفضائل الآخلاقیّة و یلتزم بالأصول الإنسانیّة
و الصدق و الإیثار و السعي الحثیث لمعونة الآخرین ، تكون له مكانة أخلاقیّة أعلی و
أعلی كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: « يا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى‏ وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ
قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَليمٌ خَبيرٌ »

فالإنسان
إذن مخلوقٌ ذو فطرة قد تفضّل الله تبارک و تعالی بها علیه للتمییز بین الخبیث و
الطیِّب و الحسنات و السیِّئات كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: « فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَ تَقْواها » و یكون النجاة
للإنسان فقط حین یسعی للكمال و التوسُّم بالقِیَم الأخلاقیّة الإلهیّة الحسنة التي
بها ینال الفلاح كما جاء بیان في تلك الآیة المذكورة فيقول سبحانه تعالی: « قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّیها » و أمّا الذین یتغافلون عن
المواهب الإلهیّة و لا یسعون للعمل بها، فلا ینالون النجاة و أولئك هم الذین
یئِسوا من رحمة الله تبارك و تعالی: « وَ قَدْ خَابَ مَن
دَسَّیهَا» و لذلك فعلی جمیع الأفراد في البشریّة أن یسعوا للتوحید و ذلك
هو ما: « يَعْنِي الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ
جَلَّ خَالِقُه‏ »   

فالنتیجة هي أنَّ كلّ الناس مع هذه الخصائص المشتركة یجب أن
تكون لهم حقوقهم و مسؤلیّاتهم و ما لا شك فیه هو أنَّ كلٌّ منهُم إنسان كالآخرین،
فالكلّ متساوین في حقوقهم و لا أفضلیّة لأحدٍ علی أحد. و من وِجهَةِ النظر
الإسلامیّة یجب أن لا یكون هنالك حاكِمِین و مَحكومِین أو أن یكون قسمٌ من
الناس  أحرار و الأخرین أعباد، بل یجب أن
یكونوا بأجمعهم في نظامٍ توحیديٍّ و یجب أن تكون حُرمتَهُم محفوظة و بما أنّ الكلّ
من أفراد البشریّة علی وجه البسیطة هم من ذریّة آدم و حوّاء ع فكلُّهُم إخوة و
أخوات و یجب علیهم الإحساس بالمسؤلیّة تجاه الآخرین و أن یروا مشاكل الآخرین هي
مشاكلٌ تعنیهم و یجب علیهم أن یعینوا الذين قد وقعوا فیها و یتشاركوا في حلِّها
بروحیّة الأخوّة و المحبّة.    

فإنَّ
علی الناس إذَن كلُّهُم حقوقٌ تجاه الآخرین یفرضها الإسلام ، فعلی كلّ إنسان أن
یحفظها ویؤدّیئها و من لم یشعر بهذه المسؤلیّة فهو لیس بمسلم كما نری بیان ذلك في
قول الرسول الأكرم المصطفی الأمجد أبو القاسم محمّد ص « مَنْ أَصْبَحَ مِنْ أُمَّتِي وَ هِمَّتُهُ غَيْرُ اللَّهِ فَلَيْسَ مِنَ
اللَّهِ وَ مَنْ لَمْ‏ يَهْتَمّ بِأُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْهُم‏
» و ما لا شك فیه هو أنَّ هذا البیان لیس مجرّد شعار، بل إنّه بیان المسؤلیّة التي
هي علی عاتق كلّ مسلم و إن كان في وسعة أحدٍ أن یحلّ مشكلة و یُصلحها و لكنّه
یتماهل و لا یسعی للإصلاح فإنَّ علیه مسؤلیّة و مؤاخذة بسبب هذا الإهمال. فما لا
شك فیه هو أن لو إلتزم الجمیع بهذه المسؤلیّة تجاه الآخرین لإنتفت الكثیر من
المشاكل عن المجتمعات الإنسانیّة في العالَم.

و لكن و
مع الأسف الشدید نری أنَّ هذه النظرة مُضمَحِلّةٍ عند الأكثریّة من الناس أوأنّها
منفیّة من أفكارهم وهذه الحالة هي التي أدّت إلی إهمال الإعتناء بالمصالح
المعنویّةالفردیّة و الإجتماعیّة و أصبح الناس لایهتمّون بالمصالح الإجتماعیّة
تجاه الآخرین و عدم المحبّة بین أفراد المجتمعات، و لذلك نری في الإسلام التأكید
الحثیث علی روحیّة الأخوّة و المحبّة المتبادلة بین الناس من قریبهم و
غریبهم.    

و أجمل
ما نراه في هذا الخصوص هو ما قاله أمیر المؤمنین و قدوة المُحسِنین ع أنَّ علینا
حُسنِ التعامل مع الآخرین: « فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ
إِمَّا أَخٌ‏ لَكَ‏ فِي الدِّينِ وَ إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق » فیجب
إذن أن یجعل المسؤلین في المجتمعات حرمة الناس و و الإلتزام بالإحترام و المحبّة
تجاه الآخرین لیست من مجرّد الشعارات التي هي رمز العلاقات الإجتماعیّة بین الناس
فقط ، بل و یجب العمل بها.  

و هكذا
نری أنَّ من الأُسُس الأخلاقیّة الإجتماعیّة في الإسلام هي روحیّة الأخوّة بین
المسلمین و لیس ذلك مجرّد تعلیم فقط، بل إنَّه من الأصول التي لها وِجهَة حقوقیّة
و یجب علی كلّ مسلم أن یعمل بها و لها أهمّیّتها لدرجة بحیث لو إن تماهل أحدٌ عن
العمل بها فسوف یتعرّض للمُؤاخذة بسبب إهماله هذه الوجهة الأخلاقیّة التي هي من
الواجبات الإسلامیّة المهمّة جدًّا.

نسأل الله تبارك و تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و العرفان و
الأخلاق الحسنة و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ماكانوا و التوفیق لطاعته و التوجّه
إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین والتعمُّق في
الإیمان به والعمل الصالح في سبیله عزّ وجلّ.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment