صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني24.04.2015

     /inc/uploads/archive/244/Image/Articles/1393/7/4/a72113ba48d7431982a734bff3d38e58.gifبسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

إنَّ ما نراه في المادّة الثالثة لقانون حقوق الإنسان
هو«ضمان حقّ الحیاة و حقّ الحرّیّة و حقّ العیش في أمنٍ و أمان». و أمّا ما یخصُّ
حقّ الحیاة فقد تكلّمنا عن بعض الوجهات و قد إتّضح لنا أنَّ حقّ الحیاة هو حقٌّ
عامٌّ یشمل كلّ الناس علی وجه البسیطة كما و أنَّ في الإسلام التأكید الحثیث علی
حقّ الحیاة لكلّ إنسان.

و لكنّ السؤال المطروح هنا هو أن لو كان هنالك في
المجتمعٍ أفرادٌ قد قتلوا النفس البریئة التي هي من دون أيِّ ذنب بالتعمُّد و
سلبوا منها حقّ الحیاة ، فهل إنّهُم أبریاء؟ 
فكیف یجب أن نتعامَل مع هؤلاء المجرمین و ما الجزاء الذي یجب أن یؤخذ بنظر
الإعتبار؟  هل إنَّ الحكم بمجرّد عددٍ من
السنین في السجن یكفي لمعاقبتهم؟ هل یكفي سجنهم لمدّة خمسٍ سنوات أو عشر سنوات
عقابًا لهذه الجریمة؟ إنَّ العلماء و المفكرین لهم آراء و أنظار مختلفة لما یجب
معاقبة هؤلاء به!

هنالك من الناس من یرون أنَّ السجن یكفي لمعاقبتهم. و
مقابلاً لذلك الرأي هنالك من یرون أنَّ حكم الإعدام هو أجدر العقوبات لهؤلاء الذین
یرتكبون مثل هذه الجرائم و هنالك من یطرحون عقوبات أخری لها. و إنَّ ما في الإسلام
من أحكام تخصُّ هذه الجرائم هي وجوب الوقوف أمام هذه الجرائم التي یقوم بها
المتعمِّدین و ذلک لمنع إنتشارها و الإستخفاف بها.

و ما لا شك فیه هو أنَّ من إرتكب هذه الجریمة ممكن أن یرتكبها
مرّة أخری و یسلب أرواح أناسٍ آخرین  ، فمن
إرتكب جریمة القتل لأول مرّة یصبح قاسي القلب و كلّما إزداد إرتكابه لتلك الجریمة،
كلَّما إزداد قلبه قسوة حتی صارقلبه كالحجارة بل و أشدُّ قسوة، و لذلك فإنَّ للقصاص
في الإسلام حِكمةٌ عمیقة لمعاقبة هؤلاء المجرمین الذین هم خطرٌ یهدِّد تواجد الأمن
و الأمان في المجتمعات.

إنَّ ما في الأحكام الإسلامیّة فیما یخصُّ للمتعلِّقین و
ورثة المقتول هو أیضًا أنَّ لهم حق العفو عن المُخطئ الذي إرتكب جریمة القتل. و
لكن المهمٌّ هو أنَّ أمثال هؤلاء المجرمین یجب أن لا یُفسح لهم المجال بالإحساس
بالأمنیّة بالرغم من إرتكابهم تلك الجرائم البشیعة، إذ أنّه سوف یكونوا خطرًا
للأمن الإجتماعيّ و یفنون الرغد و السكینة الإجتماعیّة فیها. و ما نراه هو أنَّ
العقوبات الشدیدة التي في الإسلام لمرتكبي الجرائم، لیست إلّا لیحسّ المجرم بما
إرتكبه و لمنع وقوع هذه الكوارث التي یَسحقُ بها المُجرمون أهمّ حقوق الإنسان الذي
هو حقّ الحیاة تحت أقدامهم.

 و لذلك فإنَّ الله تبارك وتعالی یُبیِّن ذلك في
كلّ الشرائع السماویّة و ذلك بأخذه المیثاق من الإنسان أن لا یسفك دماء الآخرین من
الناس كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ إِذْ
أَخَذْنا ميثاقَكمْ لا تَسْفِكونَ دِماءَكمْ وَ لا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكمْ مِنْ
دِيارِكمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ »[1]

و الحقّ الآخر الذي هو مُدوَّنٌ للإنسان في المادّة
الثالثة من لائحة حقوق الإنسان هو « حقُّ الحرّیّة ». و قد تكلّمنا مسبقًا في
خُطَبِ  صلاة الجمعة الماضیة بالتفصیل عن
حقّ الحرّیّة و لكنّ ما یجب أن نذكره هنا أیضًا هو أنّ حقّ الحرّیّة في الإسلام
مبنيٌّ علی أساس الحِكمِ الإلهیّة و القیَم الإنسانیّة و فیها بیان أنَّ الحرّیّة
المطلقة من دون أيِّ قیدٍ و شرط یكون مضرًّا للإنسان.

إنَّ في الإسلام التأكید علی أنَّ ما ینتخبه الإنسان یجب
أن یكون مبنیًّا علی أساس الكرامة الأنسایّة و المعنویّات الأخلاقیّة و هذا ما لا یتوافَق
مع المخاطئ و المعاصي الفردیّة، و لو أنَّ محدودیة الخطایا والذنوب الفردیّة لا
تراجعها الأمور القضائیّة للإنسان المخطئ، فإنَّ الإنسان المخطئ یكون قد وقع
بالجهل و الإختیار الذاتي في الإنحراف و یكون قد أصبح محرومًا من المواهب و النعَم
الإلهیّة.

كما وعلاوة علی ما یراه العلماء المتخصِّصین في الأمور
الشرعیّة، فإنَّ الحرّیّة المطلقة لا تتوافق مع منطق العُقلاء و لایُجوِّزون أن یعمل
الإنسان ما یخطر علی باله من أعمال و خصوصًا حین یضرُّ بها الآخرین أو یُسَبِّب
الأذی لهم.

 و هذا مانراه في البند الثاني من المادّة
التاسعة و العشرین في لائحة حقوق الإنسان: « إنَّ لكلّ إنسان حقّ الإستفادة و
التمتُّع بحریّته و لكن فقط في نطاق المحدودیّات القانونیّة التي فیها أیضًا وجوب
معرفة حقوق الآخرین و مراعاة حرّیّتهم و المقتضیات الأخلاقیّة بالعدل و الأصول
الأخلاقیّة و الأنظمة العامّة التي قد تمَّ وضعُها لحفظ الرفاه للجمیع  في المجتمعات الدیمقراطیّة»

كما و جاء في البند الثالث من نفس المادّة: « إنَّ
الإستفادة من هذه الحقوق و الحرّیّات یجب أن لا یكون بأيِّ ضدٍّ و نقیضٍ للأهداف و
الأصول المدوّنة في قوانین الأمم المُتّحدة.»

و لذلك فإنَّ السجن یكون مُجازًا فیها كعقاب للوقوف أمام
التعدّیّات التي تُسَبِّب الأخطار للحرّیّات و تهدِّد العیش في رَغَدٍ و أمان في
المجتمعات و هكذا یتَّضح لنا أنَّ الحرِّیّة المطلقة من دون أيِّ قیدٍ وشرط، لم تكن
مدوّنة في أيِّ بلدٍ و لا في قوانین أيِّة حكومة من البلاد في كلّ العالم، كما وإنّنا نری بیانُ أنَّ الحرّیّة یجب أن لا تكون سببًا
لأذیّة الآخرین و قـَلَقِهیم في الحیاة.

 إنّنا نری في الإسلام علاوة علی ذلك بیانُ أمرٌ
آخَر ألا وهو أنَّ للإنسان أن یستفید من حقِّه في الحرّیّة الفردیّة، و لكن لا یدلُّ
ذلك علی أنّه یتوقّع أن یتواجه بالتحسین و التكریم لكلِّ عملٍ سیّئ یكون قد قام
به، بل إنَّه یَحرِم نفسه من الهدوء و السكینة الروحیّة حین یقوم بالأعمال التي هي
خلاف القوانین الإلهیّة في المجالات الفردیّة وما لا شك فیه هوَ أنّه سوف یتواجه
مع الكثیر من المشاكل النفسیّة من قبیل الكدورة و الغمّ و الهمّ و إحساسه بضیاع هویّته
الشخصیّة و خلوّ قلبه من المعنویّات بل و یحسُّ أنَّ قلبه میِّتٌ و هذه هي أسوأ
الأضرار التي یجلبها هو بذاته لنفسه.

و لذلك نری التحذیر من كلّ ذلك في القرآن الكریم في قوله
تعالی: « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ
وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ
عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ. » [2]

و هكذا نری التحذیر عن الخضوع العشوائي الذي لربّما یقوم
الإنسان طاعةً للهوی و الهوس و المیول النفسیّة و مخادع الشیطان الرجیم إذ أنَّ
التفریط في هذه الأمور یؤدّي بالإنسان إلی فقدان البصیرة في أعماله و بالنتیجة
فإنّه یَحرِم نفسه من القابلیّات للعمل في سبیل الحقّ و المسیر في سبیل الفلاح و
الصلاح و النجاة في الدنیا و الآخرة.

و أمّا الإنسان الذي یختار ما یعمله وفقًا للمباني و
الأسس الإلهیّة في القیم الأخلاقیّة و یلتزم بها، و یسعی للمسیر في حیاته نحو
الحقّ و التحرُّر من القیود و البنود التي هي تحدید لوجوده، فإنّه یكون قد إستمرَّ
في المسیر الحقیقيّ الذي أراده الله تبارك و تعالی للإنسان.  و هكذا تتبیّن لنا حقیقة الإرتباط بین الحیاة و الحرّیّة، إذ أنَّ التحَرُّر من الهوی و الهوس و النجاة من
الضلال، تؤدّي بالإنسان إلی مسیره في طریق الحیاة المعنویّة التي وضعها الله جلّ وعلا
له وینال بها الحرّیّة المعنویّة الحقیقیّة.

 و لذلك وجّه الرسول الأكرم المصطفی الأمجد أبو
القاسم محمّد ص خطابًا للمؤمنین في أخر یوم جمعة من شهر شعبان المبارك قائلاً: «
أیُّها الناس أنفُسَكُم مَرهونة بِأعمالِكُم فَفُكُّوها
بِإستِغفارِكُم.» [3]

و لذلك فإنَّ الحرّیّة الحقیقیّة من وجهة النظر الإسلامیّة
هي التحرُّر من قیود الذنوب و المعاصي و تَركِها و الإبتعاد عنها و التوجُّه إلی
المسیر نحو الإیمان و النجاة من كلّ نوعٍ من العبودیّة للآخرین و ذوق طعم الحرّیّة
كما نری بیان ذلك في قول أمیر المؤمنین ع  
« لا تَكن عَبدَ غَیرِك وَ قد جَعَلك اللهُ حُرٍّا
»

و هكذا یتبیّن لنا الإرتباط بین حقّ الحیاة و حقّ الأمنیّة،
إذ أنَّ الأمنیّة الحقیقیّة هژ التي یجب الحصول علیها لتحقیق الهدوء و السكینة
للإنسان في حیاته و یجب البحث عن ضرورة ما یجب أنَّ یتكئ الإنسان علی مصدرٍ للأمنِ
و الإطمئنان و هذا المصدر هو التوكل علی الله تبارك و تعالی و ذکره و شکره كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی « ألا بِذِكرِ الله تطمئِنُّ القُلوب »

 فلو إن إستطاع الإنسان أن یوثِّق إرتباطه بالله
العزیز القدیر ، سوف یحصل علی هذه الطمأنینة الذاتیّة بأكمل ما یمكن. و ما لا شك فیه
هو وجود الأمنیّة الإجتماعیّة من قبیل الأمنیّة الإقتصادیّة و الثقافیّة و السیاسیّة
و غیرها من الأمور علاوة علی الأمنیّة الشخصیّة و كلّها أمور تتواجد في التعالیم و
الأصول التي تخصّها في الإسلام فإنَّ الله جلّ وعلا قال في مُحکمِ کِتابِهِ المُبین
« ألیَومُ أکمَلتُ لَکُم دینَکُم . »

و في النتیجة نری أنَّ حقّ الحرّیّة و حقّ الأمنیّة
للإنسان من وجهة النظرالإسلامیّة لها إرتباطاتها الوثیقة و العمیقة فیما بینها من
ناحیة المعنویّات و المحتویات التي فیها.

و الحقیقة هي أنَّ الناس لایتمتّعون بحیاتهم الأصیلة ما
لم یعیشوا في محیط تسوده الحرّیّة المعنویّة الحقیقیّة والأمنیّة الروحیّة المبنیّة علی الأسس الوجودیّة و الأسس
المُعَرَّفة التي تهدي الإنسان إلی العیش في محیط تسوده الحرّیّة
المعنویّة و الأمنیّة الروحیّة.

و ما لا شکَّ فیه هو أنَّ هذه النظرة لا تتواجد في لائحة
حقوق الإنسان، بل إنَّ الحرّیّة و الأمنیّة التي تکون مبنیّة علی أساس النظرة
الهومانیستیّة ، إذ أنَّ حقّ الحیاة قد تمَّ تحلیله و دراسته وفقًا لهذه النظرة.  

نسأل الله تبارك و تعالی أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی
و العرفان و الأخلاق الحسنة و مراعاة حقوق الآخرین أیًّا ما كانوا و التوفیق
لطاعته و التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و لعباده الصالحین
والتعمُّق في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ و جلّ.                                                                     

       والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

[1] . بقره ، آیه 84.

[2] . جاثیه ، 23

[3] . بحارالانوار، ج 93، باب 46، ص 356 روایت 25.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment