صلاة الجمعة

الخطیب:
مقامة مِن قِبَل حجة الإسلام و المسلمین الترابي

01.05.2015بسم الله الرحمن الرحیم

 الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا
مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في
خلقه و لا شبيه لَهُ في عَظَمَتِه. وصلّی الله علی سيدّنا ونبيّنا محمّد صلّی الله
عليه وعلی آله الطیِّبین الطاهرين واصحابه المنتجبين. أیتها الأخوات و الإخوة
الأعزّاء، السلام علیكم و رحمة الله و بركاته. عبادالله، أُوصيكم و نفسي بتقوی
الله و اتّباع امره و نهیه.

المقدّمه: نبارك
لكم أیُّها الإخوة و الآخوات « میلاد الإمام علي علیه السلام » و هذا الیوم الذي
هو یوم المعلّم و حلول أیام شهر رجب المبارك 
و أیّام الإعتكاف و  یوم العامل
العالميّ.

كما و نقدِّم
تسلیاتنا إلی المصابین بكارثة حوادث الزلازل العظیمة في بلاد النِّپال و نرجو من
الله جلّ و علا أن یفرِّج الأوضاع لهم جمیعًا. قال الله تبارك و تعالی
في محكم كتابه المبین في الآیة 31 من سورة الإسراء:

«
وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ
وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءًا كَبِيرًا»

لقد تكلّمنا
في الخُطَب الماضیة عن البركات و الآثار الإیجابیّة التي یكسبها الإنسان عند حفظ كیان
العائلة و حسن التعامُل بین أفرادها و خصوصًا بین الزوج و الزوجة ، فرأینا أنَّ: اُولی البركات هي: أنَّ
العائلة السلیمة یسودها السعي لطاعة المولی العزیز القدیر و لكسب رضاه جلّ و علا
والفوز بالأجر المعنويّ. والبركة الثانیة هي: تَواجُد
الهدوء و السكینة والراحة الجسمیّة و الروحیّة بین أعضائها. والبركة الثالثة هي: ما تكلّمنا عنها و هي العائلة التي
تسودها المودّة و الرحمة و المحبّة السلیمة. والبركة
الرابعة هي: العفه و التزكیة النفسیّة و قد تكلّمنا عنها أیضًا.

وأمّا البركة الخامسة فلنتطرّق
الیوم الیها بعونه تعالی تحت عنوان «دور العائلة في ترویج العمل و تنشیط الإقتصاد»
و لنری ما هي آثار تشكیل العائلة علی الأمور الإجتماعیّة.  

المطلب
الأوّل:

هناک
احادیث کثیره بشأن العمل و العامل و قیم الانسانیه و الالهیه و نشیر الی بعضها:

قال رسول
الله صلی الله علیه و اله وسلم:

«خير الناس أنفعهم للناس» والحديث يشير إلى نفع
الناس أجمعين وليس نفع المسلمين فقط.

و قال: ما اكل احدا
طعاما قط خيرا من ان ياكل من عمل يده ،وان نبي الله داود كان ياكل من عمل يده

و فی الحدیث: مر على
النبي رجل ‏فرأى أصحاب رسول الله جلده ،فقالوا :لو كان هذا في سبيل الله؟فقال: إن
كان يسعى على ُولْده ‏صغاراً فهو في سبيل الله

و قال صلى الله عليه
وسلم : ” إن الله يحب إذا عمل أحد كم عملاً أن يتقنه

و ایضا: طَلَبُ
الحَلالِ فَرِیضَةٌ عَلَی کُلِّ مُسلِمٍ و مُسلِمَةٍ  جامع الاخبار، ص 389، حدیث 1079

و فی روایه غریبه: انَّ
مِنَ الذُّنُوبِ ذُنُوباً لا یُکَفِّرُها صَلاهٌ وَ لا صَدَقَهٌ، قِیلَ یا رسولَ
اللهِ فَما یُکَفِّرُها قالَ الهُمُومُ فی طَلَبِ المَعِیشَهِ مستدرک الوسائل، ج
13، ص 13

و قال الامام علی علیه
السلام:   آفَةُ النُّجْحِ الْکَسَلُ میزان
الحکمه، ج 11،ص 5184

مَنْ دَامَ کَسَلُهُ
خَابَ أَمَلُه

الامام الباقر علیه السلام:
 إیَّاکَ وَ الْکَسَلَ وَ الضَّجَرَ فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ
کُلِّ شَرٍّ میزان الحکمه، ج 11، ص5186

المطلب
الثانی

إنَّ العائلة تزید في
الرونق الإقتصاديّ و تكون من خیر العوامل المؤثِّرة في التولید و التزایُد في
النشاط الإقتصاديّ و الأمور المالیّة ونری في القرآن الكریم ما یخصُّ الأرزاق
للناس و العوائل في قوله تعالی « نَحنُ نَرزُقُكم وَإیّاهُم » و لكن لا
یعني ذلك أنَّ الأرزاق تنزل عن طرُق غیر عادیّة أو عن طریق المعجزات ، بل إنّها
تتیسّر للإنسان بالسعي لكسب رزقه وفقًا للجریانات والفعّالیّات الإقتصادیّة التي
تكون في نطاق تشكیل الكیان العائليّ و تولید النسل. و لذلك فإنَّ الإنسان الذي
یخاف أن یتزوّج بسبب ضعف حالته المالیّة، فإنَّه مخطئٌ من وجهة النظر للآیات التي
تخصُّ هذه الأمور في القرآن الكریم.

 ثمّ إنَّ إدارة الأعمال العائلیّة في البیت هو
من الأعمال المتعبة و یجب أن تُعَدّ من الأعمال الصعبة. و لذلك فإنَّ في الأصول
الإسلامیّة التي تنصُّ علی أنّه یجب علی الزوج أن یؤدّي النفقة و المصاریف
المنزلیّة وفقًا لشأن زوجته، سواءًا إن كانت الزوجة في حاجة إلی النفقة أم لا! كما
و أن الزوجة حین ترضع الطفل فلها حقّ طلب الأجور لذلك من زوجها وفقًا للأصول
الإسلامیّة! و لذلك فالجدیر بالفعل هو سَنّ القوانین التي تَؤَمِّن أداء تلك
الحقوق للمرأة  في كلّ البلدان. و ما نراه
هو أنَّ هذا هو حقُّ لا مردّ له للنساء ، إذ أنَّ أتعابهنَّ في البیت هي الشروط
التي تؤدّي للزوج الراحة في البیت و كسب الطاقة و النتیجة هي نشاط الزوج في مجال
العمل و المزید من الفعّالیّات الإجتماعیّة و توفیر الخیرات و نشرها في المجتمعات
و لذلك یجب أن یُعَدُّ لهنَّ الرواتب الشهریّة من الدولة كأجور للأعمال التي یقمن
بها في المنزل. و هنالك في ألمانیا رواتب للسیّدات اللاتي یرضعن الأطفال لبضع
سنین.

المطلب
الثالث

مِن وجهة النظر
الإسلامیّة یكون تقسیم النظام الماليّ في العائلة وفقًا للأعمال التي تخصُّ الرجال
و الأعمال التي تخصُّ النساء. و الحقیقة هي أنَّ في الإسلام وجوب أن لا یكون أيِّ
إنسان من دون عمل و لكن تقسیم أنواع الأعمال یجب أن یكون متناسبًا مع قابلیّات
الإنسان الذي تخصُّهُ تلك الأعمال. و لذلك فإنَّ الأعمال المنزلیّة من قبیل تهیئة
الفضاء العائليّ و حمایة الجوّ العائليّ و تربیة الأطفال تكون علی عاتق المرأة و
حین تسعی المرأة للحصول علی الأعمال المِهَنیّة، فإنَّ ذلك ما لا ضرورة له إلّا في
الحالات التي لا یوجد أيِّ حلٍّ آخَرٍ لها. و سنِّ هذا القانون یحفظ للنساء اللاتي
لسن في حاجة إلی القیام بالعمل في خارج المنزل كیانهنَّ لكي لا یبتعدن عن العائلة
و یَترُكنها وعندئذٍ یتلاشی الكیان العائليّ.

و كما
ذكرنا ذلك مرارًا هو أنَّ هنالك فرقٌ بین الحیاة في كرامة و بین مجرّد البقاء علی
قید الحیاة ، كما أن هنالك فرق بین الكتابة التي یكتبها الكاتب العاديّ و بین
الكتابة التي یكتبها الخطّاط. إنَّ الحیاة فنٌّ و أوج هذا الفنّ هو ما یتبلور في
الحیاة العائلیّة و عندئذٍ یری الإنسان تفسیر المعني العمیق الذي یكمن فیه.

و هكذا
نری أنَّ الحیاة هي أیضًا فنٌّ كباقي الفنون و لذلك یجب علی الإنسان أن یتعلّمها و
أنَّ القرآن الكریم و أهل بیت النبوّة المعصومین هم خیر المُعلِّمین لفنون قضاء
الحیاة في عِزٍّ و كرامة. و إنَّ تقسیم العمل في الحیاة الیومیّة یكون أیضًا فنٌّ
یجب علی الإنسان أن یتعلّمه.

إنَّ حیاة
عليِّ أمیر المؤمنین ع و فاطمة الزهراء سیّدة نساء العالمین ع و ما علّمهم
الرسول الأكرم صلی الله علیه و آله من تقسیم الأعمال فیما بینهم كان خیرأسوة
للعالمین فلنری في الخطَب المقبلة ما فیها من وصایا و تعالیم حَكیمة و ألطاف جلیّة
فإنَّهُم هم الذین كانوا و ما زالوا خیر أسوة  معلم للناس. 

و في
الختام أودُّ أن أهنئ كلّ العمّال  بهذا
الیوم الذي هو « یوم العامل » في أوّل شهر مایس و لا بأس أن نذكر هنا مقاطع
من كلام الإمام الخمیني ره في هذا الخصوص و هو الذي قال « إنّي أقَبِّل أیدي
العمّال و ذراعهم و أفتخر بذلك.» فیجب علینا أن نُكرِّم شخصیّة العامل كما و
یجب علینا أن لا نترك المجال لتسلُّط الصنائع و المكائن علی العمّال و یبقی
الإنسان بمرور الزمان من دون أيِّ عملٍ لیقوم به.

و یجب حفظ
كرامة الإنسان وحرمته في القوانین بصورة جامعة من وجهة النظر المادّیّة و
المعنویّة و أن لا یتغلّب الحرص علی الأموال و الثروات و المنافع علی الإنسان.
فیجب ضمان الحقّ للعمّال المسلمین في إمكانیّة تهیئة الفرصة من بضع دقائق لإقامة
الصلاة في المحلّ الذي یعملون فیه، أوأن تكون لهم إمكانیّة الصیام بسهولة في شهر
رمضان المبارك كما و یجب أن یُفسح المجال للنساء المسلمات أن یتستّرنَ بالحجاب و
الملابس التي هي وفقًا للتعالیم الإسلامیّة و أن لا یُحرَمنَ من العمل بمجرّد
كونهنَّ مسلمات محجّبات.   

نسأل الله تبارك و تعالی بما سأله به رسو الله صلی الله علیه و آله:

الهی امْنُنْ عَلَیْنَا بِالنَّشَاطِ وَ أَعِذْنَا مِنَ الْفَشَلِ وَ الْکَسَلِ
وَ الْعَجْزِ وَ الْعِلَلِ وَ الضَّرَرِ وَ الضَّجَرِ وَ
الْمَلَلِ. میزان الحکمه، ج11، ص5184

آمین یا ربِّ العالمین

                                                                                  
 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment