صلاة الجمعة

الخطیب:
مقامة مِن قِبَل حجة الإسلام و المسلمین الترابي

29.05.2015

بسم الله الرحمن
الرحیم

 الحمد لله ربّ العالمين الذی لا مُضادّ له في
مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه و لا شبيه
لَهُ في عَظَمَتِه. وصلّی الله علی سيدّنا ونبيّنا محمّد صلّی الله عليه و آله
الطیِّبین الطاهرين واصحابه المنتجبين. عبادالله، أُوصيكم و نفسي بتقوی الله و
اتّباع امره و نهیه. قال الله الحكیم فی محكم
كتابه المبین أعوذ بالله من الشیطان الرجیم: «وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ
نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى » 

  المقدّمه:
أیّها الإخوة و الأخوات أودَّ أن أُبارك لكم أوّلاً الأعیاد
الشعبانیّة؛ ثمّ نستمر في الموضوع الذي بدأناه في الخُطَبِ الماضیة فیما یخصُّ  البركات و الآثار الإیجابیّة فی تشکیل العائله
و حُسن التعامُل مع الزوجة. البركة الأولی: هي الفوز
برضوان الله تبارك و تعالی. البركة الثانیة: الطمأنینة
و السكینة الروحیّة و الجسمیّة. الثالثة: الموّدة
و الرحمة و مذاق المحبّة العشقیّة الزكیّة و  الرابعة العفّه و الخامسة: البركة في المهنة و الإقتصاد. و السادسة: نتطرّق
لها في هذه الخطبة، الا و هی « الدور الإیجابي للعائلة فی العباده».  و في بدایة الكلام أودُّ
أن أبیِّنَ لكم بأنَّ العبادة في الإسلام لها أجرٌ لا مثیل له. و إنَّ تشكیل
العائلة یؤدّي إلی التعمُّق في عبادة الباري جلّ وعلا، و لذلك فإنَّ إحدی البركات
التي في تشکیل العائلة هو التوسُّع في العبادة التي تکون الوسیلة في « الإرتقاء الكیفي و الكمّي في العبادة » و لذلك نری في سبیل المثال أنَّ: 

·        
عبادة الإنسان المتزوِّج
لها أجرٌ و جزاءٌ أكثر بكثیر عند بارئ الخلائق أجمعین تبارك و تعالی من عبادة
المجرّد و یكون دعاء المتأهِّل عندئذٍ أقرب بكثیر إلی الإستجابة.

·        
و أنَّ العائلة تجلب
المزید من البركات المعنویّة و العبادیّة كما نری مصداق ذلك ما قاله الإمام عليّ
بن أبیطالب علیه السلام في الیوم الذي تلا إلتحاقه بزوجته فاطمة الزهراء سلام الله
علیها في قوله: « نِعمَ العَون علی طاعةِ الله. »

·        
و حین
تتهیّأ الأرضیّة للدعاء الجمعيّ تکون هي ما تُزیدُ مَحبّة الجمع عند الله تبارك و
تعالی. 

المطلب الأوّل: معنی العبادة ومكانتها

إنَّ المعنی اللغويّ للعبادة
هو «  تذلُّل العبد و خضوعه أمام رّبه» و
معناها هنا القیام بالأعمال التي یسعی الإنسان بها كسب مرضاة الله تبارك و تعالی.
و لیعلم إنَّ العبادة هي من سُنَن كلِّ الأدیان بأيِّ نوعٍ و وسیلةٍ ما كانت، إذ
أنَّ العبادة هي الوسیلة الوحیدة لعقد الإرتباط بین العبد و المولی العزیز القدیر
سبحانه و تعالی و إنَّ أهمّ الأهداف التي فیها هو التقرُّب و التعرُّف بین الإنسان
و بین خالقه جلَّ و علا في كلّ أمور الحیاة.

و للعبادة
منزلة عالیة في الإسلام و لا إستثناء لأيِّ إنسانٍ لیكون معفوًّا عنها، إذ أنَّ
العبادة هي الدلیل للإنسان و فلسفة خلقته، فإنَّ لها آثارها في كلّ مجالات حیاة
الإنسان لکی تكون حیاته في مستویً ارقی، و كما نری بیان ذلك في سورة الذاریات في
قوله تعالی: « وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ 56 مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن
رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ 57

و العبادات قد تکون من
الواجبات و قد تکون من المستحبّات. فإنَّ العبد یستطیع أن یسعی للتقرُّب إلی بارئه
جلَّ و علا من بعد أن أّدّی واجباته بأداء المستحبّات أكثر فأكثر كما نری بیان ذلك
في الروایه: « وَ ما تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشيءٍ
أَحَبّ إِليَّ مِمَّا افْتَرضْتُ عَليْه، وما يَزالُ عَبْدي يَتَقَرَّبُ إِليَّ
بِالنَّوَافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإِذا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي
يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِها،
وَرِجْلَهُ الَّتي يَمْشي بِها، وإِنْ سَأَلني لأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ
اسْتَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ، وما تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيءٍ أَنا فَاعِلُهُ
تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ، وَأَنَا أَكْرَهُ
مَسَاءَتَه.» و من أهمّ
الشروط للقیام بالعبادة هي الإخلاص و تجنُّب الشرک، كما نری بیان ذلك في سورة
الكهف في الآیة الأخیرة في قوله تعالی: « . . فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا. »

المطلب الثانی: ذکر بعض العبادات فی العائلة 

ألف الصلاة و الدعاء في العائلة: إنَّ الصلاة هي من أهمّ العبادات الیومیّة كما نری بیان
ذلك في القرآن الكریم في قوله تعالی: « وَأْمُرْ
أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ
نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ». و فی الروایه ات التي فیها تقاریر عن زمان صدر الإسلام أنَّ الرسول الأكرم صلی
الله علیه و آله کان یقیم الصلاة و كانت أمّ المؤمنین خدیجة الكبری و أمیر
المؤمنین علیهما السلام یقفون خلفه و یقتدون به في صلاتهم. و هنالک  الكثیر من التعالیم الجدیرة بالمطالعة لأخذ
العبرة منها.

ب تلاوة القرآن الكریم: إنَّ تلاوة القرآن الكریم في المحیط العائلي هو من خیر العبادات التي یمكن
القیام بها و لها آثارها الجمیلة علی أفرادها كما نری بیان ذلک في الحدیث الشریف
للرسول الأكرم صلّی الله علیه و اله « نوّروا بیوتكم
بتلاوة القرآن » .

ج الصیام العائلی: الصوم هو أیضًا من أفضل العبادات و حینما یُقام في المحیط العائليّ، یُبرِز
المعنویّات اکثر و اکثر، منها:

ـ انّ أفراد العائلة یقومون في الأسحار مع بعضهم راجین فیها كسب مرضاة الله
تبارك و تعالی، 

ـ انهم یقومون بأداء العبادات و یتوجّهون بالدعاء بجمعهم و یقومون بالعبادت
و الدعاء للأقرباء و أفراد العائلة؛

ـ انهم یمتنعون عن الأكل و الشرب من شروق الفجر
إلی غروب الشمس و . . . و بتمارسون للاخلاق الالهی، کما جاء في روایة عن الإمام
الصادق علیه السلام ما محتواه: « فإعلموا أنَّ الصیام لیس
مجرّد الإمتناع عن الأكل و الشرب ، بل و حین تكونون صائمین یجب أن تحفظوا ألسنتكم
عن الكذب و تغضّوا أعینكم عن الحرام و أن لا تتنازعوا فیما بینكم و أن لا تغضبوا
علی الآخرین و لا تحسدوا غیركم و لا یغتب بعضكم بعضًا ولا تتجادلوا و لا تكذبوا و
لا یخالف بعضكم بعضًا و لا تغضبوا علی أحدٍ و لا تشتموا الآخرین و لا یؤذّي بعضكم
بعضًا و لا تظلموا أحدًا و لا یؤذي أحدكم أحدًا و أن لا تغفلوا عن ذكر الله جلّ و
علا و عن الصلاة.»

المطلب الثالث:  تأثیر العبادت علی سعادة العائلة 

إنَّ
من التأثیرات الإیجابيّة للعبادة علی سعادة العائلة هي كما یلي:  

ألف البعد
الفكريّ: إنَّ العبادة تجلب التوسعة في الحیاة الدنیا و توسِّع نظرة الإنسان
إلی أوسع الحدود و تخرجه من المضایق المالیّة و الظلمات و التزاحُم في الأمور
المادّیّة الدنیویّة. و عندئذٍ تتعمّق حیاة الزوج و الزوجة في المعنویّات و هذا هو
ما یستوجب الإستحكام و الثبات في كنه العلاقات العائلیّة.

باء   البعد الأخلاقيّ: و التی تظهر فی اربع
مجالات، هی: الأخلاق الفرديّة، الأخلاق الإجتماعيّة، الأخلاق
العائليّة و الأخلاق العبوديّة. إنَّ  العبادة
تؤثّر فی الأخلاق العبوديّة و هي التي تكون منشأ الأمور للقیَم
الأخلاقیّة التي تتكوّن بواسطتها الإرتباط بین العبد و بین المولی الخالق جلّ و
علا و لها تأثیرها علی الأقسام الثلاثة الأخری المذکورة.

ج البعد العملي: إنَّ العبادة تؤدّي إلی المزید من التوافق بین أفراد العائلة. و علاوة علی
ذلك تزوِّد الإنسان بالمزید من الهدوء و السكینة في مجال الأعمال، إذ أنّ العبادة
هي ما یتقرّب الإنسان بها إلی الله تبارك و تعالی و بها یستطیع أن یدیر أمور حیاته
و یتحمّل المصاعب بالمزید من الصبر و الدرایة و التدبیر الحسن.

هنالك من البحوث العلمیّة التي إكتُشِفَ بها أنَّ الذین كانوا قد قضوا فترة
طویلة من العمر معًا، قد جعلوا السلوك و الأعمال الدینیّة من أهم ما یستندون علیها
في تصرُّفاتهم ، فهؤلاء هم الذین رأوا أنَّ التصرُّفات الدینیّة هي من أهم العوامل
التي كانت أساسًا للحیاة الزوجیّة السعیدة و أنَّ
التصرُّفات مع بعضهم كانت وفقًا للتعالیم الدینیّة و كانت من أكثر العوامل التي
حفظت لهم العلاقة الزوجیّة في ثباتٍ و صلاحٍ و سلام. فإنَّ القیام
بالعبادات في المحیط العائليّ یقوّي المعنویّات و الإرتباطات بین أعضائها و
یقرّبهم و یوثِّق العلاقات و الأُلف و المحبّة فیما بینهم.  

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment