صلاة الجمعة

    الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني26.06.2015

     /inc/uploads/archive/244/Image/Articles/1393/7/4/a72113ba48d7431982a734bff3d38e58.gifبسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

حین درسنا في الخُطَب الماضیة المادّة السادسة عشر من الإعلامیّة
العالمیّة لحقوق الإنسان و ما یخصُّ حقوق المرأة و كیان العائلة فیها، إتّضح لنا
بأنّ العائلة هي الكانون المقدّس و الحَجَر الأساسي لبناء المجتمع، ولذلك فیجب
ضمان حفظ كرامة الرجل والمرأة في الحیاة الزوجیّة لتنظیم المجتمعات و ما لاشك فیه
هو أنَّ التوصُّل إلی المكانة المناسبة للعائلة في المجتمع لایمکن أن یکون إلّا
بحفظ كلّ الحقوق المتقابلة بین الرجل و المرأة في نطاق الأخلاق الحسنة و المكانة
الجدیرة بها. و هذه النظرة هي التي تُیَسِّر للعائلة التمتُّع بالتزكیة المَعنویّة
و بصمیم المحبّة المتبادلة بین أعضائها والعیش في 
صفاء و رغد.

إنَّ الزوج و الزوجة یتشاركون في الحیاة و لذلک یجب أن یسعی فیها
کلٌّ منهم للتوصُّل إلی الرُّشد و التكامُل في الحیاة و تربیة ذریّتهم علی أساس
القیَم الإنسانیّة و السیر نحو الأهداف العالیة في الخلقة بالأخلاق الحسنة و التربیة
الصحیحة. و الإهتمام بهذه الأمور ضروریٌّ جدًّا في الأنظمة الإجتماعیّة للوالدین و
للمربّین، إذ لو لم یهتمّوا بتحقیقها، فسوف تنحرم المجتمعات الإنسانیّة من الأمنیّة
و الإطمئنان في الحیاة و عندئذٍ ینتشر القلق في كلّ مجالات الحیاة الإحتماعیّة.

و من الأمور المُهمّة في هذا المجال هو وجوب الحصول علی جوابٍ
للسؤالُ المطروح الذي هو أنّه كیف یمكن أن تُحفَظ العائلة التي هي الركن الأساسيّ
في كیان المجتمع و ما هي القوانین و الضوابط التي یجب مراعاتها لكي یتیسّر للعائلة
إیفاء دورها في مجری الحیاة الإجتماعیّة ؟ أي بتعبیر آخَر كیف یمكن تربیة و تشكیل
العائلة السلیمة بصورة متینة و بناءًا علی أِّیّةٍ من القیَم الإنسانیّة و التعالیم
الإلهیّة ؟  

إنَّ تنظیم العائلة یجب أن یتمّ بالإستناد علی الأصول التربویّة و
ذلك في كلّ الأبعاد مثل تربیة الأولاد و مراعاة كلّ حقوق العائلة و تنظیم نوع
الإرتباطات العائلیّة مع المجتمع و معرفة الحقوق المتقابلة بین أعضاء العائلة و
مراعاة الأصول الأخلاقیّة و القیَم الإنسانیّة و كیفیّة تعمیق الروابط العاطفیّة بین
الجمیع و هلمّ جرّا.

ولكن و مع الأسف الشدید نری في عصرنا هذا أنَّ الكثیر من المغرضین
یسعون لنشر الإرتباك بین أعضاء العائلة و ذلک هو ما یؤدّي إلی التلاشي في النظام
العائليّ و النتیجة هي ما نراها في الإنفصال بین الوالدین و الأبناء و البنات و
ذلك ما یؤدّي إلی مسخ العواطف و إنتشار التشتُّت بین أعضائها و إنیهار بنیان
العائلة و كثرة الطلاق. و لهذا نری في الإسلام وصایا و تعالیم بل و الكثیر من
الواجبات التي هي لحفظ كیان العائلة فلنری البعض منها مثل: إنَّ في الإسلام التأكید الحثیث علی تشكیل العائلة وفیه بیان أهمّیّة
الإزدواج و الأصول الإلهیّة للتربیة و الآثار التي تؤدّي إلی السكینة و الطمأنینة
الروحیّة و النفسیّة و فیه القواعد و الأصول التي هي الأساس للتثبیت و تقویة الكیان
العائلي. كما
و إنَّ في الإسلام التعالیم و الوصایا لیتجنُّب الرجال و النساء عن الحیاة في عزلة
و إنفراد من دون الإزدواج إذ أنَّ حفظ الإیمان و تقویته تكون مبنیّة علی أساس تشكیل
العائلة كما نری ذلك في البیانات التي محتواها أن : « لیس
في الإسلام ما هو أحبُّ إلی الله من الزواج »[1]و في
بیان آخر « تزوّجوا فإنَّ ذلك یجلب
البركة في الرزق »[2] « من تجنّب عن الإزدواج بسبب خوفه عن المضیقة في رزقه، فإنَّه
أساء الظنّ إلی الله إذ أنَّ الله تبارك وتعالی قال إن كانوا فقراء فإنَّني سوف
أغنیهُم بفضلي »[3]

كما و هنالك التعالیم الأخری التي فیها التأكید الشدید علی إثبات
كیان العائلة و أن یكون مَدارُهُ مَبنیًّا علی أساس المداراة و حسن الأخلاق و
التوسُّم بالصبر و السُّلوان و سیطرة الإنسان علی نفسه عند الغضب و الوقوف أمام
كلّ ما یؤدّي إلی التعامُل بالخشونة، بل یجب العمل بالوصایا الحسنة للإعتماد فیما
بین أعضاء العائلة و التجنُّب عن سوء الظنّ تجاه الآخرین و إیجاد التوازُن في
التصرُّفات معهم لإیجاد المحیط السلیم في الحیاة العائلیّة. و للتوصُّل إلی هذا
المحیط السلیم في العائلة هنالك الكثیر من التعالیم في الإسلام لتحقیقها و خصوصًا
فیما یخصُّ إنتخاب الوالدین الزوجة المناسبة للإبن أو الزوج المناسب للبنت و كذلك
الأمر فیما یخصُّ دور الأب و الأمّ في تربیة ذریّتهم كما و فیه التوجیه للأم و دورها
المؤثِّر في تربیة الأولاد و البنات مع التأكید علی حفظ مكانة المرأة و التوصیات
لحفظ النموّ الجسميّ و النفسيّ للذریّة و الكثیر من الأمور الأخری.

و هنالك مسألة مهمّة أخری یجب الكلام عنها، ألا وهي أنَّ في
الإسلام تقسیم المسؤلیّات التي علی عاتق الرجل و المرأة بصورة عادلة لکي تکون
لكلٍّ منهم علی وسعته و قابلیّاته. و لكن مع الأسف نری أنَّ من الناس من لا یقیمون
أيِّ وزنٍ لهذه الأسس و ذلك بسبب جهلهم و عدم معرفتهم لهذه التعالیم الحكیمة أو
بسبب معاندتهم و رغبتهم في مخالفة التعالیم الإسلامیّة و لذلک یُصِرّون علی تحمیل
المرأة بأمور لا علاقة لها بمكانة المرأة في الأصول الإسلامیّة أبدًا.

و قد إتّضح لنا في الخُطَب الماضیة بأنَّ المرأة لها مکانتها العلیا
في الإسلام کا نری ذلک في الکثیر من الآیات في القرآن الکریم و حتّی هنالک سورة
بإسم «سورة النساء» و أخری هي « سورة مریم ع » و لذلک فلا یصحُّ أبدًا إن یُقال
أنَّ مکانة المرأة أقلُّ من مکانة الرجل في الإسلام، بل إنَّ في الإسلام أجمل و
أکمل الدفاع عن حقوق المرأة و مکانتها في المجتمع و من أراد أن یقتنع بهذه الحقائق
فلینظر بالتمعُّن إلی الآیات التي تخصُّ هذا الأمر في القرآن و الأحادیث و الروایات
الکثیرة ولذلک فإنَّ الذین یبدأون بالکلام عن قلّة مکانة المرأة في الإسلام، فلیس
المحفِّز لهذه النظرة عندهم هو محبّتهم للنساءَ.

و في النتیجة یجب أن نعلم بأنَّ من الناس من هم یتباهلون بالدفاع
عن حقوق المرأة کوسیلة للتوصُّل إلی أهدافهم و أغراضهم و نری الیوم أنَّه في
العشرات الأخیرة من السنین بدأ فیها الکلام عن حقّ المرأة للمالکیّة و مشارکتها في
الأمور السیاسیّة و الإجتماعیّة و إعطائها حقّ الرأي في الإنتخابات لها وهَلُمَّ
جَرّا . . . في بعض القوانین الإجتماعیّة ، في حین أنَّ في الإسلام ضمانٌ لکلّ هذه
الموارد و الکثیر من الحقوق الأخری التي نراها في القرآن الکریم و الأحادیث و
الروایات عن الأئمّة المعصومین «علیهم السلام» للمرأة و الدفاع عن شخصیّة المرأة و
کرامتها و مکانتها في المجتمع.

و ما لاشکَّ فیه هو أنَّ في الإسلام التأکید الحثیث علی مکانة
المرأة في المجتمعات، فإنَّ النساء و الأُمَّهات لهنَّ دورهنَّ المهمّ في حفظ کیان
المجتمع و دورهنَّ في تقدُّم الحضارة ومشارکتهنَّ في المجالات الإجتماعیّة والسیاسیّة.
کما و أنَّ فیه التأکید علی إحترام مکانتها و دورها المهمّ في رشد المجتمعات و
نموّها بدایة من الحمل و الرضاع و تربیة الأطفال و هي من أهمّ الأمور التي تؤدّیه
النساء من خدمات لامثیل و لابدیل لها في المجتمعات الإنسانیّة، علاوة علی المشاغل
المهمّة الأخری التي یَقُمنَ بها. و حین نتمعّن في الخصائص العاطفیّة و غرائز المرأة ، فإنّهُنَّ یرون
أنَّ أهمّ المسؤلیّات التي علی عاتقهنّ هي تربیة الأطفال و لکن مع ذلک یَقُمنَ
بالکثیر من الأعمال الأخری من قبیل إدارة الأمور المنزلیّة التي هي أیضًا من
المسؤلیّات الکبار التي تتحمّلها النساء. إنَّ المسؤلیّات الإقتصادیّة و ما یدور
خارج المنزل یکون علی عاتق الرجال و لکن یُستحسَن أن یتساهم الرجل أیضًا في إعانة
زوجته  في المنزل. فإنَّ هذا التعاوُن هو
من العوامل التي تؤدّي إلی کون الحیاة في الجوّ العائلي في رغدٍ و أمان وصفاءٍ
وحنان و من العوامل التي تجعل الحیاة العائليّ من الأرکان الأساسیّة في کیان
المجتمعات.

نسأل الله تبارك و تعالی أن
یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی والعرفان والأخلاق الحسنة ومراعاة حقوق الآخرین أیًّا
ما كانوا و التوفیق لطاعته والتوجّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ له و
لعباده الصالحین والتعمُّق في الإیمان به و العمل الصالح في سبیله عزّ وجلّ.

                                                                                                      والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

[1] . وسائل الشیعه، ج: 20،
ص: 14، ح: 24901

[2] . وسائل الشیعه، ج: 20،
ص: 15، ح: 24902

[3] . وسائل الشیعه، ج: 20،
ص: 42، ح: 24983

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment