صلاة الجمعة

  الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني10.07.2015

     /inc/uploads/archive/244/Image/Articles/1393/7/4/a72113ba48d7431982a734bff3d38e58.gif

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

أبدأ
كلامي الیوم بالتسلیة لكلّ المسلمین وكلّ الأحرار في المجتمعات الإنسانیّة
بالمأساة العظیمة التي تملأ قلوبنا بالحزن و الأسف بمناسبة وفاة أمیر المؤمنین
وصيِّ رسول العالمین و إبن عمّه عليّ بن أبیطالب ع و نسأل الله تبارك وتعالی التوفیق
لمعرفته بكلّ ما في وسعنا.

إنَّ أمیرالمؤمنین عليّ بن أبیطالب ع هوالذي ربّاه سیّد
الأنبیاء و المرسلین المصطفی الأمجد أبو القاسم محمّد ص . و قد توصِّل ذلك الإنسان العظیم إلی أعلی
درجات الإیمان بالله تبارك و تعالی بل و بدرجة أعلی من ذلك أي إلی الیقین به عزّ و
جلّ، كما نری بیان ذلك في قوله ع «إِنِّي‏ لَعَلَى‏ يَقِينٍ‏ مِنْ رَبِّي وَ
غَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ أَمْرِي‏» [1] و في بیاناتٌ أخری قال فیها
ع : «مَا شَكَكتُ‏ فِي الحَقِّ مُنذُ رَأيتُه» [2]
«مَا أَنكَرْتُ‏ اللَّهَ تَعَالَی مْذُ عَرَفتُه‏ » [3] « لَوْ كُشِفَ الغِطَاءُ مَا إزْدَدْتُ‏ يَقِيناً » [4]

و هكذا نری أنّه كان یعبد الله تبارك و تعالی
بأعلی درجات الیقین ، حیث أنَّه كان یری
الله جلَّ و علا بعین الیقین في قلبه السلیم الخالي من أِّيِّ شك أثناء العبادة بل
و لم یكن لیغفلَ حتی و لو لطرفة عینٍ عن ذكره و شكره و التسبیح بحمده.

 و من جملة أقواله ع «ما رأيت
شيئا الّا رأيت‏ اللَّه‏ قبلَهُ وَ مَعَه وَ فیه» [5]
وقد سأله أحدٌ قائلاً «هَلْ‏ رَأَيْتَ‏ رَبَّكَ‏؟» قال في الجواب:
«لَا تُدْرِكُهُ العُيُونُ بِمُشَاهَدَةِ العَيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ
القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيْرَ مُلَابِسٍ
بَعِيدٌ مِنهَا غَيْرَ مُبَايِن.» [6]

فإنَّ عبادته كانت عبادة الأحرار العارفین الموقنین الذین یعبدونه من صمیم
القلب و یعلمون أنَّه تبارك و تعالی هو الذي ینوِّر القلوب و لا تعزب عنه صغیرة و
لا كبیرة . [7] و
ذلك ما نراه في قوله ع مُخاطبًا الباري جلّ و علا « مَا عَبَدْتُكَ‏ خَوْفاً
مِنْ نَارِكَ وَ لَا شَوْقاً إِلَى جَنَّتِكَ وَ لَكِنْ رَأَيْتُكَ أَهْلًا
لِلعِبَادَةِ فَعَبَدْتُك‏ »؛ [8]

و من أقواله الملیئة بالحكمة و العرفان قوله ع «ما رأيت شيئا الا
رأيت‏ اللَّه‏ قبله و معه وفیه » [9]
و قال في جواب الذين سألوه « هَلْ‏ رَأَيْتَ‏ رَبَّكَ‏»؟  قال في الجواب: «لَا تُدْرِكُهُ العُيُونُ
بِمُشَاهَدَةِ العِيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ القُلُوبُ بِحَقَائِقِ الإِيمَانِ
قَرِيبٌ مِنَ الأَشيَاءِ غَيْرَ مُلَامِسٍ بَعِيدٌ مِنهَا غَيْرَ مُبَايِن»؛ [10]

إنَّ إخلاصه في العبادة ع كان في أعلی الدرجات و ذلك ما نراه في قوله : «بِالإِخلَاصِ‏
يَكُونُ‏ الخَلَاصُ‏»؛ [11]
و قد عرّف الإخلاص للباري عزّ و جلّ في قوله ع « المُؤْمِنُ‏ مَنْ‏ كَانَ‏
حُبُّهُ لِلَّهِ وَ بُغضُهُ لِلَّهِ وَ أَخذُهُ لِلَّهِ وَ تَرْكُهُ لِلَّه » [12]  أي أنَّ المؤمن هو الذي یحبُّ ما یحبُّ الله و
یبغض ما یُبغضُ الله و یأخذ ما یحبُّ الله أخذه و یترك ما یحبُّ الله أن تركه.

و من مظاهر إخلاصه و محبّته للمولی العزیز الرؤف كان لطفه و محبّته لزوجته
سیّدة نساء العالنین فاطمة الزهراء ع و أبنائه الكرَماء الحسن و الحسین ع
سیّدي شباب أهل الجنّة ، هم الذین أطعموا ما كانوا قد هیّأوه لإفطارهم مسكینًا
جائعًا قد طرق بابهُم في یومٍ و ثمَّ یومًا بعد ذلك قدّموا إفطارهم إلی یتیمٍ و في
الیوم الثالث إلی أسیرٍ و عندئذٍ نزلت سورة الإنسان المباركة و فیها ما جاء في
قوله تعالی: « وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ
عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً 8 »

إنّه كان ع خیر النماذج للأخلاق الحسنة و قال أنَّ « حُسْنُ‏
الخُلُقِ‏ يُورِثُ‏ المَحَبَّةَ وَ يُؤَكِّدُ المَوَدَّة » و في روایة أخری عن
قوله ع   « و عليك بحُسن الخُلقِ
فإنَّهُ يكسبك المَحَبّة » [13]

و كان ع هو و زوجته فاطمة الزهراء سیّدة نساء العالمین ع متشابهَین في كونهم خیر
أسوة للأخلاق الحسنة لدرجة لا مثیل لها إلّا في زمرتهم و كانت المودّة المتقابلة
فیما بینهما ملیئة بالتوافق في الحسنات و تقدیرُ كلٌّ منهم للآخر بأعلی الدرجات و
كان ع یقول فیما یخصُّ زوجته ما محتواه: « أُقسِمُ بالله لم أُكرِهها للقیام
بأيِّ عملٍ و لم أسبِّب لها الأذی و لا أن عملتُ ما یثیر غضبها عليَّ إلی أن دعاها
الله تبارك و تعالی إلیه جلّ و علا. و لا أن سبَّبَت لي الأذی حتی  لذرّة و لا أن خالفت لي رجاءً و حین كنت أنظر
إلی وجهها الكریم كان یزول عنّي كلّ غمٍّ و همٍّ و كدورة و حزنٍ» [14] وأمّا ما یخصُّ التعامُل مع الزوجة فإنّه قال ما
محتواه:«لا تظلموا نساءكم ولا تحرموهنَّ من حقوقهنَّ.» [15]

إنّه ع قد أدّی ما كان علی عاتقه من
الواجبات فیمایخصُّ تربیة الأولاد بأحسن ماكان وفقًا للتعالیم التي هي في القرآن الكریم وقال فیمایخصُّ تربیة
الأولاد والبنات علی حدٍّ سواء«لاتُؤدِّبوا أولادَكم‏ على آدابِكُم فإنَّهُم
مَخلُوقُونَ لِزمَانٍ غير زمانِكُم‏» [16]       

كما و أنّ أمیرالمومنین ع وصّی
كلّ إنسان للتعامُل مع الآخرین بالإحسان و الإحترام لحفظ كرامتهم كما نری بیان ذلك
في وصیّته لمالك الأشتر قال فیها : « وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ
لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ
سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ‏ صِنفَانِ‏ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَ
إِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ »؛[17]

ومن وصية له للحسن والحسين عليهم السلام لما ضربه ابن ملجم ـ لعنه الله ـ
قال فیها : « أوصِيكُمَا بِتَقْوَى اللهِ، وَأنْ لاَ تَبْغِيَا
الدُّنْيَا وَإِنْ بَغَتْكُمَا
وَلاَ تَأْسَفَا عَلَى شَيْء مِنْهَا زُوِيَ عَنْكُمَا، وَقُولاَ
بِالْحَقِّ وَاعْمَلاَ لِلأجْرِ وَكُونَا لِلظَّالِمِ خَصْماً وَ لِلْمَظْلُومِ
عَوْناً.»

نسأل
الله تبارك و تعالی التوفیق لمعرفة حُرمَةِ
القوانین الإلهیّة و معرفة رسوله و الأئمّة المیامین و أن نعمل بوصایاهُم في
المحیط العائلي و أن یرحمنا جمیعًا و أن یحفظ عوائلنا بلطفه منّه تبارک و تعالی. و
أن یمنَّ علینا بالتوفیق للإیفاء بالعهود
الإلهیّة طوال الحیاة و أن یمُنَّ علینا جمیعًا بالهدی و التوفیق لطاعته و
التوجـُّه إلیه جلَّ وعلا بقلبٍ سلیم ملیئٌ بالحبّ والإیمان له تبارك و تعالی و
لرسوله الكریم و الأئمّة المیامین من أهل بیته ص و العمل الصالح في سبیل الله
جلّ و علا.

                                                                                                      والسلام
علیكم و رحمة الله و بركاته

[1] . نهج البلاغه، خطبه22.

[2] .
نفس المصدر، خطبه، 4.

[3] .
تميمى آمدى، عبد الواحد بن محمد، غرر الحِكم و درر الكلم‏، ص684، تحقیق السيد مهدى
الرجائى، قم، ‏ دار الكتاب الإسلامي‏، الجزء الثاني،1410ق.

[4] .
ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج7،
ص253، تحقیق، محمد ابوالفضل ابراهيم، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، الجزء الأول،
1404ق. و التمیمی الآمدی، نفس المصدر، ص566.

[5]. صدر الدين الشيرازى، محمد بن ابراهيم، شرح أصول الكافي صدرا ،
ج3، ص432، تحقیق محمد الخواجوى، طهران‏، مؤسسه المطالعات و التحقيقات الحضاریّة‏،
الجزء الأول،1383ش‏.

[6] . نهج البلاغة، الخطبة ، 179.

[7] . ابن ابی الحدید، نفس المصدر، ج10، ص157.

 

[8]. علامه حلى، حسن بن يوسف، نهج الحقّ و كشف الصدق‏، ص248، بیروت،
دار الكتاب اللبناني‏، ج اول،1982م‏.

[9]. صدر الدين شيرازى، محمد بن ابراهيم، شرح أصول الكافي صدرا ، ج3،
ص432، تحقیق محمد الخواجوى، طهران‏، مؤسسة المطالعات و التحقيقات الثقافیّة‏،
الجزء الأوّل،1383ش‏.

[10] . نهج البلاغه، خطبة، 179.

[11]. الشيخ حر العاملى، محمد بن حسن‏، وسائل الشيعة، ج1، ص59، مدینة
قم في إیران، مؤسسة آل البيت عليهم السلام‏، ج اول، 1409ق‏.

[12] . تميمى الآمدي، نفس المصدر، ص93.

[13]. آمدی، نفس
المصدر ،
ص443.

[14] . مجلسی، بحارالانوار، ج43، ص31. وفقًا للنسخ
الخطّیّة

[15]. نفس المصدر ، ج77، ص407. وفقًا
للنسخ الخطّیّة

[16]. ابن ابی الحدید، ج20، ص267.

[17]. نهج البلاغه، نامه53.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment