صلاة الجمعة

                      الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة الله
الدكتور رضا الرمضاني17.07.2015

     /inc/uploads/archive/244/Image/Articles/1393/7/4/a72113ba48d7431982a734bff3d38e58.gif  بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في
أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.
 

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه .

نستمرَّ الیوم في كلامنا عن النصوص
التي مدوّنة في نشریّة حقوق الإنسان فلنری ما فیها من ذكر ما لاشك و لاجدال فیما
یخصُّ بنودها ونصوصها. ومنها حرّیّة الفكر وحرّیّة الدین والعقیدة والمذهب وحرّیّة
البیان وحقّ المشاركة في الأمور الإجتماعیّة و السیاسیّة و الثقافیّة وحقّ
الحصول علی العمل و حقّ الدفاع عن المنافع الشخصیّة تجاه الآخرین وحقّ التعلیم و
التربیة و حق الدفاع عن الأمور المعنویّة و المادّیّة و الآثار العلمیّة و الثقافیّة
و الفنّیّة و غیرها من الحقوق التي تخصُّ الإنسان في
حیاته.     

إنَّ كلّ حقٍّ یخصُّ الأبعاد
الوجودیّة للإنسان هو حقٌّ مضمونٌ للإنسان في الإسلام كما و أنَّ فیه التأكید
الحثیث علی الأمور التربویّة في مختلف الأبعاد الوجودیّة للإنسان من ناحیة أخری. و
لذلك فأین ما یُذكرُ حقٌّ یخصُّ كرامة الإنسان و حیاته المادّیّة و المعنویّة، نری
في الإسلام ضمانته و الدفاع عنه، و كلَّ ما یؤدّي بالإنسان إلی الإنحراف عن مسیره
في طریق الحقّ و تؤدّي به إلی الإنحراف عن مسیره في الرشد و التكامُل فهو ممنوعٌ
في الإسلام.  

و في سبیل المثال نری أنَّهُ لاتوجد
هنالك حرّیّة مطلقة للإنسان في
الإسلام، أي بمعنی أنّهُ لا یُسمَح للإنسان أن یعمل مایشاء من المفاسد و یتعدّی علی من یشاء،
فإنَّ حرِّیّة كل إنسان تنتهي عندما تبدأ حدود حرّیّة الآخرین و النتیجة من عدم
الإلتزام بالتعالیم هي إنحراف الإنسان عن المسیر في النطاق المعقول في الحیاة و
إبتعاده عن الغرض الذي خلقه الله تبارك و تعالی له.  

إنّنا نری وفقًا للأدلّة و
البراهین العقلیّة و النقلیّة التي تخصُّ الإنسان هي أنّه موجود و مخلوقٌ وَضَعَهُ
الله جلَّ و علا في المكانة العلیا في الكون و أنّه قد خُلِقَ لغرضٍ مُهمٍّ جدًّا
و هذا الغرض یكمن في الصفات و القابلیّات العالیة في خلقة الإنسان و لذلك یجب
مراعاتها و العمل بها في كلّ الأمور الحقوقیّة التي تخصُّ الإنسان.

و لهذا نری أنَّ ما دُوِّنَ في
إعلامیّة حقوق الإنسان المصوّبة في تأریخ 14 محرم 1411 القمري الموافق لتأریخ 5 آب 1990 المیلاديّ فیه
أیضًا هذه الأمور التي یجب أن یتمّ العمل بها و التعامُل بین الناس وفقًا لها، إذ
أنَّ مقدّمة الإعلامیّة فیها موضوع الإیمان بالله عزّ و جلّ في حیاة الإنسان
كموضوع عقائديّ مهمّ و أنَّ الله تبارك و تعالی قد بعث خاتم الأنبیاء و المرسلین المصطفی الأمجد أبوا القاسم محمّد ص لهدایة
البشریّة و رحمة للعالمین و لینجّيهم من كلّ سوءٍ وضلال و لمحو الطاغوت من صفحة
تأریخ الحیاة الإنسانیّة.     

فللتوصُّل إلی تحقیق نظامٍ
توحیديٍّ و نیال السعادة لعامّة البشریّة و تنسیق الشریعة و إیضاح الواجبات و
أحکام الحرام و الحلال لهم، و ذلک لكي یعمل كلّ إنسان بهذا القانون الإلهيّ و لكي
یتوصّل الناس بها إلی الهدف المقصود و الكمال المطلوب في حیاتهم و النجاة من النار
بعد مماتهم.

إنَّ القوانین الإلهیّة مدوّنة في
هذه الشرائع وهي التي تحتوي علی الحقوق المادِّیّة و المعنویّة بصورة كاملة و
شاملة و بناءًا علی  أساس الرحمة و
العدالة، و مَن أعلم منه تبارك و تعالی بما فیه خیر الصلاح للإنسان، فما لا شك فیه
هو أنَّ الإنسان ینال التمتّع الحقیقي في الحیاة بالسعي الصادق لنیال السعادة و
التوسُّم بالكمال المطلوب، و أنَّ لا تُسحَق أيٍّ من حقوقه في الحیاة في هذه
المجتمعات الإنسانیّة ، بل إنّها تُعدّ من الحقوق الضروریّة المضمونة لکلّ
إنسان.   

فإنَّ الإیمان بالله تبارك وتعالی یجب أن لایكون ضعیفًا في حیاة الإنسان، إذ أین مایكون
الإیمان به جلّ وعلا ضعیفًا عند الناس، فإنّهم یبتعدون عن إصالتهم و ینحرمون من التمتُّعٍ بأيٍّ من المزایا
التي تكمن فیهم للنموّ و الإزدهار في قابلیّاتهم
و مواهبهم. 

و ما نراه في البند «بـ» من
المادّة الأولی في الإعلامیّة الإسلامیّة لحقوق الإنسان هو أنَّ تشکیل
العائلة   من نظم ما خلق الله تبارک و
تعالی و أحبّها إلیه جلّ و علا، فإنَّ أفراد العائلة هم أنفعهم للناس و لا تفضیل
لأحدٍ علی الآخر إلّا بالتقوی کما نری إستناد ذلک علی الآیة 13 من سورة الحجرات في
قوله تعالی:« يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ. »

إنّ الحیاة موهبة إلهیّة تفضّل
الله تبارک و تعالی بها علی الإنسان و هي حقٌّ مضمونٌ لکلّ إنسان و لذلک فیجب علی
کلّ الأفراد و الحکومات أن یحفظوا هذا الحقّ و یضمنوه و أن یقفوا أمام کلّ من یرید
التجاوُز علیه.

و بناءً علی ذلک ، فإنَّ الإستفادة
من کلّ وسیلة تؤدّي إلی فناء و إتلاف منابع الحیاة الإنسانیّة ممنوعة سواءًا إن
کان ذلک کلّیًّا أو جزئیًّا و المحافظة و الدفاع عن الحیاة الإنسانیّة وفقًا لما
أراده بارئ الخلائق أجمعین جلّ و علا واجبٌ شرعيٌّ لا جدال فیه. و حتّی حفظ حرمة و
کرامة جنازة الإنسان واجبٌ و لا یجوز إهانتها و هذه الأمور کلّها مدوّنة في
المادّة الثانیة.

و بالإستناد علی هذا الأساس نری
تدوین حقوق الإنسان في 25 مادّة و کلٌّ منها یکون مستندًا علی الآیات و
الروایات الصحیحة و من الجدیر أن یکون في عصرنا هذا الذي فیه الأرضیّة المناسبة
لتعلیم و نشر هذه الحقوق و یجب أن لا یکون لکلٍّ
فردٍ أو جمعٍ من الناس تفسیرهم الخاص بهم و وفقًا لما یظنّون أو یحبّون و لکنّنا
نری في الکثیر من الموارد تفسیرها و تدوینها وفقًا لما یشاؤن.

و إنَّ التوصُّل إلی الإستیفاء
الکامل لحقوق الإنسان وفقًا للتعالیم الإلهیّة من قبل جمعٌ من الدُّوَل و الشعوب
هو هدفٌ بعیدٌ.  

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ
علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا  للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی كلِّ
ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل الصالح
و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

       والسلام علیكم و رحمة الله و بركاته

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment