صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

25.09.2015 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين نحمده و به نستعین و الحمد لله الذی لا مُضادّ له
في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شَبيهَ
لَهُ في عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وَالصَلاة والسلام عَلی سَيّدنا
وَنَبيّنا مُحَمَّدٌ صَلّی اللهُ عَليهِ وَعَلی آلِهِ الطاهرين وَأصحابِهِ المُنتَجَبين
من الآن إلی قیام یوم الدین. 

     عبادالله ! أُوصيكُم وَ نَفسِي بِتَقوی الله
وَ إتِّباعِ أمرِهِ وَ نَهیِه ، فإنَّ خیر الزاد التقوی.

یدور بحثنا الیوم كما أعلنّا ذلك في
الأسبوع الماضي عن « رسالة الحقوق » للإمام السجّاد ع ، لكي تتضح لنا
الأحكام الحقوقیّة في الإسلام. فما لا شك فیه هو أنَّ من البیانات العظیمة التي في
هذه الرسالة هي هدایة الإنسان للتوصُّل إلی الدرجات العالیة في الكمال.

إنَّ أعظم الحقوق التي هي علی الإنسان
هي « حقُّ الله تبارك و تعالی » و لذلك یجب علی الإنسان أن یسعی بكلّ ما في
وسعه لمعرفته جلّ و علا و طاعته و عبادته و أن لا یُشرك له في حقّ العبادة و أن یكون
الإنسان خاضعَا خاشعًا له و أن یسعی للتقرُّب إلیه عزّ و جلّ، و بهذه المساعي
یتوجّه العبد إلی أعلی الدرجات التي یمكن أن یتوصّل إلیها الإنسان. والحقیقة هي
أنَّ السعي للمعرفة و العبادة لیست إلّا السُّبُل التي یمكن أن یتقرّب بها الإنسان
إلی المولی العزیز القدیر الذي خلقه فسوّاه و في أحسن ما شاء صَوّرَهُ للتقدُم في
الكمال.

و لذلك فإنَّ علی الناس أن یعلموا
بأنَّهُم یكونون دائمًا في مراحل الإمتحان الإلهيّ، لكي یرتقوا في درجات الكمال و قد
قال الإمام السجّاد ع إنَّ العبادة حقُّ الله تبارك و تعالی علی العباد و أن لا
یُشرَك به شیئًا ـ و العیاذ بالله ـ و أنَّ كلٌّ من أنواع الشرك تمنع الإنسان من
الرشد المعنويّ، و أنَّ الشرك علی نوعین و هما الشرك الجليّ و الشرك الخفيّ.

إنَّ الشرك الجليّ هو أن یتصوّر الإنسان
أنَّ هنالك شریك له تبارك و تعالی و العیاذ بالله. فما هو واضحٌ هو أنَّ هذا النوع
من الشرك خلاف النظام التوحیديّ، إذ أنَّ الله تبارك و تعالی هو الواحد الأحد الذي
خلق كلّ الكائنات من الأحیاء و الجمادات و غیرها ممّا لا نعلم. و لذلك نری في
تعالیم الأنبیاء الإلهیّین النهي القطعيّ الشدید عن الشرك و العیاذ بالله كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا
إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيمُ » و لذلك كان بدایة دعوة الأنبیاء
إبلاغهم للناس في بیان « قولوا لا إله إلاّ الله تفلحوا و
تنجحوا » كما و أنَّ الشرك ذنبٌ لا یغفره الله تبارك و تعالی أبدًا كما نری
ذلك في بیانُ: « إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ
بِهِ »

 و النوع الآخَر من الشرك هو الشرك في الأعمال ، أي بمعنی أن یتوجّه الإنسان في
العبادة ألی الآخرین و یستعین بهم، فإنَّ هذا الشرك هو مضرٌّ أیضًا و هو المانع
الشدید في رشد الإنسان و تقدُّمه في مسیر الكمال و لذلك هنالك تحذیر شدید إلی
الناس عنه بكلّ شدّة.

كما نری بیان الخطاب الذي وجّهه الله
تبارك و تعالی إلی رسوله الكریم في قوله تعالی : « قُلْ
إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى‏ إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ
بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً » و هنالك  الكثیر من الآیات التي فیها النهي القطعي الشدید
عن الشرك.

و قد سؤِل الرسول الأكرم ص فیما یخصُّ
الآیة الكریمة التي نصُّها : « فَمَنْ كانَ يَرْجُوا
لِقاءَ رَبِّهِ » فأجاب ص في قائلاً
: «من صلّى مُراياة الناس فهو مُشركٌ، و من زكّى
مراياة الناس فهو مشرك، و من صام مراياة الناس فهو مشرك و من حج مراياة الناس فهو
مشرك، و من عمل عملاً بما أمره الله عزَّ و جلّ مُراياة الناس فهو مشرك، و لا يقبلُ
الله عزَّ و جلّ عملَ مراءٍ .»

إنَّ بیان قباحة الشرك هو ما نراه في
هذه الآیة 31 من سورة الحج في قوله تعالی: « حُنَفَاء
لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ
مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ
سَحِيقٍ 31

إنَّ ذكر الوقوع من السماء في هذه الآیة
هو بیان الإنحراف عن التوحید و أنَّ الشرك هو السبب لسقوط الإنسان من السماء إلی
أسفل السافلین و حین یقع الإنسان من هذا الإرتفاع العظیم سوف یُبتلی بإحدی
المصیرین، فإمّا أن تفترسه الطیور أثناء الوقوع من قبل أن یصل إلی الأرض، أو لو إن
إستطاع أن یهرب من تلك الطیور فحین یقع علی الأرض سوف یتحطّم و عندئذٍ تلتقطه
الطیور التي تأكل جثث الأموات. و لو إن إستطاع الفرار منها، فإنّه سوف یقع في
الطوفان القاتل الذي یرمي به إلی الأرض و یتلاشی و یتحطّم و هذا الطوفان هو
الشیطان الرجیم الذي یوسوس في صدور الناس و یُحَرِّفَهُم عن سواء السبیل.

و ما لا شك فیه هو لو إن تلوّث الإنسان
بالشرك و تقابل به فلا یمكن إخراجه منه و لذلك نری في بعض العصور كان الحُكام
یمنعون الناس عن معرفة هذه الأحكام لیُبقُّوهُم في الجهل و عدم المعرفة
لیستغلّوهُم. قال الإمام الصادق ع « إنَّ بني أمیّة تركوا الحرّیّة للناس
لیتعلّموا الإیمان و لكن منعوهم عن معرفة الأخطار و الأمور التي تنحرف بهم إلی
الشرك لكي یُحرِّفوهم نحو الشرك.»  

إنَّ العالم الدینيّ « فیض الكاشاني
» قد كتب في شرح هذه المشاكل « إنَّ بني أمیّة كانوا حریصین علی أن یطیعهم
الناس من دون قیدٍ و شرط، و لذلك تركوا باب معرفة الإیمان مفتوحة و لكن باب الشرك مغلوقةً
بقّوه بظنِّهم أن الناس سوف یتیهون في الشرك إن لم یعرفوه، إذ لو أن عرفوا ما هو
الشرك ، فإنّهم سوف لا یطیعون بني أمیّة.» وهذه الأسالیب هي تصرُّفات عامّة یقوم
بها الحكام المستبدّین الأناینیّن لیُبَقُّوا الناس في الجهالة و التیاه لكي
یسَیطرون علیهم و یستغلّونهم لمنافعهم الخاصّة.

 إنَّ في المعارف الدینیّة الإسلامیّة ذكر الشرك
الخفيّ الذي هو الریاء، إذ أنَّ الریاء من إحدی العوامل الجدّیّة التي تمنع
الإنسان من الرشد المعنويّ، بل إنّه من العوامل التي تبطِل أعمال الإنسان و تلوّثه
بالمساوئ  و في هذا المجال یكفي أن یتباهل
الإنسان بالریاء.

یُروی عن الإمام الصادق ع عن رسول
الرحمة و الهدایة ص « عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
ع قَالَ‏ إِنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ص «
إِنَّ الشِّرْكَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ عَلَى صَفَاةٍ سَوْدَاءَ فِي
لَيْلَةٍ ظَلْمَاءَ »، فَقَالَ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَسُبُّونَ مَا
يَعْبُدُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ- وَ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَسُبُّونَ
مَا يَعْبُدُ الْمُؤْمِنُونَ فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سَبِّ
آلِهَتِهِمْ- لِكَيْلَا يَسُبَّ الْكُفَّارُ إِلَهَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونَ
الْمُؤْمِنُونَ قَدْ أَشْرَكُوا بِاللَّهِ- مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ فَقَالَ: «وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ-
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْم‏ ».

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا
بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و
طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه
علی عتبة رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و
نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل
الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

                                                                           
آمین یا ربِّ العالمین

                                                                             والسلام علیكم و رحمة الله
وبركاته 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment