صلاة الجمعة

                                                         الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

02.10.2015 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و
اتّباع امره و نهیه .

أودُّ
أن أهنئكم جمیعًا أیُّها الإخوة والأخوات المؤمنین والمؤمنات بمناسبة عیدالغدیر
المبارك الذي هو من أهمّ الأعیاد للمسلمین و نسأل الله تبارك و تعالی أن یمنّ
علینا بالتوفیق لإدراك عظمة هذا العید السعید و تقدیره بأجمل و أكمل ما في وسعنا
لكي ننال التوفیق للعمل بالبلاغات و الدروس المهمّة التي في هذا العید العظیم لكي
نعمل بها و نحمده و نعبده و نشكره تبارك و تعالی طوال حیاتنا.  

بما أنّ
الیوم هو الیوم الثامن عشر لشهر ذي الحجّة المبارك الذي هو یوم عید الغدیر و هو
عیدٌ سعیدٌ لجمیع المسلمین و خصوصًا الشیعة، فیجب ذكر الكثیر من الأمور المهمّة
التي تخصُّ هذا الیوم المقدّس إذ أنَّ هذا هو الیوم الذي أدّی فیه الرسول الأكرم
المصطفی الأمجد أبو القاسم محمّد ص حجّة الوداع ، فلنشرح ما جری في ذلك الیوم. كما
و أنَّ كلّ علماء الإسلام من الشیعة و إخوتنا الأعزّاء من أهل السنّة متفقین علی
ما جری في ذلك الیوم العظیم. و لذلك حین نتمعّن في ذكر الرُّواة عن ما جری في یوم
الغدیر العظیم، نری ذكر أهل بیت النبوّة الكرام بدایة من إسمه المبارك ص و إبن
عمّه أمیر المؤمنین عليّ ع و إبنة الرسول الأكرم سیّدة نساء العالمین فاطمة
الزهراء ع و سبطیه الحسن و الحسین ع و من بعد ذلك حوالي 110 أشخاص من صحابة
النبيّ الكرام و إنَّ ما جری في یوم الغدیر یذكره إثنان و ثمانون من الرواة
المُعتمَدین الموثوقین. و علاوة علی التابعین قد ذكر
تلك الحوادث من القرن الثاني إلی القرن الثالث عشر 360 ثلاث مائة وستّون من
الرواة في كُتُبهم و منهم ثلاثة من المؤلِّفین لكتب الصحاح أي الصحاح الستّة و
إثنین من كبار الفقهاء من أهل السنّة في جمع هؤلاء الرواة الموثوقین الكبار. و
الكثیر من المحدّثین و علماء الشیعة الكبار قد ذكروا ما جری في یوم الغدیر في
العدید من الكتب و من جملتهم الشیخ الكلینی، الشیخ الصدوق، الشیخ المفید و السید
مرتضی.

و ما یزید في أهمّیّة ما جری
في ذلك الیوم العظیم هو من جملة نزول الآیات في القرآن الكریم و منها الآیة 67 من
سورة المائدة في قوله تعالی: « يَا
أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ
تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ
اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ 67 »

فما لاشك فیه هو أنَّ ما جری
في یوم الغدیر لیس مجرّد حادث تأریخيّ لا ضرورة للإهتمام به، بل إنّه المصدر الموثوق
للإدراك العمیق لِما جاءَ به كلّ الأنبیاء الذین أرسلهم الله تبارك
و تعالی لهدایة العباد إلی سبیل الرشاد و إسعادهم
بالنجاة في الدنیا و الآخرة و هذه التعالیم هي للإستمرار في إتِّباع التعالیم
الإلهیّة و البلاغات النبویّة للمسیر نحو الفلاح. و الحقیقة هي أنَّ هذا هو ما
یسلِّم رسالة النبوّة إلی الإمامة لتعیین المسیر الصحیح للإسلام و المسلمین و له
دوره المحورِيّ الأساسيِ، إذ أنَّ فهم و إدراك ما نزل بالوحي بعمقٍ و دقّة و حفظ
الرسالة التي فیه لا یمكن أن یكون من دون البلاغ الذي كان في ما جری في یوم
الغدیر. و ما یعترف بها الجمیع هي حقیقة أنّه لو لم یكن أمیر المؤمنین ع هو الذي
عنده القضاوة في كلّ النزاعات التي قد حصلت من بعد معراج الرسول الأكرم ص إلی
العليّ الأعلی، لهلك الكثیر، إذ أنَّ جمیع المسلمین من سنّة وشیعة یعترفون بأنَّه
لو لم یكن أمیر المؤمنین ع هو الأولی ثمّ الأولی من بین كلّ الصحابة و هو الذي
كان یتوسّم بكلّ الكمالات الإنسانیّة و قد تبیّن بوضوح حین نزلت آیة المباهلة
بأنَّه هو روح الرسول الأكرم ص و نفسه من بعده.

و
لم تثبت العصمة و الطهارة لأيِّ أحدٍ کما ثبتت لأمیر المؤمنین ع و هو أحد
الأشخاص الذین یعنیهِم أيّ  التطهیر و لو
أنَّ الإرادة الإلهیّة التي قد تمَّ إبلاغها من قِبَل رسول الرحمة و الرأفة ص
كان قد تمَّ إجرائها، لكان مسیر و مصیر المجتمع الإسلاميّ بصورة تختلف تمامًا ممّا
هو علیه الیوم و ما جری لها طوال التأریخ.

و
لذلك فإنَّ الفیلسوف  الفرنسيّ المشهور قد
أظهر أسفه لهذه القضیّة و تعبیره أنَّ « آخر ما أراد الرسول
الأكرم ص تحقیقه لم یتمّ، إنّه نصب علیٌّ بمكانه من بعده » ولذلك فإنَّ
هذا الیوم هو یومُ عیدٍ لكلّ المسلمین، کما نری ذلک في بیان زیاد بن محمّد الذي
قال سألتُ الإمام جعفر الصادق ع قائلاً: هل هنالك عیدٌ للمسلمین من غیر عید
الأضحی و عید الفطر و یوم الجمعه؟ فقال ع : نعم هو الیوم الذي عیّن رسول الله ص
علیًّا أمیر المؤمنین من بعده.

كما
و جاء في بیانات الرسول الأعظم ص أنَّ یوم عید الغدیر هو من أولی الأعیاد للأمّة
الإسلامیّة و ذلك هو الیوم الذي أكمل الله تبارك و تعالی للمسلمین دینهُم و أتمّ
نعمته علی أمّة رسوله ص و قبل لهم الإسلام دینًا. كما و جاء في تعبیر الإمام
عليّ بن موسی الرضا ع في شرح حدیث عن الإمام الصادق ع أنّه قال : « إنَّ یوم عید الغدیر هو أكثر شهرةً في السماء مما هو علیه في
الأرض » 

فلو
أنّ ما جری في یوم عید الغدیر یُفهَم و یُدرَك بصحّة، سوف یكون مفیدًا للإسلام و
للمسلمین و یكون من أهمّ عوامل الإرتقاء و الرشد الفكريّ و المعنويّ للمسلمین في
الدنیا و الفلاح في الآخرة. و إنّه سوف یكون العامل الذي یجمع المسلمین و یؤلّف
بین قلوبهم، إذ أنَّ مكاسب عید الغدیر تؤلّف و توحِّد المسلمین بأجمعهم و بالقدوة
الموحّدة للمجتمع الإسلاميّ سوف یعمل كلّ المسلمین بالقرآن الكریم و یعملون
بتعالیمه و تنتشر حینئذٍ الروحیّة الإسلامیّة التي هي العقلانیّة و المعنویّة
وإنتشار العدالة في كلّ المجتمعات الإنسانیّة.

فما
لا شك فیه هو أنَّ هذا الفهم الصحیح للإسلام یكون العامل لإنتشار كون الرسول
الأمجد أبو القاسم محمّد ص رحمةً للعالمین و یتحقّق من بعد ذلك تشكیل المجتمعات
الإنسانیّة و التمدُّن الحقیقيّ فیها و هذا هو ما نری فیه الضروة للمجتمعات
البشریّة للدرك  الصحیح للإسلام و تحقیقه و
لذلك یجب قبول الأسوة الحسنة في أخلاق رسول الرحمة المصطفی الأمجد ص لكلّ
المجتمعات الإنسانیّة و الإسلامیّة لكي لا یحصل أيِّ ظلمٍ و عدوانٍ لأيِّ فردٍ من
الناس و في أيِّ مكانٍ و زمان.  

و
هكذا نری أنَّ فَهم و إدراك مغزی الغدیر یكون ضروریًّا جدًّا للمجتمعات الإسلامیّة
و لو أن الأغراض الشخصیّة و المنافع الأنانیّة للبعض منالناس لم تكن لها الأولویّة
علی المصالح العمومیّة و أن یكون الجمیع یحبّون الإسلام، فسوف یحترمونه و یعملون
به و یتمتّعون بمزایاه الحسنة في مسیر حیاتهم. كما و إنّهُم سوف یستمرّون في
المسیر في إتّجاه وحدة الأمّة الإسلامیّة و هذه الحقیقة كانت أكثر و أهمّ ما كان
رسول الله ص یهتمّ بها و لذلك كان إجراء الأمر الإلهيّ في یوم الغدیر توأمًا
بالرسالة النبویّة للرسول الأكرم ص إذ أنَّ الإنسان لم یتوصّل إلی الكمال من دون
الدین.

و
ما لا شك فیه هو أنّه ص كان أكثر الناس محبّة ًو إهتمامًا  بمستقبل الإسلام و كان یؤدّي رسالته بأجمل و
أكمل ما یكون و هذا هو ما نراه بأحسن الصُّوَر في مجری الغدیر، إذ أنَّ إنتظار
الأفراد الذین لم یكونوا قد وَصَلوا إلی ذلك المكان و رجوع بعض الحجّاج الذین
كانوا قد إبتعدوا عن تلك البقعة و كلّ تلك المقدّمات للكلام الذي أظهره الرسول
الأكرم ص تُبَیِّن لنا أهمّیّة هذه الأمور و لا سبیل لأيِّ أحدٍ لإنكار ما جری
في یوم الغدیر أو تحریف معنی الولایة، إذ أنَّنا حین نتمعّن في القرآن الكریم و
الروایات التي تخصُّ هذا الموضوع بدقّة، فسوف نری أنَّ معنی الولایة هو قبول
المسؤلیّة لهدایة المجتمع الإسلاميّ من قِبَل خیر الناس الذي كان قد أراد رسول
الله ص إبلاغه و تعریفه للناس. 

إنّ أكثر ما كان یهتمّ به
أمیر المؤمنین ع هو مرضاة الله تبارك و تعالی و رسوله الكریم العظیم ص و إتمام
النعمة في سبیل الله جلّ و علا و رسوله الكریم ص و لیست قضیّة علاقته له ع و
هي القضیّة التي لم تكن في خفاء عن الناس و ما تستوجب كلّ هذه المقدّمات و خصوصًا
في ذلك المكان الذي هو غدیر الخمّ.

في
حین أنَّ هذه الأمور كانت كثیرًا ما قد حصلت لما فیه المحبّة و المودّة لأمیر
المؤمنین عليّ ع ، فلو كان هذا هو الهدف لَما إستوجب كلّ ذلك الإهتمام و تلك
الشروط و المقدّمات لإبلاغ هذا الموضوع ، و علاوة علی ذلك لم یكن الوضع یستوجب كلّ
تلك التهاني و التوقُّف في ذلك المكان للبیعة أو لما شابه ذلك!

و
لذلك فما لا شك فیه هو قول الرسول الأكرم ص « مَن كنتُ مَولاه فهَذا عَلیٌّ مَولاه » الذي یتّفق علیه كلّ العلماء من الشیعة و من أهل
السنّة و علی أنّه لم یكن مجرّد إبراز المحبّة و النصرة، بل إنّه كان بیان الولایة
لله تبارك و تعالی و لرسوله الكریم ص حین قال « النَّبِيُ‏ أَوْلى‏ بِالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنفُسِهِم‏» أو ما جاء في آیه أخری في قوله تعالی: « إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ
الَّذينَ آمَنُوا الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ
راكِعُونَ»‏.

إنَّ
القیادة الموحّدة للأمّة الإسلامیّة سوف تضیف إلی القوّة و الإقتدار لها و تمهِّد
تحقیق العدالة الإسلامیّة و الإنسانیّة في المجتمع بعزم و ثبات و لا یبقی أيِّ سبب
للرعب والإرهاب في أنفس الناس و لكن هنالك الكثیر من الأعداء للإسلام الذین كانوا
یسعون للوقوف أمام الوحدة في المجتمعات الإسلامیّة و منع
الكثیر من المقالات التي تخصُّ الغدیر لعدم نشرها في العالم.

فنسأله جلَّ وعلا التوفیق
للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و
المحبّة له و لأولیائه علی عتبة رحمته و تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره
علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نسعی بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد
والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.   

 والسلام علیكم و
رحمة الله و بركاته

 

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment