صلاة الجمعة

                      الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

27.11.2015                  بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و
اتّباع امره و نهیه .

إنَّ
تربیة أعضاء الجسم بصورة صحیحة ضروریّة لرشد الإنسان و تقدُّمه في المسیر نحو
الكمال، أي بمعنی أنَّ أعضاء الجسم لیست فقط للإستفادة في مجالات الملذّات
الدنیویّة المادّیّة، بل إنَّ علی الإنسان المؤمن أن یستفید منها للتوصُّل إلی
جمیع الأهداف المعنویّة علاوة علی الأمور المادّیّة.

ففي
سبیل المثال نری أنَّ الأیدي هي من الوسائل التي لها دورها المهمّ في أداء الخدمات
من قِبَل أداء ما یرید الإنسان أن یقوم بها لنفسه و للآخرین. و لذلك فإنَّ الید
التي یمكن أن تكون الوسیلة للقیام بالكثیر من الأعمال الخیریّة، یمكن أن تكون
أیضًا من الوسائل التي تكون منشًا للكثیر من الفساد، كما نری بیان ذلك في الآیة 41
من سورة الروم في قوله تعالی: «ظَهَرَ الْفَسادُ فِي
الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذيقَهُمْ بَعْضَ الَّذي
عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون.» [1]
إنَّ هذه الآیة نزلت قبل ألفٍ و أربعة مئة عام
و الیوم نری مصداقها من ظهور الفساد في البرّ و البحر في كلّ أنحاء العالَم.

و
إنّه جلِ و علا یُحذِّر الناس في الآیة 30 من سورة الشوری في قوله تعالی: « وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْديكُمْ
وَ يَعْفُوا عَنْ كَثير» [2]
فمن وبال السیّئات من الأعمال المضرّة التي یقوم بها البعض في الطبیعة هي التي
یذوق الإنسان من جرّائها العواقب الوخیمة.

فكم
من قبائحٍ و أعمالٍ سیّئة یقوم بأدائها الإنسان بیدیه من قبیل قتل الأبریاء و
الأعمال السیّئة المضرّة. و في سبیل المثال نری ذكر النزاع الذي حصل بین هابیل و
قابیل و قول هابیل لأخیه فیما جاء ذكره في سورة المائدة في قوله تعالی : «لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَني‏ ما أَنَا
بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمين .
. » [3]

 حق
الیدین:

هنالك
الكثیر من المباحث الأخلاقیّة في بیان الواجبات و التكالیف التي هي علی عاتق
الإنسان و لكلٍّ من أعضاء جسمه، لكي یعرف الإنسان كلٍّ منها بصورة جیّدة و أن
یؤدّي واجباته أمام الله تبارك و تعلی الذي وهب له هذا العضو، كما نری بیان ذلك في
البیان المنوّر للإمام السجّاد في قوله ع : « وَ أَمَّا
حَقُّ يَدِكَ فَأَنْ لَا تَبْسُطَهَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَكَ فَتَنَالَ بِمَا
تَبْسُطُهَا إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ الْعُقُوبَةَ فِي الْأَجَلِ وَ مِنَ النَّاسِ
بِلِسَانِ اللَّائِمَةِ فِي الْعَاجِلِ وَ لَا تَقْبِضَهَا مِمَّا افْتَرَضَ
اللَّهُ عَلَيْهَا وَ لَكِنْ تُوَقِّرَهَا بِقَبْضِهَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا
يَحِلُّ لَهَا وَ بَسْطِهَا إِلَى كَثِيرٍ مِمَّا لَيْسَ عَلَيْهَا فَإِذَا هِيَ
قَدْ عُقِلَتْ وَ شُرِّفَتْ فِي الْعَاجِلِ‏ وَجَبَ لَهَا حُسْنُ الثَّوَابِ فِي
الْآجِلِ.» [4] فلو إن تمعّنّنا في
هذه التعابیر، لرأینا أنَّ الإمام السجّاد ع قد شرح الواجبات التي هي علی عاتق
الإنسان بأجمل و أعلی الدرجات من التعمُّق و الدقّة. كما و أنَّ هنالك روایة عن
الإمام جعفر الصادق ع فیما یخصُّ هذا الموضوع 
جاء فيها:« فَرَضَ اللَّهُ عَلَى
الْيَدَيْنِ أَنْ لَا يَبْطِشَ بِهِمَا إِلَى مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَ أَنْ
يَبْطِشَ بِهِمَا إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ وَ فَرَضَ عَلَيْهِمَا
مِنَ الصَّدَقَةِ وَ صِلَةِ الرَّحِمِ وَ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ
الطَّهُورِ لِلصَّلَاةِ فَقَالَ: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ
امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْن» [5]

ما
هي أهمّ الأمور التي یقوم الإنسان بها بواسطة الیدین؟

إنَّ
الإنسان یبایع إمامَهُ بالیدین و یشیر بالید إلی جهة مسیره كما و أنَّ العبد
الصالح یراقب نفسه لكي لا تقوم الیدین بما حرّم الله تبارك و تعالی و أن یؤدّي حقّ
إستعمال الیدین بأحسن ما في وسعه لكي ینال ما ینفعه في الدنیا و الآخرة. فبالیدین
یكتب الإنسان ما یهتدي به الكثیر من الناس، كما و یمكن أن یقوم الإنسان بتدوین و
تعریف الأعمال التي یُحرِّف بها أذهان الناس و یُقابلهُم بالمشاكل و الإختلافات
الجدّیّة بالیدین. و لذلك یجب علی الإنسان أن یستعمل یدیه وفقًا للتعالیم و
الأوامر الإلهیّة بأحسن ما في وسعه للتقدُّم في سبیل الرشد و التكامُل و یجعلها
وسیلةً و دلیلًا و هدیً لنفسه للقیام بالحسنات و أن یكون قدوة لنفسه و للآخرین.

نرجو اللّه تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا
بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة و نسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی و أن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

والسلام علیكم و رحمة الله
وبركاته 

1. سورة الروم ، الآیة41.

2. سورة الشوری ، الآیة30.

3. سورة
المائده ، الآیة 28.

4. إبن شعبة الحرانی، حسن بن علي، تُحَفِ
العُقول، ص257،  قم، جامعة المدرسين،
الطبعة الثانیة، 1363ق.

5. سورة
المائده الآیة 6.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment