صلاة الجمعة

الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

04.12.2015

                                                            بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و
اتّباع امره و نهیه .

إذا
كان الإنسان یسعی للتوصُّل إلی الكمال آملاً الفوز بالحیاة الأبدیّة و یرید المسیر في سبیل الرشاد في الحیاة الدنیا،
فیجب أن یسعی لمعرفة الطرق و السُّبُل التي یتوصّل بها إلی هذه الأهداف . و لمعرفة
السُبُل الصحیحة یجب أن یستعین بأولئک المقدّسین الذین هم الأقربُون  الأقربُون للوحي و یمتازون بالمعارف العمیقة في
کلّ هذه المجالات. و لذلك فیجب أن نتعلّم منهم كیفیّة تهیئة الأرضیّة للسعي في
تحقیق أهدافنا لدار المقرّ فإنّنا  في دار
الممرّ . و ما لا شك فیه هو أنَّ أُولی و أَولی المراحل هي أن یعرف الإنسان حقوق
أعضاء جسمه و الجوارح و الجوانح التي فیه بصورة صحیحة لیؤدّي حقوقها بالتي هي أحسن
و من جمل.

حقّ
البطن:

إنَّ من جملة حقوق أعضاء
الإنسان هو حقّ البطن و هو الذي ذكره الإمام السجّاد ع و قال أنَّ البطن وعاء
یجب أن نُدخِل فیه الأغذیة المتناسبة لوسعتها كما نری بیان حق البطن بالتفصیل في
قوله ع : « وَ أَمَّا حَقُ‏ بَطْنِكَ‏ فَأَنْ لَا
تَجْعَلَهُ وِعَاءً لِقَلِيلٍ مِنَ الْحَرَامِ وَ لَا لِكَثِيرٍ وَ أَنْ
تَقْتَصِدَ لَهُ فِي الْحَلَالِ وَ لَا تُخْرِجَهُ مِنْ حَدِّ التَّقْوِيَةِ إِلَى
حَدِّ التَّهْوِينِ وَ ذَهَابِ الْمُرُوَّةِ وَ ضَبْطُهُ إِذَا هَمَّ بِالْجُوعِ
وَ الظَّمَإ، فَإِنَّ الشِّبَعَ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى التُّخَمِ
مَكْسَلَةٌ وَ مَثْبَطَةٌ وَ مَقْطَعَةٌ عَنْ كُلِّ بِرٍّ وَ كَرَمٍ وَ إِنَّ
الرَّيَّ الْمُنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ إِلَى السُّكْرِ مَسْخَفَةٌ وَ مَجْهَلَةٌ وَ
مَذْهَبَةٌ لِلْمُرُوَّة.» [1]

و ما یجب أن نوَضِّحه في
هذا الموضوع هو أنَّ لكلّ إنسان قابلیّات مختلفة و العدید من الحاجات التي هي
وفقًا لتلک القابلیّات، من قبیل الحاجات المادِّیّة الجسمیّة و الروحیّة و لذلك
یجب إشباعها بما یتناسب معها بالحلال. و أمّا ما یخصُّ حاجات سدّ الجوع و إرواء
العطش ، فلا یكون أيِّ إنسان غنيٌّ عن ذلك و حتي الأنبیاء و الأولیاء الإلهیّین لم
یکونوا في غنیً عنها، كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: «
وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدينَ » [2] و هنالك من الناس من كانوا ینكرون قدسیّة الأنبیاء و
یتصوّرون أنَّ النبيّ یجب أن یكون غنیًّا عن الغذاء و أن لا یمشي في الأسواق كما
نری ذكر أولئك الجهلاء في قوله تعالی: « وَ قالُوا ما
لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشي‏ فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ
إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذيرا. . » [3]

و لكن الأمر المهمّ في حیاتنا هو أیضًا الوعي في إنتخاب نوع
الغذاء الذي نرید أن نأکله، إذ أنَّ كلّ نوع من الأعذیة لا یتناسَب مع مزاج
الإنسان و جسمه، فإنَّ الإنسان في حاجة إلی ما هو صِحِيٌّ سالمٌ من الأطعمة و
السوائل التي یشربها و أن یكون فقط بمقدار سدّ الجوع و العطش و عدم المبالغة في
الأكل و الشرب.

الآثار السلبیّة من مختلف الأمور المادیّة و المعنویّة عند
عدم مراعاة حقّ البطن!

و بما أنَّ الإفراط في الأكل و الشرب لا ینحصر بمجرّد فقدان
الإستفادة منها فقط ، بل إنّ في الإفراط 
الكثیر من الأضرار للصحّة و السلامة و منها الكسالة و التعب. كما و لو إن
کانت الأغذیة لیست حلالًا طیّبًا و طاهرًا، فإنّها تترك الكثیر من الآثاز السلبیّة
علی روحیّة الإنسان. و لذلك كان الإمام السجّاد ع یؤكد علی حقّ البطن في قوله ما
محتواه هو أنّه: « یجب علی الإنسان أن لا یُسرف في الأكل و الشُّرب لدرجة تؤدّي
به إلی الكسالة و التعب. و أما ما یخصُّ الشرب فیجب أن یكون علی حذر لكي لا یشرب
ما یؤدّي به إلی أن یكون سكرانًا و ینحدر من جرّاء ذلك ألی مراحل الجهل و فقدان
العدالة و المروّة. » و هكذا نری أنَّ عدم مراعاة حقّ البطن و الإسراف في
تناول الأغذیة و السوائل تؤدّي إلی الإصابة بالكثیر من الأمراض الجسمیّة و
النفسیّة للإنسان.

حق البطن من وجهة نظرالآیات و الروایات:

إنَّ الله تبارك و تعالی یبیِّن لنا أهمّیة الأكل و الشرب و
لكن فقط حین تکون من دون أيِّ إسرافٍ و إجحاف، فإنَّه جلَّ و علا لا یسمح بذلك كما
نری بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا
وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفين. »‏ [4]

و هذه الآیة هي من أوضح التعالیم في الأصول الصحیّة و هي التي قد توصّل إلیها الكثیر من علماء التغذیة و
إکتشفوا أنَّ المعدة هي دار النشوء لجمیع الأمراض و أسوأ الداء هو الإفراط في
الأکل، فإنَّ الإمساك هو خیر الدواء و ما عوّدتَ به جسمك فلا تكن مهملاً للأمور
الصحیّة.  

و لذلك قال الرسول الأكرم ص فیما یخصُّ هذا الموضوع: « وَ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَعِدَةَ بَيْتُ الدَّاءِ وَ الْحِمْيَةَ
هِيَ الدَّوَاء وَ أُعَوِّدُ الْبَدَنَ مَا اعْتَاد ». [5] كما و جاء و في البیان المنوَّر لأمیرالمؤمنین ع قال فیه: « قِلَّةُ الْأَكْلِ‏ تَمْنَعُ كَثِيراً مِنْ أَعْلَالِ
الْجِسْمِ » . [6]
و قال في مجال آخَر: كَثْرَةُ
الْأَكْلِ‏ وَ النَّوْمِ‏ تُفْسِدَانِ النَّفْسَ وَ یَجْلِبَانِ الْمَضَرَّة [7] و هنالك
حدیث نبويٍّ آخَر جاء فیه: « لَا تُمِيتُوا
الْقُلُوبَ‏ بِكَثْرَةِ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ فَإِنَّ الْقُلُوبَ تَمُوتُ
كَالزُّرُوعِ إِذَا كَثُرَ عَلَيْهِ الْمَاء. » [8]  

و بناءً علی الكثیر من التعالیم التي في القرآن الكریم وصّی
النبيّ الأكرم ص التجنَّب عن أكل المحرّمات و منها قوله ص : « مَنْ‏ أَكَلَ‏ لُقْمَةَ حَرَامٍ‏ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ
صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَ لَمْ تُسْتَجَبْ لَهُ دَعْوَةٌ أَرْبَعِينَ
صَبَاحاً وَ كُلُّ لَحْمٍ يُنْبِتُهُ الْحَرَامُ فَالنَّارُ أَوْلَى‏بِهِ. »‏
[9]

و أمّا ما یخصُّ الطعام الحلال فإنّه ص قال في حدیثٍ
آخَر: « مَن أَكَلَ الحَلالَ أربَعينَ يوماً نَوَّرَ
اللَّهُ قَلبَه، وَ أَجرَى يَنابِيعُ الحِكمَةِ مِن قَلبِه عَلى لِسانِه. » [10]

نهایة الخطاب:

أنَّ التأكید علی الإعتدال في الأغذیة هو ما یكون في صلاح
الإنسان في الدنیا و الآخرة. و المهمّ لأولئك الذین هم ذوي العقیدة هو العمل بهذه
التعالیم للعیش في رغدٍ و سلامة إذ أنَّ مراعاة كلّ تلك الأمور تنفع الإنسان في
تطهیر روحه و جسمه. 

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا
بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة ونسأله
جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

                                                                            

والسلام علیكم و رحمة
الله وبركاته   

[1]. إبن شعبة الحرّانى، حسن
بن علي، تحف العقول، ص258، قم، جامعة المُدَرِّسين، الطبعة الثانیة ، عام
1363ق.

[2]  سورة الأنبیاء الآیة 8.

[3]. سورة الفرقان الآیة 7.

[4][4]. سورة الأعراف الآیة 31.

[5][5]. إبن بابويه، محمد بن على، الخصال،
ج2، ص512، ح3، قم، جامعه المدرسين، الطبعة الأولی ، 1362ش.

[6][6]. التميمى الآمدى، عبد الواحد بن
محمد، غُرَر الحِكَم و دُرَر الكلم، ص500، ح56، قم، دار الكتاب الإسلامي،
الطبعة الثانیة ، 1410ق.

[7][7]. نفس المصدر ، ص526، ح37.

[8][8]. الطبرسى، حسن بن فضل، مكارم
الأخلاق، ص150، قم، انتشارات الشريف الرضى، الطبعة الرابعة، 1370ش.

[9][9]. المجلسى، محمد باقر، بحار
الأنوار، ج63، ص314، ح7، بیروت، دار إحياء التراث العربي، الطبعة الثانیة،
1403ق.

[10][10]. الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء
في تهذيب الأحياء، ج3، ص204، تحقیق علي أكبر الغفاري، قم، دفتر انتشارات
اسلامى، الطبعة الثانية، بی­تا.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment