صلاة الجمعة

        الخطیب: مقامة مِن قِبَل مُدیر المركز و إمام المسجد آیة
الله الدكتور رضا الرمضاني

18.12.2015 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد
لله ربّ العالمين نحمده و به نستعین و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و لا
مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شَبيهَ لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من
دعاء الإفتتاح وَالصَلاة والسلام عَلی سَيّدنا وَنَبيّنا مُحَمَّدٌ صَلّی اللهُ
عَليهِ وَعَلی آلِهِ الطاهرين وَأصحابِهِ المُنتَجَبين من الآن إلی قیام یوم الدین. 

     عبادالله ! أُوصيكُم وَ نَفسِي
بِتَقوی الله وَ إتِّباعِ أمرِهِ وَ نَهیِه ، فإنَّ خیر الزاد التقوی.إنَّ
ما لا شك فیه هو أنَّ مراعاة الحقوق الأخلاقیّة هي أهمّ الوسائل لتربیة الإنسان، كما
و أنَّ لها دورها الذي لا بدیل له في تعدیل كلّ القوی الإنسانیّة.

لقد
تكلّمنا عن حقوق أعضاء الجسم و رأینا أنَّ لكلٍّ منها له حقّه الذي یجب علینا أن
نعرفه ونعمل به و ذلك ما یحفظ الإنسان من الوقوع في الإفراط و التفریط.

و
من جملة هذه الأعضاء التي یجب أن یتحفّظ الإنسان من سوء الإستفادة منها، هي
الأعضاء الجنسیّة لإشباع الشهوات و « قوّة الشهوة » عند الإنسان. و لیست
هنالك في الإسلام أیّة توصیة للإفراط و التفریط في هذا المجال بل هنالك التأكید
الشدید علی التصرُّف بالعدالة و التعفُّف و السیطرة علیها بأكثر من باقي القوی.

و لكن و للأسف الشدید نری كثرة
الإفراط و التفریط في التمتُّع بهذه القابلیّة طوال تأریخ البشریّة، و ذلك ما أدّی
إلی الأضرار في كلّ المجتمعات الإنسانیّة طوال التأریخ. إذ أنَّ الذین نشروا
الحرّیّة الجنسیّة ، أو أنَّ الذین كبتوا قوّة الشهوات و یُدافعون عنها لیومنا
هذا، لم ینشروا شیئًا سوی الهرج و المرج في المجتمعات الإنسانیّة إذ أنَّ البعض
یرون أنَّ الغریزة الجنسیّة هي التي منها الأسباب التي أدّت إلی إنتشار الإنحرافات
و إضمحلال التعفُّف و التعادُل في المجتمعات الإنسانیّة.  

و إنّهُم یعتقدون بأنّ كلّ المشكلات في
المجتمعات الإنسانیّة تنتشر حین یتمّ قمع التمایلات الجنسیّة بسبب المحدودیّات
الإجتماعیّة أو العوامل الأخری. وهذا الكبت یسبِّب للإنسان الكثیر من الضغوط علی
الأعصاب و الإختلالات الروحیّة و تؤدّي بالنتیجة إلی الأمراض النفسیّة. في حین
أنَّ الإنسان یجب علیه أن لا یغفل عن المشاكل الإنسانیّة من قبیل العوامل
المادّیّة و الإقتصادیّة والإجتماعیّة و الروحیّة و غیرها.

 إذ لم تكن مشاكل إشباع الغرائز الجنسیّة هي
المشاكل الوحیدة للناس، بل إنّ الفقر و عدم تواجد العمل و الظلم و إنعدام العدالة
و تبعیض المنشأ و النسل و حتی الإفراط في إشباع الغریزة الجنسیّة هي أیضًا من
العوامل التي تسبِّب الكثیر من المشاكل الروحیّة و النفسیّة.

إنَّ هذا الموضوع هو من المواضیع
المهمّة جدًّا و یجب أن یتم  البحث حوله في
الكثیر من الجلسات، لكي نتوصّل إلی كشف جذورها و یتمّ فهم و إدراك أسبابها بأوضح و
أحسن ما یمكن. و ما لا شك فیه هو أنَّ الإفراط في إشباع الغرائض
 یسبِّب الكثیر من المشاكل و الأضرار للمجتمعات
الإنسانیّة. 

و ما یثیر الأسف هو أنَّ بعض الفلاسفة و
علماء الأخلاق یرون أن الإختلاط الجنسي هو عملٌ میدانيّ و لذلك فإنّه من الرذائل و
آخرین مَن هُم أكثر إفراطًا في هذا الموضوع إذ أنّهم یرون أنَّ « شجرة الإزدواج
یجب قطع جذورها بالتجرُّد.»

 فما لا شك فیه هو
أنَّ هذه التصرُّفات تؤدّي إلی إنقراض النسل الإنساني علاوة علی أنَّ ترك الإزدواج
یؤدّي بالكثیر من الناس إلی فقدان الكثیر من خصال الكمال وینحرمون منها. وإنَّ هذا
النوع من الكلام لمجرّد معرفة الوجود و كسب المعارف الأخری تؤدّي إلی الكثیر من
المشاكل، إذ أنَّ العمل خلافًا للقوانین الطبیعیّة و الأدیان الإبراهیمیّة و حتّی
القوانین العلمیّة.

حق الشهوة: إنَّ الإسلام لا یدعوا لكبت
الغرائز و العواطف الإنسانیّة، بل یجب إشباعها عن الطرق المشروعة لها. و لذلك نری
بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ الَّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاَّ عَلى‏ أَزْواجِهِمْ
أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومينَ فمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ
ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. »

إنَّ
الإزدواج في الدین الإسلاميّ هو لتنظیم الأمور الإجتماعیّة و التمتُّع بإشباع
الشهوات في نطاق الحلال فقط بین الزوج و الزوجة و السیطرة علی قوی الشهوات
للإمتناع من الإنحراف و الخروج عن نطاق الحلال و للتعفُّف عمّا دون ذلك، لكي لا
یتیه الناس في سُبُل الإنحراف و الفساد الإجتماعيّ و الفرديّ كما نری بیان ذلك في
ما قاله الإمام السجّاد ع في تعیین مجال إشباع الشهوة الجنسیّة في نطاق الحلال :
« وَ أَمَّا حَقُّ فَرْجِكَ فَحِفْظُهُ مِمَّا لَا يَحِلُّ
لَكَ وَ الِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِ بِغَضِّ الْبَصَرِ فَإِنَّهُ مِنْ أَعْوَنِ
الْأَعْوَانِ وَ كَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَ التَّهَدُّدِ لِنَفْسِكَ بِاللَّهِ
وَ التَّخْوِيفِ لَهَا بِهِ وَ بِاللَّهِ الْعِصْمَةُ وَ التَّأْيِيدُ وَ لَا
حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلاّ بِه.» 

 إذ أنَّ البقاء في نطاق التعفُّف و الإبتعاد عن الوقوع في الأخطاء و
المعاصي لا یكون إلّا بالعمل وفقًا للسُّنَنن الإلهیّة و تحت حمایته جلَّ و علا. و
ما لا شك فیه هو أنَّ التعفُّف عن النظر إلی حریم الآخرین هو من السُّبل المهمّة
لترك الوقوع في الحرام كما و أنَّ ذكر الموت أیضًا یكون خیر المُحَفِّز للعفّة ،
إذ أنَّ یقین الإنسان بأنَّ هنالك عذابٌ للعقاب علی عملِ ما حرّمه الله تبارك و
تعالی ، یؤدّي به إلی السیطرة علی النفس الأمّارة بالسوء للتجنُّب عما یستحقّ به
العذاب و لذلك فإنَّ الإزدواج من الحصون المنیعة للتجنُّب من الوقوع في الحرام.

و قال رسول الرحمة و الرأفة ص فیما
یخصُّ ذلك : « مَا بُنِيَ‏ بِنَاءٌ فِي‏
الْإِسْلَامِ‏ أَحَبُ‏ إِلَى‏ اللَّهِ‏ تَعَالَى مِنَ التَّزْوِيجِ .» كما
و نری أیضًا فیما یخصُّ التستُّر والتعفُّف والإبتعاد عن المعاصي والقبائح باللجوء
إلی حصن الإدواج في قوله تعالی : « هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ
وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُن . . » و في الآیة 21 من سورة الروم في قوله
تعالی:  وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ.»  

فما لا شك فیه هو أنَّ التوسُّم بهذا اللباس
الجمیل سوف یحفظ الإنسان الذَكَر أو الأنثی نفسه من الوقوع بإرتكاب المعاصي والقبائح
و الفضائح و یحفظها من كلّ آفةٍ و مَضَرّة لیبقی طاهرًا زكیًّا كما بیّن ذلك رسول
الله ص : « مَنْ‏ سَرَّهُ‏ أَنْ‏
يَلْقَى‏ اللَّهَ‏ طَاهِراً مُطَهَّراً فَلْيَلْقَهُ بِزَوْجَةٍ »  

و قد وجّه رسول الله ص تحذیره للذین یظنّون أنَّ
تزكیة النفس و حفظها یتمُّ فقط بالإبتعاد عن النساء و ینحصر بالعبادة و الصوم
والصلاة و الإنزواء قائلاً : « أتَرْغَبُونَ‏ عَنِ‏
النِّسَاءِ إِنِّي‏ آتِي النِّسَاءَ وَ أُفْطِرُ بِالنَّهَارِ وَ أَنَامُ
اللَّيْلَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي.»

لا
یجوز في الإسلام ترك الإزدواج و لذلك لا یجوز فیه أیضًا إشباع الرغبات الجنسیّة عن
طریق الحرام من قبیل الزنا و العیاذ بالله كما نری بیان ذلك في قوله تعالی: « وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبيلا .

و هكذا یتّضح لنا أنَّ كون الزنا و إشباع الشهوات
به حرامٌ بحت فإنَّ الزنا قد حرّمه الله تبارک و تعالی لأنَّ فی کونه  حرامًا الكثیر من الحِكم و منها:

1.    إنَّ
الزنا یُدهور النظام العائلي و ینشر الهرج و المرج في النظام العائليّ و یُدهوِر
الروابط بین أفراد العائلة و یُحطِّم أساس المحبّة و العلاقات العائلیّة.

2.    إنّه یسبِّب
إزدیاد النزاع الفردي و الإجتماعيّ و التشویش بین العلاقات و إلی أنَّ البعض من
الذین یتبعون أهواء النفس و مخادع الشیطان أن یقعوا في الإنحرافات الجنسیّة و إرتكاب
الجرائم.

3.    إنَّ
الزنا یسبِّب إنتشار الكثیر من الأمراض و المشاكل و إنحطاط النفسیّة و الروحیّة، فإنَّ
أمراض الـ HIV و الأیدز Aids هي من الأمراض التي تنتشر فقط عن طریق الزنا.

4.    إنَّ
الزنا یُسبِّب فناء نسل البشریّة بالتدریج، إذ أنَّ البعض یرتكبونها لإرضاء و
إشباع الرغبات الجنسیّة فقط، في حین أنَّ الإزدواج لیس فقط لإشباع الرغبات
الجنسیّة، بل إنّه هو الوسیلة لحفظ نسل البشریّة، علاوة علی أنَّ الإنسان یقوم
بأداء واجباته في النظام العائليّ و یسعی بوسیلة القیام بالواجبات التي علی عاتقه،
للتوصُّل إلی الكمال المطلوب.

و
ما لا شك فیه هو أنّ المَضارّ الدنیویّة و الأُخرویّة من الزنا كثیرة جدًّا، فلنری
في سبیل المثال إحدی هذه الكوارث و هي ما قاله الرسول الأكرم المصطفی الأمجد أبوا
القاسم محمّد ص لإبن عمّه أمیر المؤمنین و سیّد الوصیّین عليٍّ بن أبیطالب ع :
« یَا عَلِيُّ فِي‏ الزِّنَا سِتُّ خِصَالٍ ثَلَاثٌ مِنْهَا
فِي الدُّنْيَا وَ ثَلَاثٌ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ فَأَمَّا الَّتِي فِي
الدُّنْيَا فَيَذْهَبُ بِالْبَهَاءِ وَ يُعَجِّلُ الْفَنَاءَ وَ يَقْطَعُ
الرِّزْقَ وَ أَمَّا الَّتِي فِي الْآخِرَةِ فَسُوءُ الْحِسَابِ وَ سَخَطُ الرَّحْمَنِ
وَ خُلُودٌ فِي النَّار.»

نرجو
الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة
الإسلامیّة ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في
خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و
لأولیائه علی عتبة رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن
نحمده و نشكره علی كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة
سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ
النِّعَم.                                                 
آمین یا ربِّ العالمین

                                                                             والسلام علیكم و رحمة الله وبركاته   

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment