11.03.2016 بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.

إنَّ
من جملة الحقوق الأخلاقیّة التي تكلّم عنها الإمام السجّاد ع في زمانه، هي حقّ «الحاكم
العادل». ففي بدایة الكلام یجب أن نعلم بأن كلّ مجتمع في حاجة إلی الحاكم الذي
یُدیرَهُ لنشر النظام و منع إنتشار الهرج و المرج فیه. و هذا أمرٌ ضروريٌّ كما نری
بیان ذلك في قول الإمام عليّ بن أبیطالب أمیر المؤمنین ع في قوله: « فَإِنَّهُ لاَبُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ أَمِيرٍ بَرٍّ أَوْ
فَاجِرٍ، يَعْمَلُ فِي إِمْرَتِهِ الْمُؤْمِنُ، وَيَسْتَمْتِعُ فِيهَا الْكافِرُ،
وَيُبَلِّغُ اللهُ فِيهَا الاَجَلَ، وَيُجْمَعُ بِهِ الْفَيءُ، وَيُقَاتَلُ بِهِ
الْعَدُوُّ، وَتَأْمَنُ بِهِ السُّبُلُ، وَيُؤْخَذُ بِهِ لِلضَّعِيفِ مِنَ
الْقَوِيِّ، حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ، وَيُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ» [1] و كلّ ذلك ضروريٌّ للمجتمعات لكي یستطیع
الناس أن ینشغلوا بإدارة أعمالهم و تنظیم حیاتهم الخاصّة و أن یتمتّعوا جمیعًا
بالأمن من المسلمین و الغیر مسلمین  و
حتی  الكافرون الذین یعیشون في المجتمع
الذي تحت سیطرة حاكم زمانهم.

کما و علی الحكومة أن تُدبِّر
أمور بیت المال و جمع المبالغ لتدبیر أمورها و ضمان إمكانیّة المبارزة ضد الأعداء
لکي یسود الأمن و الأمان في الشوارع و الحیاة الإجتماعیّة لیلًا و نهارًا و أن
یتمّ أخذ الحقوق الإجتماعیّة من الأثریاء 
لمساعدة الضعفاء و التهیئة لإنتشار الأعمال الصالحة و حفظ الناس من تعدّیات
الأشرار. فلو إن تمَّ تشكیل حكومة تحت إدارة حاكمٍ عادلٍ یسعی لضمان حقوق الناس، فهو
الذي بدوره أیضًا له حقٌّ علی الناس و ذلك ما یجب علیهم معرفته و أداءهُ. و ما لاشك
فیه هو أنّ الناس لهُم أیضًا حقوقهُم التي یجب أن یعرفها الحاكم و أن یؤدِّیها
لهُم كما نری بیان ذلك في الخطبة 34 في نهج البلاغة لسیّد العادلین و أمیرالمؤمنین
عليّ ع في قوله: « أَيُّهَا النَّاسُ إِنَ‏ لِي‏
عَلَيْكُمْ‏ حَقّاً وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ
فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وَ َعْلِيمُكُمْ كَيْلَا
تَجْهَلُوا وَ تَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وَ أَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ
فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ وَالنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ
وَالْإِجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ وَ الطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُم» [2] ‏   

الشروط
التي یجب أن یتوسّم بها الحاكم الإسلامی:

إنَّ
من الخصائص
المهِمّة التي یجب علی الحاكم الإسلاميّ أن یعرفها، هي العلوم و المعارف التي
تخصُّ إدارة الدولة و المجتمع الذي یحكمه. إذ أنَّ في هذه العلوم الأصول و المباني
التي تخصّها و لذلك یجب علی الحاكم الإسلاميّ أن یعرفها حقّ المعرفة. و ما لاشك
فیه هو ضرورة أن علی الحاكم أن یعرف كلّ الأمورالعلمیّة و العملیّة التي تكون
المبنی لإثبات و تحقیق الأمنیّة في المجتمع، كما و یجب علیه أن یعلم كیف یُدبِّر
الأمور الإجتماعیّة من وجهة النظر الثقافیّة و السیاسیّة و الإقتصادیّة و إدارة
المجتمع مع الإلتزام بالعدالة و التعالیم و الأصول الدینیّة.

و
أمّا ما یخصُّ علم إدارة الدولة فذلک في كمال الوضوح بأنّه یجب أن یعلم الحاکم كیف
یتمكَّن أن یهیّئ الشروط للرشد المعنويّ و الأخلاقي في المجتمع و وَضعِ البرامج
لتقدُّمه في مسیرالعدالة و الإصلاح. كما و أنَّ من المواضیع المهمّة جدًّا هي ما
في التعالیم الدینیّة من البرامج التي تخصُّ الحوائج الحقیقیّة في المجتمع و التي
یجب أن یتمّ إجراؤها و تحقیقها مع مراعاة آراء الناس و حوائجهم.

كما
و أنَّ مقولة أنَّ « الدین منفصلٌ عن السیاسة » أمرٌ یجب التفکُّر فیه  بصورة جدّیّة لکي نری هل إنّه أمرٌ واقعيٌّ أم
لا؟  إذ أنّنا حین نعلم أنَّ الدین قد جاء
لهدایة الناس و فیه كمال البرامج لتحقیق الحوائج الفردیّة و الإجتماعیّة ، و لذلك
فإنَّ فیه الإمكانیّة لتألیف البرامج المناسبة للمجتمعات ، إذ أنَّ الدین هو ما
فیه التعالیم التي وضعها الله تبارك و تعالی لعباده الذین خلقهَم لكی یعیشوا في
رغدٍ و أمان و من یَعلمُ ما هو خیرٌ للمخلوقین غیر الذي خلقهُم و تبارك الله أحسن
الخالقین.    

و لو تمعنّا في حقیقة الوِجهات الفردیّة و
الإجتماعیّة للإنسان، لرأینا أنَّها لا یمكن أن تُفصل عن بعضها تمامًا، إذ أنّ
فیها التأثیر المتقابل في أبعاد الحیاة و لذلك حین هاجر رسول الرحمة و الرأفة ص
إلی المدینة التي نوّرها بنوره و أسّس الحكومة الإسلامیّة لإدارة الدولة في تلك
البلاد.

و من بعد نشر التعالیم
الأوّلیّة التي قد تمَّ تحقیقها في مكة المكرّمة، أسس الحكومة وفقًا للقوانین
الإلهیّة و ما لا شك فیه هو أنَّه كان فیها الضمان لحفظ كرامة الإنسان من أیّة
وجهةٍ ما كان. ولذلك فإنَّ كلّ الناس كانوا قد تمتّعوا بحفظ حقوقهم  فیما یخصُّ العدالة كمواطنین في تلك البلاد، فإنَّ
من أهمّ الخصائص و الأسُس في الحكومة الإسلامیّة، هي العدالة، إذ أنّ الحاکم
العادل في المجتمع الإسلاميّ هو الذي « یَضَعُ‏
الْأُمُورَ مَوَاضِعَهَا » [3] .

و ما هو ضروريٌّ لا بدیل له، هو توسُّم
الحاکم بالعدالة! وهذا هو ما كان من أوثق صفات الأنبیاء كما نری بیان ذلك في
قوله تعالی: « لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ
وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْميزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْط » [4]
و لكي یستطیع الناس أن یَمِیزوا الحقَّ من الباطل. إذ أنَّ الحاكم العادل هو الذي
یُنَجّي الناس من الهلاك كما نری بیان ذلك في ماقاله أمیرالمؤمنین ع : « فَإِنَ‏ الرَّعِيَّةَ الصَّالِحَةَ تَنْجُو بِالْإِمَامِ
الْعَادِلِ أَلَا وَ إِنَّ الرَّعِيَّةَ الْفَاجِرَةَ تُهْلَكُ بِالْإِمَامِ
الْفَاجِرِ » [5]

و ما
جاء في القرآن الكریم عن یوسف ع ذلك الرسول الذي كان ذو قابلیّة عظیمة قد وهبها
الله تبارك وتعالی له لیدیر المجتمع المنحطٌّ الذي كان في زمانه و فیما یخصُّ كلّ
الأمور بِخَیرِ ماكان. فإنّه كان خیرُ أمینٍ حافظٍ لأموال الناس و علاوة علی ذلك
كان ذوعلمٍ و حكمة في إدارة الأمور الإقتصادیّة وحفظ أموال الناس و أنفسهم كما نری
بیان ذلك في قوله تعالی ما قاله یُوسُفَ النَّبِيِّ ع لِمَلِكِ مِصْر حین: « قَالَ إجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ
عَلِيمٌ 55 » [6]

و حین إستلم ذلك الرسول العظیم زمام الأمور بیده في مصر،
نجّاهُم من الأزمات الإجتماعیّة و الكوارث الإقتصادیّة و المالیّة و الغذائیّة و…
، و قد إنتشرت البركات عندئذٍ في مصر لدرجة بحیث أنّه بدأ بالمعونات للبلدان
المجاورة التي كانت أیضًا تعاني من المجاعة و الأزمات الإقتصادیّة و الغذائیّة في
تلك السنوات التي كانت تسودها الیبوسة و إنقطاع الأمطار.   

و
أمّا بیان الإمام السجّاد ع فیما یخصُّ حق الحاكم و واجباته، فهو أنَّ الحاكم
یجب علیه أن یُراعي حقوق الناس و ینشر العدالة في بلاده و یذكر الكثیر من الأمور
التي یجب مراعاتها وإجرائها، إذ أنّها هي التي بواسطتها تنتشر العدالة و الطمأنینة
و الأمن و الأمان في البلاد التي تسودها.

نرجو الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا
بالتوفیق لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة أن
یُقَوّي هذه الروحیّة المؤمنة فینا جمیعًا لكي نستطیع أن نسعی لدفع الفقر عن
المحتاجین بأجمعهم ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

 

                                                                           
آمین یا ربِّ العالمین   

                                                                            
والسلام علیكم و رحمة
الله وبركاته 

 

[1]. نهج البلاغة: الخطبة 40.

[2]. نهج البلاغة: الخطبة 34.

[3]. نهج
البلاغة: الحكمة
437.

[4]. سورة الحدید/25.

[5]. مفید، محمد بن محمد، الإرشاد، ج1، ص260 .

[6]. سورة یوسف ع /55.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment