بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.

الموضوع : المعارف الإسلامیّة 171 الإسلام و حقوق الأخلاقی 16

تكلّمنا في الخطبة الماضیة عن عدم صحّة نظریّة فصل
الدین عن السیاسة، إذ إنّنا حین نتمعّن في حقیقة الدین و جوهره وتعاليمه التي
هي ضمان لحفظ كرامة الإنسان بشتى أبعاده الوجودية. لابدّ أن
يسعى المجتمع البشري لتحقيق العدالة وتوفير الأمن والسعي إلى إيجاد تفكير صحيح لدى
الإنسان بحيث يكون عقلانیّا لدرجة عمیقة، لكي یتمتّع الكلّ بحياة كريمة، والمسیر
في سبیل تحقیق التكامُل و الرشد المعنويّ و التقرُّب إلی الله تبارك و تعالی و
لذلك لایمكن فصل الدين عن السّیاسة إذ إنّه هو الدین الذي وضعه الله تبارك و تعالی
للبشریّة ، فهو دين قائمٌ على أساس العدل والتفكير العقلانيّ السليم،  وهو القانون الحاكم الذي یكون جاریًا إلی یوم
یُبعثون، وهذا ما صرحت به الشريعة الإسلامية من خلال الآيات  القرآنية والروايات الشريفة ولا يمكن بأي وجه
كان تفسير هذه الآيات والروايات خلاف هذه الرؤية.

و یجب أن یدور البحث حول هذا الموضوع بدقة و بالإستناد علی
المصادر التي تخصُّه وسوف نتعرض لهذه الآيات والروايات :

حقّ الحاكم العادل:

إنَّ من إحدی الحقوق التي یؤكد علیها الإمام السجّاد ع
هي معرفة حقّ الحاكم العادل و علمه بوجوب القیام بواجباته و أدائها كما نراه في
خطابه الذي قال فیه ع : « فَأَمَّا حَقُّ سَائِسِكَ
بِالسُّلْطَانِ فَأَنْ تَعْلَمَ أَنَّكَ جُعِلْتَ لَهُ فِتْنَةً وَ أَنَّهُ
مُبْتَلًى فِيكَ بِمَا جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ عَلَيْكَ مِنَ السُّلْطَانِ وَ أَنْ
تُخْلِصَ لَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَ أَنْ لَا تُمَاحِكَهُ‏، وَ قَدْ بُسِطَتْ
يَدُهُ عَلَيْكَ فَتَكُونَ سَبَبَ هَلَاكِ نَفْسِكَ وَ هَلَاكِهِ وَ تَذَلَّلْ وَ
تَلَطَّفْ لِإِعْطَائِهِ مِنَ الرِّضَا مَا يَكُفُّهُ عَنْكَ وَ لَا يُضِرُّ
بِدِينِكَ وَ تَسْتَعِينُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِاللَّهِ وَ لَا تُعَازِّهِ‏، وَ
لَا تُعَانِدْهُ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ عَقَقْتَهُ وَ عَقَقْتَ نَفْسَكَ
فَعَرَّضْتَهَا لِمَكْرُوهِهِ وَ عَرَّضْتَهُ لِلْهَلَكَةِ فِيكَ وَ كُنْتَ
خَلِيقاً أَنْ تَكُونَ مُعِيناً لَهُ عَلَى نَفْسِكَ‏، وَ شَرِيكاً لَهُ فِيمَا
أَتَى إِلَيْكَ، وَ لا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ‏ ». [1]

و یشیر الإمام السجّاد ع في هذا البیان إلی أنَّ الحاكم
العادل هو الذي نصب نفسه وبذلها لحفظ كرامة الإنسان و المجتمع الذي یعیش فیه و
یتحمّل بذلك مسؤلیّته، فهو جديرٌ و یستحقّ هذا الإحترام لهذه المنزلة، إذ أنّه
یسعی لنشر العدالة في المجتمع الذي یُدیرهُ و لذلك وصّی الرسول الأكرم ص في خطابه
الموجّه إلی الناس قائلاً: « وقِّروا السلاطينَ وبجلوهم
فإنهم عِزُّ الله و ظِلّه في الأرض إذا كانوا عَدولاً.» [2]

ولذلك كثیرًا ما یتعرّض الناس الذین یعیشون في البلاد
التي فیها مثل هذه الحكومات للإمتحان. لهذا فإنَّ الحاكم العادل لاستمرار حكومته بحاجة
إلی الحمایة والدعم والعون من قبل رعيته لتطبيق الأحكام وتنفيذها وهناك الكثیر من
الموارد التي تخصُّ المسائل الثقافیّة ، الإقتصادیّة، السیاسیّة و غیرها إلی معونة
الناس و دعمهم له، فإن لم یتعاون الناس معه في تطبیق تلك الأحكام و الأنظمة
الإجتماعیّة ، فسوف تَضعَفُ حكومته یومًا بعد یوم.

و لذلك یجب علی الناس أن یعملوا بتعالیمه و نصائحه التي
هي في صَلاحِهم و وفقًا للأنظمة السائدة کما و یجب علیهم أن یُقدِّموا له ما في
وسعهم من وجهات نظر و آراء لحل المشاكل التي  قد تقع ، و لكن إتّخاذ القرار النهائي لتنفيذها یكون
من مسؤلیّة الحاكم فقط ،  و من دون أيِّ
جدالٍ و نقاش، إذ أنّه یمكن أن تُعرَض له العدید من الإقتراحات، و المسؤلیّة
لتمییز الحقّ من الباطل و الصحیح من الخطئ یكون علی عاتقه فقط. كما ویجب علی الناس
أن لا ینتقدوا قراراته وأوامره من دون دليل و لا أن یخالفونه و یُعادونه من  دون اللجوء إلى أسباب منطقيّة و لكنّ النقد
البنّاء  الموجّه إلی الحاكم العادل مع حفظ
وقاره أمرٌ یُرَحَّب به.

 إنَّ كلّ إنسان
له ذوقه الخاص به و یقوم بأعماله كما یحبّ ، و لربّما لا یتوافق ذلك بدوره مع ذوق
الآخرین. و لذلك فإنَّ كلّ عملٍ یُقام به و یری البعض من الناس أنّه خلاف لذوقهم، ولایصحُّ
الإصرار و التدخُّل فیه. إذ أنَّه من الممكن أن یكون إنتقادهُم أیضًا لا یتوافق مع
أذواق الآخرین و یتعرّض المُنتَقِد هوَ بدورهِ أیضًا للإنتقاد.

وعلى حال لا بد من فسح المجال أمام الآخرين لأنه من
الممكن أي يكون الرأي الذي قد طرح هو أصح وأقرب للصواب أيضا .

و من وصایا الإمام السجّاد ع هو أنَّ علی الناس
الذین یعیشون في بلادٍ یحكمها حاكمٌ عادلٌ ، أن یتصرّفوا في حضوره متواضعین
متوافقین مع إظهار إحترامِهِم له، إذ أنّه كثیرًا ما تُوَجّه إلیه الإعتراضات و
لربّما یمكن أن یكون مُعَرّض للتهدید والخطرٍ، بالرغم من أنّه یسعی لإدارة المجتمع
بأحسن ما في وسعه. ولذلك یجب إطاعته و العمل 
بتعالیمه، لكي لایتعرض الناس و المجتمع الذي یعیشون فیه إلی المشاكل. كما و
یجب أن یُؤدّی الشكر و التقدیر إلیه من قِبَل الناس الذین یعیشون في رغدٍ و أمان
في البلاد التي یحكمها.

و ما لاشك فیه هو أنّه لو إن حصلت حوادث أو تصرُّفات
تؤدّي إلی ضعف مكانة الحاكم من دون أن تكون التصرُّفات أو الإعتراضات منطقیّة أو
وفقًا للقوانین السائدة ، فمن المُمكن أن تؤدّي إلی إختلال المكانة القانونیّة
لتلك الحكومة.

و من الحقوق الأخری التي علی الناس للحاکم العادل هي أن
یعملوا بتعالیمه و مقرّراته التي یُصَدِّرها وفقًا لمقامه و صلاحیّاّته، إذ أنّها
تکون لصالح الجمیع. و لکن النقد المنطقيّ العادل المنصف والمحكم الذي له مکانته المحترمة
الذي یکون إجراءَهُ مفیداً و في صالح الجمیع و یؤدّي إلی إرتقاء المجتمع. 

و من ما لا شکَّ فیه هو أنَّ كل أمة تحشر يوم القيامة مع
من اتخذته إماماً لها .

و هنالک روایة تخصُّ هذا الموضوع من بُشر بن غالب
عن الإمام الحسین ع في تفسیر آیة «يَوْمَ
نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِم‏ » [3] أنَّ الناس سألوه عن
تفسیر هذه الآیة الکریمة فأجابهُم قائلاً: « إِمَامٌ
دَعَا إِلَى هُدًى فَأَجَابُوهُ إِلَيْهِ، وَ إِمَامٌ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ
فَأَجَابُوهُ إِلَيْهَا، هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ، وَ هَؤُلَاءِ فِي النَّارِ، وَ
هُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَ جَلَ‏ « فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي
السَّعِيرِ » [4]
 

کما و إنَّ ما لاشکَّ فیه هو أنَّ التکریمٍ و الإحترامٍ
یجب أن یکون للإمام و الحاکم العادل الذي تکون کلّ نظامه و حکومته مبنیّة علی أسُس
العدالة تجاه کلّ الناس.

و لکن لو إن کان الحاکم یسیر في مسیر الإستبداد و قول
الزور و یسعی للسیطرة علی الشعب و إستعماره و إستثماره  فلا تکون أیّة حرمة له . لذلک قال الإمام
الباقر ع في ما یخصُّ هذا الموضوع: « ثَلَاثَةٌ لَيْسَتْ
لَهُمْ حُرْمَةٌ: صَاحِبُ هَوًى مُبْتَدَعٍ، وَ الْإِمَامُ الْجَائِرُ، وَ
الْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ الْفِسْقِ » [5]

 و هذا ما نراه
في خطاب أمیر المؤمینن ع الموجّه إلی الحاکم الذي قد قام بالخیانة في قوله ع :
«بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ
أَسْخَطْتَ إِلَهَكَ وَ عَصَيْتَ إِمَامَكَ أَنَّكَ تَقْسِمُ فَيْ‏ءَ
الْمُسْلِمِينَ الَّذِي حَازَتْهُ رِمَاحُهُمْ وَ خُيُولُهُمْ وَ أُرِيقَتْ
عَلَيْهِ دِمَاؤُهُمْ فِيمَنِ اعْتَامَكَ مِنْ أَعْرَابِ قَوْمِكَ فَوَالَّذِي
فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَئِنْ كَانَ ذَلِكَ حَقّاً لَتَجِدَنَّ
لَكَ عَلَيَّ هَوَاناً وَ لَتَخِفَّنَّ عِنْدِي مِيزَاناً فَلَا تَسْتَهِنْ
بِحَقِّ رَبِّكَ وَ لَا تُصْلِحْ دُنْيَاكَ بِمَحْقِ دِينِكَ فَتَكُونَ مِنَ‏
الْأَخْسَرِينَ‏ أَعْمَالا » [6]

لا ­شکَّ أنَّ حفظ حق الحاکم العادل لتقویة الوحدة و التوافق
وتقوية  المجتمع الدیني له آثار کبيرة
وتؤدّي إلی تحقیق العدالة الإجتماعیّة بصورة معنویّة جامعة شاملة لکل  المجالات و الأفراد.

  نرجو من الله تبارك و تعالی أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق
لفهم المعارف الدینیّة الإسلامیّة أن
یُقَوّي هذه الروحیّة المؤمنة فینا جمیعًا لكي نستطیع أن ندفع الفقر عن المحتاجین
بأجمعهم ونسأله جلَّ وعلا أن یُوَفِّقنا للتعمُّق في خشیته و طاعته  بالرغبة و المحبّة له و لأولیائه علی عتبة
رحمته و أن نكون خَلوقین محسنین تجاه الآخرین من عباده و أن نحمده و نشكره علی
كلِّ ما وهبنا من الهُدی وأن نهتمّ بكلِّ ما في وسعنا لمعرفة سبیل الرشاد والعمل
الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

 

آمین یا ربِّ العالمین

والسلام علیكم و رحمة الله وبركاته

[1]. إبن شعبة الحرانى، حسن بن علي، تُحَفِ العُقول، ص260.

[2]. الزمخشري، ربيع الأبرار و نصوص الأخبار، ج5، ص161، تحقيق
عبد الأمير مُهَنّا، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الأولی، 1412ق. و
الإمام زين العابدين ع ، شرح رسالة الحقوق، ص382، تحقيق حسن السيد علي
القبانچي، قم، إسماعيليان، الطبعة الثانیة ، 1406ق.

[3]. سورة الإسراء/71.

[4]. سورة الشوری/7.

[5]. حميرى، عبد الله بن جعفر، قرب الإسناد، ص176، ح645، قم،
مؤسسة آل البيت عليهم السلام ، الطبعة الأولی، 1413ق.

[6]. نهج البلاغة، الرسالة /43.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment