صلاة الجمعة

             التاریخ: 01.04.2016                                               بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله
الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك
لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه جزء
من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد
صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین
الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  

عباد
الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.

نتأمّل
معاً الكلام
النورانيّ لإمامنا زينِ العابدين ع في رسالةِ الحقوقِ، التي بيّن فيها «حقّ
المعلّم»؛ الشخصيّة ذات الدور الأساسي في تربيةِ الإنسانِ من الناحيةِ العلميّةِ
والمعنويّةِ وفي بناءِ المجتمع الصالحِ و قد أشار الإمامُ ع في كلامهِ إلى نقاطٍ
مهمّةٍ سيدور كلامنا حولها اليوم.

المربّي الأول للإنسان:

لا شك
أنَّ أهمّیّةَ دورِ المُعَلِّمِ نابِعةٌ من اِنتِمائِه على أهمّ رأسمالٍ تفضّلَ
اللهُ به على الإنسان، و هو العقلُ و القلبُ، أي الوسائل التي يتربى بها ليهتدي في
حیاته إلى سبیل الحقّ. وهذا ما يجعلُ الإستماعَ إلی تعالیمِ الأستاذِ و التمعُّنِ
فیها من الأهميةِ بمكان، فذلك يساعدُنا على سلوكِ طريقِ الفوزِ و النجاةِ وهذا ما
نجدُه في كلام الإمام محمّد الجواد ع حیث قال : « مَنْ أَصْغَى إِلَى نَاطِقٍ فَقَدْ عَبَدَهُ فَإِنْ كَانَ النَّاطِقُ
يُؤَدِّي عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ فَقَدْ عَبَدَ اللَّهَ وَ إِنْ كَانَ
النَّاطِقُ يُؤَدِّي عَنِ الشَّيْطَانِ فَقَدْ عَبَدَ الشَّيْطَان » [1]

و لذلك
علی الإنسان الذي یریدُ معرفةَ سبیلِ الرشاد، أن یسعی لكسب العلمِ و المعارف
الأخلاقیّة، فهي خیرُ ثروةٍ في الحیاةِ الدنیا وستبقى معه في كلّ مكانٍ و زمانٍ،
هذا طبعاً إذا كانت العلومُ و المعارفُ الأخلاقیّة ملكةٌ راسخةٌ في الروحِ وإلّا
ستكون وزراً و وبالاً عليه. لذلك علی الإنسان أن یعرَف نفسَه قدرَ المستطاع،
فالأمرُ كما قال أمير المؤمنين: « مَن عَرَفَ نَفسَه فَقَد عَرَفَ رَبّه »
.

علی
الإنسانِ أن یعرفَ من هو؟  و كیف یجبُ أن یعیش؟  و لمَ يمتلك نوعین من الوجود؟ و كیف یجب أن
یُربِّي نفسه؟

و قد أجابنا اللهُ تعالى عن
كلّ هذه الأسئلة حيث أمرَنا أن نتعلّمَ و نسألَ أهل العلم عمّا لا نعلمُ و هو قوله
تعالی « فَسْئَلُوا أَهْلَ‏ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا
تَعْلَمُونَ » [2]
وفي روایةٍ عن الرسول الأكرم ص أنه قال: « سَائِلُوا الْعُلَمَاءَ وَ خَاطِبُوا الْحُكَمَاءَ وَ
جَالِسُوا الْفُقَرَاء.» [3] و في روایة عن أمیر المؤمنین ع تُعَد درساً
في إدارة الحكم الإسلامي، وصّی الإمام ع مالك الأشتر أن: « وَ أَكْثِرْ مُدَارَسَةَ الْعُلَمَاءِ وَ مُنَاقَشَةَ
الْحُكَمَاءِ فِي تَثْبِيتِ مَا صَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ بِلَادِكَ وَ إِقَامَةِ
مَا اسْتَقَامَ بِهِ النَّاسُ قَبْلَك .» [4]
و هکذا نجدُ أنّ علینا  اختيارَ الأستاذِ الذي نطمئنَّ أنَّ وقتنا معه
لن یکونَ خسارة. قال الله تعالى في كتابه الكريم: « فَلْيَنْظُرِ
الْإِنْسانُ إِلى‏ طَعامِه» [5]
والإمام الباقر ع يفسّر هذه الآیة فيقول: «عن زَيْد
الشَّحَّامِ‏ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ع ‏ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى‏ طَعامِهِ‏ قَالَ قُلْتُ مَا طَعَامُهُ؟ قَالَ ع
عِلْمُهُ‏ الَّذِي‏ يَأْخُذُهُ‏ عَمَّنْ يَأْخُذهُ » [6]

ويقسّم تفسیرُ الصافي الطعام
إلی قسمین: الطعام المادّي و الطعام المعنويّ. فالإنسان لديه روح وجسد ، فهو إذن
بحاجةٍ إلی غذاءٍ مادي و آخر معنوي. يستطيع الإنسانُ أن يتفكرَ في طعامه المادي
فيفكر كيف نزلت الأمطارُ ونبتت الحبوبُ من باطن الأرض! ويتفكر في طعامه المعنوي
وكيف شملنا اللطفُ الإلهي بإنزال الوحي والعلم وكيف يجب علينا أن نفكّر فيمن نأخذُ
العلمَ عنه، إن كان هو المصدر الصحيح. [7]

مراعاة حقوق المعلم و حفظ
حرمته! و أمّا ما یخصُّ مراعاة حقوق المعلِّم، فخیر
مثال على ذلك ما جاء في سورة الکهف حول قصةِ النبيّ موسی ع و الخضر، فهذه القصةُ
تكفينا لنعرفَ مکانةَ المعلِّمِ و عظمِ حرمتِه ، والنبيُّ موسی ع خيرُ قدوةٍ
يعلمُنا كيف تكونُ التبعيةُ للمعلمِ و تعظيمُ شأنِه والتواضعُ له، حيثُ يطرحُ
أسئلتَه و يذكرُ أن هناك أموراً يجهلها وأنه یسعی لکسب المزید من العلوم و
المعارف، فنستنتج إذن أن تواضع التلميذ أمام أستاذه أمرٌ ضروريٌّ، وهذا ما ورد في رواية
عن أمير المؤمنين ع كذلك: «عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ
ع قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع يَقُولُ‏ إِنَّ مِنْ‏ حَقِ‏
الْعَالِمِ‏ أَنْ‏ لَا تُكْثِرَ عَلَيْهِ السُّؤَالَ وَ لَا تَأْخُذَ بِثَوْبِهِ
وَ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِ وَ عِنْدهُ قَوْمٌ فَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ جَمِيعاً وَ
خُصَّهُ بِالتَّحِيَّةِ دُونَهُمْ وَ اجْلِسْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لَا تَجْلِسْ
خَلْفَهُ وَ لَا تَغْمِزْ بِعَيْنِكَ وَ لَا تُشِرْ بِيَدِكَ وَ لَا تُكْثِرْ مِنَ
الْقَوْلِ قَالَ فُلَانٌ وَ قَالَ فُلَانٌ خِلَافاً لِقَوْلِهِ وَ لَا تَضْجَرْ
بِطُولِ صُحْبَتِهِ فَإِنَّمَا مَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ النَّخْلَةِ
تَنْتَظِرُهَا حَتَّى يَسْقُطَ عَلَيْكَ مِنْهَا شَئ‏» [8]  

رأيُّ الغزالي فی مکانة
المعلِّم:

تعقيباً على مرّ، فلنرَ ماذا
يقول الغزالي في مكانة المعلم. ذكر الغزاليُّ أن الإنسانَ ينتقل بين أربعةِ مراحلَ
في العلومِ و هو يشبهُ بذلك طالبَ المال و الثروةِ الذي: أولاً ـ يكسبُ
المالَ ويجمعُه.   ثانياً ـ يحفظُ
المالَ ويحافظُ عليه.   ثالثاً ـ يستمتعُ
بنفسه بهذا المال وهذه الثروة.   رابعاً
ـ ينفق على الآخرين و يعينعهم و يوصل الخير إلى الآخرين بفضل ما بذله من جهود.
فالمرحلة الأخیرة هي افضل حالات طالب المال، وبها يحصل على صفة الكرم والفضل.

و كذلك حال طالب العلم:  أوّلاً: کسب
العلوم.   ثانًیًا: حفظ العلوم.   ثالثًا: البحث عن طرق الاستفادة من العلوم.
 رابعًا: نقل العلوم إلی الآخَرین. و
هذه أهم المراحل لأنها تنقذ المجتمع من الهلكة. [9]   

إذا أدّی العلماءُ واجباتِهم
في التربیةِ الصحيحةِ للمجتمعات ،
سيصبُح الناسُ من أهلِ العلمِ و التعقِّلِ و المعرفةِ و التدبُّرِ وعندما يؤدي
الجميعُ واجباتِهم فی التَعَلُّم و العملِ بما تعلموا سوف تُحَلُّ المشاکلَ
الإجتماعیّةِ و تتحرّر البشریّة من الجهل.

 

نسأل
الله عز وجل أن یمنّ علینا جمیعًا بالتوفیق و أداءِ حقِّ مُعلِّميَنا، فهم الذين
یحیون أفكارَ تلامِذَتِهم و يجلون أبصارَهم، ويحيون فينا الرغبةَ لفهم المعارفِ الدینیّة
والإسلامیّة.

ونسأل
الله أن یُقَوّي روح الإيمان فینا جمیعًا فنسعى لسد
حاجة الفقراء، ونسأله التوفيق للمزيد من خشیته و طاعته  والمحبّة له و لأولیائه

ونسأله برحمته أن يجعلنا من
المتخلقين بأحسن الأخلاق تجاه عباده، ونشكره علی ما هدانا ونسأله أن يوفقنا لتعلم
كلِّ ما في وسعنا لنعرف سبیل الرشاد والعمل الصالح و هو وليُّ كل توفیقٍ و له
الحمد و الشكر علی كلّ النِّعَم.

 

                                                                          
آمین یا ربِّ العالمین

                                                                            
والسلام علیكم و رحمة
الله وبركاته

 

[1]. الكلينى، محمد بن يعقوب، الكافی، ج6، ص434، ح24،
طهران، دار الكتب الإسلامية، الطبعة الرابعة، 1407ق.

[2]. النحل/43. و الانبیاء/7.

[3]. ابن اشعث، محمد بن محمد، الجعفريات الأشعثيات ، ص230،
طهران، مكتبة النينوى الحديثة، الطبعة الأولی، بى تا. و الشهيد الثانى، زين الدين
بن على، منية المريد، ص125، قم، مكتب الإعلام الإسلامي، الطبعة
الأولی،1409ق.وفیه «جالس الكبراء» بدل من «جالسوا الفقراء»

[4]. نهج البلاغة، الرسالة/53.

[5]. سورة عبس/24.

[6]. الکلینی، نفس المصدر، ج1، ص50، ح8.

[7]. فيض
الكاشاني، محمد بن شاه المرتضى، تفسير الصافي، ج5، ص287، طهران، مكتبة
الصدر، الطبعة الثانیة ، 1415ق.

[8]. کلینی، همان، ج1، ص37، ح1.

[9]. الغزالي، ابوحامد
محمد، إحياء
علوم الدين، ج 1، ص93، بیروت، دار الكتاب العربي، بی­تا.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment