صلاة الجمعة

 بسم الله الرحمن الرحیمالحمد لله ربّ العالمین و الحمد لله الذي لا مُضادّ له في مُلكه و لا مُنازِعَ لَهُ في أمره، الحمدالله الذی لا شریك لَهُ في خلقه و لا شبیهَ لَهُ في عَظَمَتِه  جزء من دعاء الإفتتاح  وصلّی الله علی سیّدنا و نبیّنا محمّد صلّی الله علیه وعلی آله الطیبین الطاهرین و أصحابه المنتجبین.  عباد الله أُوصیكم و نفسي بتقوی الله و اتّباع امره و نهیه.الفضيلة
الخامسة: الاستماع فقط إلى العلم النافع

  لقد تكلّمنا عن أهمية العلم
في كونه واحداً من التعاليم الإسلامية, وقلنا بأنّ الله فضّل العلم على العبادة والعمل
الصالح الخالي من المعرفة حسبما ورد عن رسول الله ص . ووصية رسول الله ص في خطابه
لأمير المؤمنين ع في هذا المجال توضح هذا الأمر كثيراً:


قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَ سَلَّمَ: “.

   والآن يأتي السؤال ما هو ملاك العلم النافع والعلم
غير النافع, بحيث أنّ المتّقين يدأبون بالسعي وراء العلم النافع فقط ويسمحون له بالدخول
إلى قلوبهم؟

العلم
النافع والعلم غیر النافع

   إنّ صفتي النافع و غير النافع للعلم متناقضتان
لا يمكن اجتماعهما وارتفاعهما, فلا يكون العلم نافعاً وغير نافع في نفس الوقت, كما
لا يُمكن نفي الصفتين عنه معاً. وعليه لا بُدّ من اتّصاف كلّ علم بإحدى هاتين الصفتين.
هذا وقد ورد الحثّ في كلام أعلام الدين الإسلامي على العلم النافع والتحذير من العلم
غير النافع. فأمير المؤمنين ع يعدّ الاستفادة من العلم النافع من فضائل أهل التقوى,
والنبي يستعيذ بالله من العلم غير النافع. 

العلم
يُقسّم من حيثيتين إلى نافع وغير نافع, الحيثيثة الأولى من حيث نفس العلم, والثانية
من جهة التأثير في نفس الشخص العالم.

منفعة
نفس العلم

   العلم الذي لا يُمكنه حل مشكلة فكرية, معيشية,
حياتية, فردية أو اجتماعية سيكون علماً غير نافع. ومن وجهة نظر المصادر الإسلامية
العلم من أجل العلم ليس مطلوباً. فزيادة العلم من دون هدف محدّد وواضح مصداق للعلم
غير النافع. فالنافع وغير النافع يتحدّد من خلال الهدف. 

   إنّ الأشخاص الذين يحملون الهمّ ويتطلّعون لحاجات
الآخرين الشخصية منها والاجتماعية ويتألمون لأجلها لا يأخذون بأيّ سؤال, وبالتالي لا
يتلفون وقتهم في الإجابة على سؤال غير عملي لا يرفع الألم والمعاناة الاجتماعية والشخصية
للناس.

   ففي كثير من الأوقات لا تحلّ التحقيقات والأبحاث
العلمية مع كل ما تحمله من دقّة وظرافة أيّ مشكلة, ولا تصنع أيّ هدف معقول, ولن يكون
ثمرة من هكذا أبحاث غير إتلاف الوقت وتضييع الإمكانات العلمية.

نفع
العلم في بناء شخصیة العالم

   إنّ العلم الذي يُؤدّي إلى انحراف شخصية العالم
سيكون علماً غير نافع. وقد ورد عندنا في الروايات أنّ العلم يكون أكبرسبب لابتعاد الشخص
عن أنوار الرحمة الإلهية: «العلم هو الحجاب الأکبر». فمن
دون التهذيب والتزكية, لا فائدة من العلم الإلهي. ومع أنّ العلم يستقر في عقل الإنسان
وقلبه, ولكن إن لم يُهذّب الإنسان نفسه, فسيبتعد عن الله تبارك وتعالى.  وعليه فالعلم الذي يُوصل إلى العجب, ويجعل الشخص
العالم متفاخراً على الآخرين, بحيث يرى نفسه أفضل من بقية الناس سيكون علماً غير نافع.   

   أحياناً لا يكون العلم غير نافعٍ من جهة التأثير
على شخصية الإنسان العالم وحسب, بل يكون مضرّاً ومستوجباً لهلاكه. فعدم معرفة بعض العلوم
لبعض الأفراد الغير مؤهلين أفضل من معرفتهم بها. وليس كلّ شخص مؤهل لتعلّم أيّ علم.
وبالتالي يختلف العلم النافع عن غير النافع بين سائر الأفراد كلّ على حسبه. فيمكن أن
يكون علم نافع لشخصٍ ما وغير نافع لشخصٍ آخر. 

  في قصة طوفان نبي الله نوح نشاهد في جواب ابنه كنعان
بعد أن دعاه والده أنّ عجب ابن نوح ومعرفته بالسباحة كانت السبب في عناده أمام والده,
الأمر الذي أودى به للهلاك في نهاية المطاف, يقول القرآن الكريم:

– {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ
فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ؛ قَالَ
سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ
اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[2].

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment