بسم
الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين و الحمد لله الذی لا مُضادّ له في مُلكه و
لا مُنازِعَ لَهُ في أمره. الحمدالله الذی لا شريك لَهُ في خلقه ولا شبيه لَهُ في
عَظَمَتِه جزء من دعاء الإفتتاح وصلّی الله علی سيدّنا و نبيّنا محمّد صلّی الله
عليه و علی آله الطاهرين و اصحابه المنتجبين.

 عبادالله ! أُوصيكم و نفسي
بتقوی الله و اتّباع امره و نهيه.

الموضوع: أوصاف المتّقين 12

الفضيلة التاسعة:
عین الیقین وحق الیقین في القيامة

– “فَهُمْ وَالْجَنَّةُ كَمَنْ
قَدْ رَآهَا، فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُونَ، وَهُمْ وَالنَّارُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا،
فَهُمْ فِيهَا مُعَذَّبُونَ”.

مراتب الیقین في القرآن

لقد ورد في القرآن الكريم الحديث عن
اليقين في ثلاث مراتب: علم الیقین، عین الیقین، حق الیقین.

فعلم اليقين هو العلم الذي يتأتّى من
خلال البراهين العقلية بحيث لا يكون هناك احتمال للخلاف فيه. كما يستدل الإنسان
على وجود النار من خلال الدخان. وهذه أول مرتبة لليقين.

يقول القرآن الكريم حول مرتبة علم
اليقين بعالم القيامة:

– {كَلَّا
لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ}[1].

أمّا عين اليقين فإنّها مرتبة أعلى من
علم اليقين. فهو اليقين الذي يتأتّى من خلال المشاهدة والوجدان ونسبته إلى علم
اليقين تكون من قبيل نسبة الرؤية إلى السماع. وعليه فعين اليقين في المثال السابق
يكون بالاستدلال على وجود النار من خلال نفس مشاهدتها.

يقول القرآن الكريم حول مرتبة عين
اليقين بعالم القيامة:

– {ثُمَّ
لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}[2].

ينقل الإمام الصادق ع أنّ أحد أحبار
اليهود جاء إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام وسأله:

– “يا
أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال علیه السلام: ما كنت أعبد ربا لم أره.
قال: وكيف رأيته؟ قال علیه السلام: لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار ولكن رأته
القلوب بحقائق الإيمان”[3].

إنّ حقّ اليقين هو المرتبة الأعلى
لليقين, فهو أمر حقيقي وعينيّ, وليس صرف يقينٍ ذهني أو نفساني. فحق اليقين يعني
تحصيل اليقين بشيءٍ عبر لمسه والإحساس به. وبالتالي فإنّ حقّ اليقين في المثال
السابق في الاستدلال على وجود النار يتحقّق للشخص الذي احترق في النار وعاين لوعة
اشتعالها.

يبيّن القرآن الكريم مرتبة حق اليقين
عند ذكره العذابات الأخروية:  

– {وَأَمَّا إِنْ كَانَ
مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ؛ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ؛ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ؛
إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ}[4].

لا يبلغ يقين أهل الإيمان إلى حقائق
عالم الآخرة أكثر من علم اليقين. كما أنّ البحث في الأدلّة الموجودة على القيامة
ستوصل الشخص المتديّن والمؤمن في نهاية المطاف إلى اليقين والاعتقاد القطعي الذي
يكون علم اليقين, ولكن أمير المؤمنين ع قد أشار في خطبة المتقين عند حديثه عن
فضائل أهل التقوى إلى أنّه لديهم مرتبة عين اليقين وحق اليقين بالنسبة إلى القيامة
والحياة الأخروية.

ينقل الإمام الصادق عليه السلام أنّ
رسول الله صلّى الله عليه وآله رأى أحد أصحابه ذات يوم واسمه الحارثة بن مالك, وقد
لاح من وجهه ما عليه حاله, فسأله رسول الله عن ذلك: 

– “فقال:
يا رسول الله أصبحت مؤقنا, فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا حارثة لكل شئ
حقيقة فما حقيقة يقينك؟ قال: يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت ليلي،
وأظمأت هواجري، وكأني أنظر إلى عرش ربي وقد وضع للحساب، وكأني أنظر إلى أهل الجنة
يتزاورون, وكأني أسمع عواء أهل النار في النار. فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله: عبد نور الله قلبه للإيمان”[5].

إنّ السلوك الاجتماعي غير السوي,
والظلم والإجحاف الذي يرتكبه الناس في حقّ بعضهم, جميع ذلك له تأثير في عدم اليقين
الحقيقي بالقيامة. فالذي لديه اعتقاد حقيقي بالآخرة كيف يمكنه ومن أجل راحته
الدنيوية في هذا العالم أن يظلم أحداً ويسلبه حقّه؟ فنحن نرى أنّ الحياة الدنيا
ليست دائمة, وكل يوم نفقد أصدقاءنا وأقرباءنا, فإذا لدينا اعتقاد بالآخرة, فهل
سنكون حاضرين لإلحاق الظلم بالآخرين وسلبهم حقوقهم للتنازل عن السعادة الأخروية
والوقوع في عذاب جهنم يوم القيامة وذلك من أجل راحتنا ورفاهنا في هذه الحياة
القصيرة غير الدائمة؟

يّبيّن القرآن الكريم أنّ أساس هذا
الظلم والسلوك الاجتماعي غير السوي هو عدم الاعتقاد بالآخرة, ويقول:

– {أَرَأَيْتَ
الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ؛فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ؛ وَلَا يَحُضُّ
عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ}[6].

والحمد
الله رب العالمين

 

 

 

[1] سورة التكاثر, الآية 5-6.

[2] سورة التكاثر, الآية 7.

[3] الکافي، ج1، ص98.

[4] سورة الواقعة, الآية 92 –
95.

[5] المحاسن، ص246.

[6] سورة الماعون, الآية 1 –
3.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published. Required fields are marked *

Post comment